- إختر إسم الكاتب
- محمد مكاوي
- علاء الغطريفي
- كريم رمزي
- بسمة السباعي
- مجدي الجلاد
- د. جمال عبد الجواد
- محمد جاد
- د. هشام عطية عبد المقصود
- ميلاد زكريا
- فريد إدوار
- د. أحمد عبدالعال عمر
- د. إيمان رجب
- أمينة خيري
- أحمد الشمسي
- د. عبد الهادى محمد عبد الهادى
- أشرف جهاد
- ياسر الزيات
- كريم سعيد
- محمد مهدي حسين
- محمد جمعة
- أحمد جبريل
- د. عبد المنعم المشاط
- عبد الرحمن شلبي
- د. سعيد اللاوندى
- بهاء حجازي
- د. ياسر ثابت
- د. عمار علي حسن
- عصام بدوى
- عادل نعمان
- علاء المطيري
- د. عبد الخالق فاروق
- خيري حسن
- مجدي الحفناوي
- د. براءة جاسم
- عصام فاروق
- د. غادة موسى
- أحمد عبدالرؤوف
- د. أمل الجمل
- خليل العوامي
- د. إبراهيم مجدي
- عبدالله حسن
- محمد الصباغ
- د. معتز بالله عبد الفتاح
- محمد كمال
- حسام زايد
- محمود الورداني
- أحمد الجزار
- د. سامر يوسف
- محمد سمير فريد
- لميس الحديدي
- حسين عبد القادر
- د.محمد فتحي
- ريهام فؤاد الحداد
- د. طارق عباس
- جمال طه
- د.سامي عبد العزيز
- إيناس عثمان
- د. صباح الحكيم
- أحمد الشيخ *
- محمد حنفي نصر
- أحمد الشيخ
- ضياء مصطفى
- عبدالله حسن
- د. محمد عبد الباسط عيد
- بشير حسن
- سارة فوزي
- عمرو المنير
- سامية عايش
- د. إياد حرفوش
- أسامة عبد الفتاح
- نبيل عمر
- مديحة عاشور
- محمد مصطفى
- د. هاني نسيره
- تامر المهدي
- إبراهيم علي
- أسامة عبد الفتاح
- محمود رضوان
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
كان البرد شديداً، والسماء حائرة ما بين حمل المطر وإسقاطه ليغسل الطرقات، ويداعب وريقات الشجر. والناس بجواري على مقهى صغير في ممر ضيق، بالقرب من المستشفى الجامعي لكلية طب جامعة عين شمس، يدخنون النرجيلة، ويحتسون الشاي والقهوة ويثرثرون كثيراً. يتحدثون بمرارة عن معاناتهم، مع المرض الذي ينهش أجسادهم الضعيفة، بلا رحمة أو ملل. الساعة جاوزت العاشرة صباحاً، وطوابير البشر تتزاحم في الممر، لعلهم يستطيعون الوصول إلى العيادات الخارجية بسهولة. طلبت من النادل وكان اسمه "رضا" كوب شاي بالنعناع، ليتدفأ جسدي، ويطرد البرد الساكن تحت ملابسي منذ الصباح. سألته عن مستشفى عين شمس التخصصي، فوصفه لي بغضب مبالغ فيه، وهو يضع على ترابيزة رديئة، أمامي، ما طلبته منه.
بعد دقائق، تحركت من طريق لآخر، ومن شارع جانبي متوسط إلى شارع أكثر منه اتساعاً، حيث زاحمت مع من يزاحمون حتى وصلت بصعوبة إلى الدور الثالث حيث يعالج فيه- حينذاك- الفنان الراحل سيد عزمي (1938 ـ 2011) الذى اشتهر باشتراكه في أعمال السيناريست الراحل الكبير أسامة أنور عكاشة، فهو كان واحداً من مجموعة فنانين اعتادوا الظهور دوماً في المسلسلات التي يقوم بكتابتها. في مقدمتها دور الأسطى زكريا" في الأجزاء الخمسة لمسلسل "ليالي الحلمية" ودور "مرشدي" في جزئي مسلسل "زيزينيا" وكذلك "حمو" في مسلسل" الراية البيضا" وغيرها من الأعمال الدرامية.
كذلك اشتهر بأدائه الصوتي لدور"زيكا" ضمن مسلسل الأطفال الشهير" بوجي وطمطم" وشخصية "بقلظ" التي قدمها في مطلع الثمانينيات مع الإعلامية نجوى إبراهيم.
