إعلان

السينماتيك ومهرجان الإسماعيلية وخلط الأوراق

السينماتيك ومهرجان الإسماعيلية وخلط الأوراق

د. أمل الجمل
09:00 م الجمعة 13 أبريل 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لابد أن أعترف أنه عندما تمت صفقة بيع أصول السينما المصرية لإحدى القنوات الفضائية السعودية - في مستهل الألفية الثالثة - غضبت وكنت أشعر بالدماء تغلي في شراييني وأوردتي، لتفريطنا في تراثنا وتاريخنا السينمائي الذي يعادل ثروة قومية. لكن بعد أن اطلعت علي الكارثة المروعة التي تنتظر تلك الأصول لو تُركت في مصر، والتي طالت بالفعل الكثير من نيجاتيفات الأفلام، قلت لنفسي: "حلال على تلك الفضائية الوهابية التي ستمنع نهائياً بعض الأفلام من العرض على الشاشة، وسوف تستخدم مقص الرقيب مع مشاهد ولقطات من البعض الآخر.

لكن طالما أن تلك الأصول ستُدفن وتندثر لو أصررنا علي الاحتفاظ بملكيتها لمصر، لأننا باختصار غير قادرين، أو بمعنى أدق لا نريد أن نحافظ عليها، فنحن إذن - اسمحوا لي - لا نستحق هذا التراث القومي، ولا نستحق هذا التاريخ. فطالما فرطنا فيه، وطالما كنا غير حريصين علي صيانته، فليذهب إذن إلى مَنْ يستحقه، مَنْ يُقدره ويستطيع الحفاظ عليه، وفي جميع الأحوال حتى لو اشترته فضائية سعودية أو حتى إسرائيلية ستظل هوية تلك الأفلام تنطق بمصريتها إلي يوم أن تقوم الساعة".

ربما يعتبر البعض تفكيري السابق وقبولي بهذا الوضع قريب الشبه بمن يُرحب بالاحتلال، أو كمن يقول إن أوضاعنا في ظل المحتل كانت أفضل حالاً بعد الاستقلال، ولمثل هؤلاء أقول: أنا الآن مع حفظ تراثنا السينمائي وذاكرتنا البصرية والسمعية حتى لو تعاونا مع الشيطان ذاته.

لما يعرفوا معني السينماتيك الأول!

رغم الجهود الحثيثة التي تقوم بها وزيرة الثقافة في مناسبات عديدة، فإني لن أخفي يأسي من أن تقوم الجهات المختصة - بالسينماتيك في وزارة الثقافة المصرية - بفعل شيء إيجابي ملموس، أو إنهاء بشكل إيجابي قضية المبنى الذي يصلح لذلك الغرض بمواصفات علمية على مستوي عالمي، وبالمقاييس ذاتها التي يتم بها تصميم أي سينماتيك سينمائي في أي مكان متحضر من العالم.

أقول: لن أخفي يأسي، خصوصاً بعد أن قرأت تصريحاً بمناسبة انعقاد الدورة العشرين من مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة - الذي افتتح مساء الأربعاء الماضي ويستمر حتي ١٧ أبريل الجاري. كان التصريح للدكتور خالد عبد الجليل رئيس المركز القومي للسينما ورئيس الرقابة علي المصنفات الفنية، وقد أدلى به للزميل أحمد محمود، بالأهرام، ومنه: "يتم الآن إعداد صرح ضخم في العاصمة الإدارية الجديدة حيث سيكون هذا الصرح مدينة للفنون".

أصارحكم، أنا شخصياً أسمع عن تخصيص أرض أو مبنى أو مكان للسينماتيك من حوالي عشر سنوات، لكن لا شيء فعلياً يحدث علي أرض الواقع. على مدار سنوات وأنا أقرأ، وأسمع كلاماً، وتصريحات، وتُقام ندوات، وبعض المسؤولين يُبعثون في سفريات، ويشاركون في اجتماعات ومؤتمرات، لكني لم أجد أي شيء ملموس، مجسد، يتحقق، ولا أري أو أشعر بأي خطوة تحمي هذا التراث، والثروة القومية التي تكاد تتحلل وتندثر يوماً بعد الآخر.

