إعلان

أسئلة الـBBC

أسئلة الـBBC

عمرو الشوبكي
09:00 م الخميس 01 مارس 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أثار التقرير الذي بثته قناة الـBBC World، ونشر مضمونه موقعها الإنجليزي ردود فعل غاضبة، لدى المؤسسات الرسمية المصرية، وقطاع واسع من الرأي العام، ووصفته هيئة الاستعلامات بأنه مليء بالأخطاء المهنية والتحيزات الفاضحة، وتعامل مع قضية التعذيب في مصر باعتبارها تتم بشكل ممنهج وليس مجرد حالات فردية.

وجاء الحوار الذي أجراه الإعلامي عمرو أديب مع الفتاة زبيدة التي ادعت القناة البريطانية أنها مختطفه قسريًّا ليعمق الفجوة بين الحكومة المصرية وبين "بي بي سي" التي اتُّهمت ليس فقط بالانحياز إنما بالتلفيق والكذب.

بالمقابل وصفت أم الفتاة "الحوار المصري" بأنه مفبرك، وأن ابنتها مازالت مسجونة، وأنها تحدثت تحت الإكراه، لكن ما قالته لم يفقد قطاعًا واسعًا من الرأي العام الثقة بمصداقية رواية الدولة، وزادت قناعتهم بأن الحكم على حق، وأن القنوات الغربية متآمرة على مصر، وعلى رأس هذه القنوات "بي بي سي"، وأن البلد مستهدف من قوى كثيرة يحركها الإخوان، في حين ظل الدائرون في فلك رواية الإخوان على موقفهم؛ لأن معارضتهم للنظام الحاكم ليست قائمة على مجرد خلاف على سياسات، إنما على شرعية الوجود.

ويمكن القول إن الرد الرسمي على قناة الـ"بي بي سي" ربح قضية الرأي العام المحلي، واستثمر في المشاعر الوطنية التلقائية لدى الناس، وعمَّق ريبة قطاع واسع منهم في وسائل الإعلام الأجنبية.

ويبقي السؤال الكبير ماذا عن الرأي العام العالمي الذي خاطبه أساساً تقرير "بي بي سي"؟ وهل يكفي فقط ترجمة هيئة الاستعلامات لحديث زبيدة، وتكذيبها رواية القناة البريطانية في التأثير أو الاشتباك مع الرأي العام العالمي والمؤسسات الدولية الكبرى؟ خاصة أن وكالة صحفية كبري مثل "أسوشيتد برس" (AP) كتبت تقريراً، أمس، انتقدت فيه ما قالته الدولة بخصوص تقرير "بي بي سي"، والقيود المفروضة على الإعلام.

إن الأداء المصري في التعامل مع قضية الرأي العام العالمي تحكمه عدة مشكلات، أبرزها تناقض الخطاب الرسمي، وأحياناً "قول الحاجة" وعكسها، فهناك من يقول نحن لسنا في حاجة إلي الرأي العالم العالمي، ولا إلى الصحافة العالمية؛ لأنها من الأصل تكرهنا وتتآمر علينا، وهذا الخطاب يتناقض مع نفس الموقف الرسمي الذي يسعى إلى جذب الاستثمار والسياحة العالمية، ويعمل على نيل ثقة المؤسسات المالية الغربية حتى تحصل مصر على قروض البنك الدولي، بما يعني أن الصورة الذهنية عن مصر في الخارج لا يجب التعامل معها باعتبارها قضية حب وكره إنما مصالح مشتركة.

ومن هنا تصبح قضية الرأي العام العالمي مهمة، وقضية الحفاظ على ثقة المؤسسات الدولية ليست قضية هامشية حتى لو كان اهتمام هذا الرأي العام العالمي بمصر أقل كثيرًا مما يتصور البعض في بلادنا.

إن مؤسسات التأثير في الرأي العام العالمي بالأساس نوعان: الأول الصحافة والقنوات الكبرى ومن بينها "بي بي سي"، التي تخاطب الجمهور الأوسع من الرأي العام، والثاني مراكز الأبحاث التي تخاطب النخب المختلفة ودوائر صنع القرار، وكلاهما (في معظمهما) لديه موقف معارض من النظام السياسي المصري.

إن التعامل مع العالم الخارجي يتطلب أولاً الانطلاق من ثقافة سياسية تقر بوجود أخطاء وتعترف بها، وتعمل على تصحيحها من أجل المواطن المصري قبل الرأي العام الخارجي، ومناقشة المعلومة أو السؤال، والرد عليهما بصرف النظر عمن قالهما معنا أم ضدنا.

كما إنه يجب ثانياً أن تنطلق المؤسسات الرسمية من أن الصحافة العالمية الكبرى، في معظمها، لديها موقف معارض من الحكم في مصر، ودون أن يعني ذلك أنها ضالة أو متآمرة، ومن ثم، لا يجب التعامل معها بطريقة الوعظ والهداية كما يفعل بعض الدعاة الجدد مع الرأي العام الغربي، فمخاطبة المجتمعات الأخرى لا يجب أن ينطلق من أننا على حق وهم على باطل، إنما كلانا من الوارد أن يخطئ وأن يصيب، وهذا لن يتم إلا بتصحيح الأخطاء لا المكابرة والقول في كل مرة "كله تمام".

إن أغلب النخب الأوروبية والأمريكية لم تعد مشغولة بمنطقتنا ولا بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وباتت تقول همساً وأحياناً علناً: هذه مناطق منكوبة لا أمل في إصلاحها سياسياً وديمقراطياً، والمطلوب منها فقط ألا تصدر للغرب الإرهاب واللاجئين.

إن هذا الرأي العام على استعداد لأن يستمع إلى أي كلام جاد من جانبنا، وأي رغبة حقيقية في تحسين ملف حقوق الإنسان ووقف الانتهاكات، ولو الفردية التي تحدث، لأنه يرغب فقط في وجود بلاد مستقرة يتراجع فيها الاحتقان والإرهاب، ونظم لديها حد أدنى من المهنية والكفاءة تؤمن استثماراته ورحلاته السياحية وقبلهما الاستقرار.

وبعيداً عن تقرير هيئة الإذاعة البريطانية، فإن الرد على أي شكوى تتعلق بملف الديمقراطية وحقوق الإنسان يجب أن ينطلق من الاعتراف بالأخطاء وتصحيحها، والاشتباك مع ما يقال دون استعلاء، والتوقف عن الرد على أي اتهام أو نقد بالقول: انظروا ماذا يحدث لمسلمي ميانمار، أو راجعوا ملفاتكم العنصرية في أوروبا قبل أن تكلمونا عن انتهاكات حقوق الإنسان، وهي كلها إجابات خارج الموضوع، وتضر بنا ضرراً شديداً.

نعم لقد فتح وثائقي الـ"بي بي سي" جروحاً كثيرة، وأثار تساؤلات عديدة، وأعتقد أن الدولة ردت في جوانب كثيرة، ونجحت في أن تؤثر في الرأي العام المحلي، إلا أنها ما زالت حتى هذه اللحظة لم تصل للرأي العام الغربي بردود مقنعة تعيده للحياد تجاه مصر؛ لأنه ليس مطلوباً منه أيضاً أن يؤيد ويبايع.

إعلان

إعلان

إعلان