وصلت إلى حجرته التي يحتجز وراء بابها المغلق. وقبل الدخول إليه استقبلني زوج ابنته الوحيدة، بكلمات ترحيب- واعتذار في نفس الوقت- من أنه سيكون من الصعب الدخول إليه؛ لأن حالته الصحية للأسف سيئة جداً. وهو الآن ليس على سريره، بعدما نقل منذ الصباح ليتمدد تحت جلسة العلاج الكيماوي المؤلمة التي يتعرض لها بصورة دورية، لمواجهة المرض اللعين الذى اصاب جسده الضعيف. ثم دعاني للجلوس في الاستراحة لنحتسي الشاي معاً. شعرت وقتها، أنه يريد الكلام في أمر ما يقلقه. جلسنا لمدة دقائق، فهمت من كلامه أن "عم سيد" ظروفه المادية صعبة، ورحلة مرضه طويلة وشاقة، وقاسية. استأذنته في أن انشر ذلك، بما لا يجرح مشاعره. هز رأسه بالموافقة، وهو يودعني مسرعاً، بعدما أشار له من بعيد الطبيب المعالج قائلاً بصوت مسموع: "عمك سيد" يحتاجك!
تركت الاستراحة ومعها رائحة الموت المنبعثة من بين جنباتها، وخرجت من المستشفى عائدا إلى صحيفتي، حتى أكتب ما اتفقنا عليه. في اليوم التالي ذهبت إلى مكتبي، فوجدت عامل التليفون"السويتش" يطلبني بإلحاح قائلاً: "يا أستاذ، اتصلت بك عدة مرات على التليفون الأرضي امرأة اسمها نجلاء فتح- لم ينتبه ليعرف من صوتها أنها النجمة السينمائية الشهيرةـ وتريد التحدث معك في أمر مهم، وستعاود الاتصال بك". بعد قليل جاء صوتها المميز والمعروف لي قائلة: "صباح الخير يا أستاذ.. أنا نجلاء فتحي". رحبت بها في سعادة شديدة، واستبقت كلامها بالحديث عن فنها الجميل الذي أحببناه صغارا، خاصة أدوارها المميزة في أفلام (أحلام هند وكاميليا. سعد اليتيم. حب لا يرى الشمس. سوبر ماركت. دمي ودموعي وابتسامتي. إسكندرية.. ليه؟ اذكريني، سنة حب، أوهام الحب، حب وكبرياء، الدنيا على جناح يمامة، مسلسل إذاعي، حب فوق البركان). وغيرها من الأعمال الرائعة. كنت أتحدث بلهفة وفرحة وسعادة.. فهذه نجلاء فتحي-فتاة أحلام أجيال كثيرة، وإحدى صناع الرومانسية الجميلة في الفن المصري لعدة سنوات- تتحدث معي.. كم هو جميل هذا الصباح؟ هي تستمع بصبر كاد ينفد. وتحاول إسكاتي لتتكلم. وأنا ما زلت أسترسل قائلاً: أهل قريتي في الصعيد، كثيراً ما كانوا يجلسون في المقاهي ليتابعوا أفلامك، ويشاهدوا جمالك الساحر، لينقلهم بسهولة من عناء نهارهم المجحف والمرهق في المزارع والحقول، إلى بيوتهم الفقيرة، ليناموا الليل في غرف مقبضة، لا شعاع فيها؛ إلا صورتك الجميلة التي اعتادوا عليها، وكأنها نور وفجر جديد وسعيد، يفتح لهم شبابيك الأمل في الحياة. كنت أنقل لها تلك الصورة وهذه الأحاسيس الصادقة من الجماهير التي أحبّتها. وكانت تستمع بخجل واضح في صوتها. ثم ردت بتواضع شديد: "ربنا يسعد الجميع ويسعد كل المصريين صعايدة وفلاحين"، قالتها وهي تضحك من قلبها بسعادة واضحة. بعدها توقفت عن الضحك. وطلبت منى بإلحاح ورجاء أن أصمت قليلاً، حتى تتحدث فيما طلبتني فيه!
قالت: أريد منك عنوان منزل الفنان "سيد عزمي" الذي كتبت عنه اليوم في الصحيفة. اعتذرت قائلاً: أنا لا أعرف عنوان بيته، لكن رقم هاتفه معي إن أردت. قالت: لا.. أريد عنوان بيته حتى أرسل له باقة ورد!