لكن دع هذا جانباً، فالمدهش، بل المثير لعلامات الاستفهام والاستهجان، هو بقية تصريح رئيس جهاز المركز القومي للسينما، وفق ما نشرته الأهرام، إذ يُضيف: "وإن كان يُمكننا أن نعتبر أن الأوبرا بما تحويه من مراكز عبارة عن سينماتيك"؟!

لن أخفيكم سراً، إحساسي بعد قراءة ذلك الجزء من التصريح أنه لو كان سمير فريد سمع هذا التصريح وهو على قيد الحياة كان سقط ميتاً بالسكتة القلبية. سمير فريد أفنى عمره في المطالبة بإنشاء وإقامة سينماتيك وفق مواصفات فنية وعلمية كما يحدث في الدول المتقدمة، ووضع خطة لا مثيل لها في مصر لكيفية إنشاء سينماتيك لحفظ أصول الأفلام، ونسخ منها، إلى جانب أقسام لحفظ سيناريوهات تلك الأفلام، وجميع البحوث والكتب والوثائق السينمائية، وكل ما يتعلق بالأفلام وصناعة السينما من مقالات، ودراسات، وأرقام، وصور فوتوغرافية أو فيديوهات، مع ضرورة إتاحتها للعرض والاطلاع من قبل الباحثين والمهتمين، تماماً مثل دار الكتب.

ذر الرماد في العيون

بالطبع، يُحسب للدكتور خالد عبد الجليل إدراكه لأهمية مجلة "السينما والتاريخ" التي أصدرها سمير فريد في اثني عشر عدداً على نفقته. تماماً كما نُثمن لعبد الجليل حرصه على إصدار الأعداد الكاملة للمجلة في مجلدين أثناء فعاليات تلك الدورة، وهي خطوة تشي بتقديره لتاريخ سمير فريد، ويُدرك أهميتها التوثيقية والبحثية كل من اطلع على أعداد تلك المجلة التي لم يوجد لها مثيل في مصر حتى الآن.

لكن هذا "التقدير" وحده لا يكفي، إنه نقطة في بحر، لأنه إن لم تكن هذه الخطوة جزءاً من مشروع السينماتيك، وإن لم يكن أرشيف سمير فريد الخاص جزءا من السينماتيك الذي طالما حلم به وكتب عنه، ونادى بإنشائه، وصارع من أجله، سيكون إعادة طبع مهرجان الإسماعيلية لأعداد مجلة "السينما والتاريخ" نوعاً من "ذر الرماد في العيون".

أما هذا الجزء الأخير من التصريح السابق لرئيس المركز القومي للسينما، لن يجعلنا نعيد شرح مفهوم السينماتيك، ولكن يفقدنا الثقة والأمل معاً في أي خطوة حقيقية لإنجاز هذا الحلم القومي لأسباب لا يتم الإعلان عنها أبداً، ولا ندري لماذا؟! خصوصا في ظل ما يتردد في الأوساط السينمائية عن ترحيب دول أجنبية لإنجاز تلك المهمة.

سمير وشاهين

هنا أستعيد ما ذكره المنتج السينمائي جابي خوري أثناء ندوة مناقشة كتاب "سمير فريد الناقد السينمائى.. النموذج والمثال" - الذي ألفته كاتبة هذه السطور - عندما أثير موضوع مصير أرشيف سمير فريد، إذ حكى عن تجربته مع أرشيف المخرج يوسف شاهين، وكيف أن الفرنسيين اندهشوا من عدم حفظ الأرشيف، ليس الفيلمي فقط ولكن الورقي أيضاً بأسلوب علمي، وكيف أنهم كانوا يرتدون قفازات أثناء حفظ وتصنيف وترميم الأرشيف الورقي، واكتشافهم أن بعض الأوراق منه كانت مصابة بالتحلل، وأن ذلك مُعدٍ ويمكن أن ينتقل للأوراق البحثية والمقالات النقدية الصحفية الأخرى، فكانوا يقومون بفصل تلك الأجزاء والأوراق من صحف ودراسات ومقالات ومجلات، وعزلها أو وضعها في الحجر الصحي، وذلك في محاولة لحصار الوباء، وعدم انتشاره، وهو ما أكدته لي لاحقاً المنتجة والمخرجة ماريان خوري. فهل يستقيم تصريح الدكتور خالد بشأن اعتباره أن ما يوجد في دار الأوبرا المصرية يُمكن أن نعتبره سينماتيك بالتوازي مع الخبرة العملية التي حكاها خوري من ناحية، ومن ناحية ثانية حديث رئيس الرقابة عن الصرح الكبير في العاصمة الإدارية الكبيرة…؟!

مصير بائس

تساؤل آخر يطرح نفسه - في ظل تصريحات الناقد السينمائي عصام زكريا، رئيس مهرجان الإسماعيلية - يتعلق بشأن مصير الجهد الذي بذله ومحاولته بناء ذاكرة لذلك المهرجان السينمائي الذي كانت مصر تفخر بها يوماً ما، فقد ذكر عصام أن فعاليات دورة المهرجان هذا العام رغم محدودية الميزانية تتضمن "تقديم حصاد الـ 19 دورة السابقة" والتي تُعد الأضخم في تاريخ "الإسماعيلية السينمائي" - وفق تصريحه - حيث سيكون هناك عرض أرشيف لكتالوجات وملصقات وأفيشات ومطبوعات والصور الفوتوغرافية والمواد الفيلمية لتلك الدورات الـ19. وهي حقاً لو تم إنجازها كما تمت الإشارة إليها ستعتبر خطوة تأسيسية لذاكرة المهرجان طالما أنها تجمع مقتنياته من كتب وملصقات ومواد صحفية كتبت عنه، وأوراق بحثية أقيمت خلاله، من مصادرها المختلفة.

لكن يظل التساؤل: ماذا سيكون مصير هذه المقتينات وتلك الذاكرة التي قام زكريا بتأسيسها ؟! ماذا سيكون مصير هذا المجهود؟!… هل حقاً "سيوضع في غرفة خاصة بالمركز القومي للسينما" كما صرح رئيس المهرجان؟! وهل هذه الغرفة مطابقة للمواصفات الفنية لحفظ الأفلام وما تم تجميعه من أرشيف ورقي لبناء الذاكرة والأرشيف..؟! هل هذا الأرشيف خالٍ من أي وباء يمكن أن ينتقل من مكان إلي آخر كما أشار جابي خوري في تجربة الفرنسيين مع أرشيف يوسف شاهين؟!

التكريم الحقيقي

أليس من حق من بذلوا هذا الجهد، ومن حق المواطن والباحث وكل سينمائي - أن يتم الحفاظ علي هذا الجهد بوضعه في قسم ضمن السينماتيك الذي طالما حلمنا به بعد أن غرس فينا سمير فريد هذا الحلم الكبير؟

جميل أن تُقام الندوات، والمؤتمرات، وتكتب الدراسات، وتُصدر الكتب من حول سمير فريد، لكن اسمحوا لي سأقولها بصراحة كبيرة: كفانا كلاماً و"متاجرة" باسم سمير فريد، ولنثبت لأبناء هذا الوطن، وللأجيال القادمة أننا صادقون وحريصون علي اسم وتراث وثروة وميراث سمير فريد، هو وغيره من الأساتذة والمؤرخين الذين تركوا لنا ثروة لا تقدر بمال… احفظوا لنا تاريخنا وذاكرتنا في سينماتيك بمواصفات علمية. هذا هو التكريم الحقيقي لسمير، ولغيره من الكبار الذين رحلوا، أما ما دون ذلك إن لم يتواز مع سينماتيك حقيقي فسأظل أعتبره "بروباجندا" لا تُسمن ولا تُغني من جوع.

إعلان

إعلان

إعلان