ثم سكتت بعض الشيء، واستأذنت في الانصراف قائلة: عموماً.. أنا سأبحث عن وسيلة أخرى للوصول إليه. ثم كررت شكرها وإعجابها بالموضوع الذى نشر فى ذلك الصباح من شتاء عام 2005. طلبت منهاـ قبل أن تنهى المحادثةـ إيصال تحياتي لزوجها "حمدي قنديل" الإعلامي الصادق والأمين على الكلمة، الذى لم يتلون بتلون الشاشات التي ظهر عليها، على مدار تاريخه المهني. ردت التحية بسعادة وهي تودعني.. ثم أغلقت الخط.
بعد عدة أيام، وجدت الفنان سيد عزمي يهاتفني وهو يبكى وصوته ضعيف والكلمات تخرج منه بصعوبة قائلاً: "يا خيري.. ماذا دار بينك وبين الفنانة نجلاء فتحي؟ قلت له ما حدث بيننا بالضبط، وإنها أردت أن ترسل له باقة ورد! قال: لكنها لم ترسل لي وردا كما قالت لك. أرسلت مبلغاً من المال كبيراً وورقة بيضاء مكتوبا عليها تقبل تحياتي! قالها الرجل وهو يبكي بشدة ولسان حاله يقول: الدنيا مازالت بخير. قاطعته قائلاً: نجلاء فتحي فنانة رائعة وإنسانة عظيمة. وهي التي بحثت عنك، ولم يطلب منها أحد ذلك. وأنت تستحق كل تقدير، ربنا يكمل رحلة علاجك على خير.
في شهر مارس من عام 2011 ـ العام الذي رحل فيه-ذهبت لإجراء حديث صحفي مع الإعلامي حمدي قنديل. وصلت إلى منزله بحي مصر الجديدة. فتحت لي باب الشقة "نجلاء فتحي" ثم جاءت لي بفنجان الشاي الذي طلبته. وأنا أعيد على مسامعها إعجاب أهل قريتي خاصة الرجال بجمالها الساحر، المدهش في أفلامها الرائعة التي يتابعونها. هذا الإعجاب الذى كان يؤدى أحياناً إلى غضب بعض نساء القرية من أزواجهن، وتؤدى نتيجته في مرات عديدة إلى خناقات زوجية طاحنة، تنتهى بترك المرأة بيت الزوجية؛ لأن الزوج كثيراً ما كان يقول لها غاضباً ومتعجباً ومتعجرفا (أمال لو أنت "نجلاء فتحي" كنت عملت فيه إيه)؟ كنت أقول لها ذلك، وهي تضحك بشدة وملامح الخجل الجميل تهاجم وجهها الذي مازال يحمل بين قسماته ما تحمله الوردة إذا ذبلت. ثم استأذنت في الانصراف، وغابت ولم تظهر لمدة ليست قليلة. قبل انتهائي من الحديث مع حمدي قنديل والذي تحاورنا فيه عن (25 يناير). وأذكر أنه قال فيه مبكراً وبوضوح ويقين: "الثورة فشلت؛ لأن هناك من أرد لها ذلك، ولقد تحقق له ما أراد"! يومها دخلت علينا على استحياء معتذرة، وهي تستأذنه في أن تفتح حافظة نقوده، لأن الخادمة تريد مائة جنيه، لشراء بعض مستلزمات البيت. هز رأسه قائلاً: "اتفضلي يا حبيبتى"!.
بعدما انتهيت من حديثي معه، وجدتها بالقرب من باب الشقة تنتظر لوداعي بكل تواضع. حاولت أتذكر معها ما حدث بينها وبين الفنان الراحل سيد عزمي. رفضت الكلام بإصرار وغضب واضح، وقالت: الله يرحمه ويرزقه الجنة. فتركتها، وغادرت تلك الشقة الهادئة ذات الطابع البسيط، التي يغلب عليها الحب الصادق. والرومانسية الجميلة، والاحترام المتبادل، والصدق في القول والعمل. والوفاء والدفء الأسري الجميل. وترجلت بهدوء في شوارع مصر الجديدة، عائداً من حيث جئت. وأنا أنظر إلى السماء وهى تداعبنا بنسمات الربيع، الذى يدق الأبواب في ذلك النهار البعيد، وفى ذهني" فجر" نجلاء فتحي" الذى لم ـ ولن ـ يغيب؛ لأنه- ببساطةـ فجر أصيل وصادق وسعيد. وليس فجراً تافهاً وكاذباً وحزيناً !
إعلان