لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

كيف نشأت أزمة الدواء في مصر  (1-2)

كيف نشأت أزمة الدواء في مصر (1-2)

د. عبد الخالق فاروق
09:00 م الخميس 15 فبراير 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

سيطرة الشركات الأجنبية على سوق الدواء

يعرف المتخصصون الدواءDruge بأنه أي مادة في منتج صيدلي تستخدم لتغيير أو استكشاف نظم فسيولوجية أو حالات مرضية لصالح متلقي هذه المادة (24)، ويسجل التاريخ الإنساني لحظة الانقلاب في صناعة الدواء الحديث حينما تمكن ”فيلكس هوفمان” F.Hovman عام 1897 من إحداث تعديل كيميائي بسيط لمادة مستخلصة من قلف شجرة الصفصاف هي حامض ”الساليسيل”، وكانت نتيجته الحصول على حبوب ”الأسبرين”؛ وهو ما مكن شركة ”باير”Pier من أن تكون أول شركة عصرية لصناعة الدواء؛ بمعنى استخلاص المواد من مصادر طبيعية، وإلى استخدام التخليق الكيميائى (25).

ومنذ هذا التاريخ أصبحت صناعة الدواء وبيعه وتوزيعه واحدة من أكبر الصناعات في العالم وأكثرها ربحية على الإطلاق، وتشكل في إطارها أكبر وأقوى تكتل مصالح Lobby في العالم أجمع.

يكفي أن نشير إلى واقعة نجاح هذا التكتل الدوائي الممثل في الشركات الدولية المتعدية الجنسيات Multinational في الضغط على دول العالم كافة أثناء جولة التفاوض حول اتفاقية التجارة العالمية، التي استمرت زهاء عشر ســــنوات (1985– 1994)، أو ما عرفت باسم جولة أوروجواي؛ من أجل تضمين اتفاقية حقوق الملكية الفكريـــــة (Trips) كواحدة من هذه الاتفاقيات الجديدة؛ بحيث أسبغت حمايتها ليس فقط على العملية الابتكارية الخاصة بالدواء، وإنما امتدت لتشمل العملية الإنتاجية للدواء ذاتها مع امتداد فترة الحماية إلى عشرين عاماً على الأقل (26).

وقد بلغ من قوة هذه الشركات أن 39 شركة دواء غربية تكتلت ضد حكومة جنوب إفريقيا في أواخر عقد التسعينات لمنعها من ممارسة حق الترخيص الإجباري- الذي تتيحـه اتفاقية الجات الجديدة– لتصنيع أدوية مضادة للإيدز محلياً، برغم إصابة الملايين في إفريقيا بهذا المرض الخطير وصعوبة الحصول على دواء رخيص لعلاجه (27).

كما برز خلال منتصف التسعينات من القرن العشرين ظاهرة الاندماجات بين شركات الدواء الكبرى، حيث زاد نصيب أكبر خمس شركات في السوق العالمى من 19% عام 1995 إلى 28% عام 1999؛ وزاد نصيب أكبر عشر شركات من 33% إلى 46% خلال نفس الفترة *(28).

لقد زادت مبيعات الدواء العالمية من 43.5 مليار دولار عام 1976، إلى 506.0 مليارات دولار عام 2004، ثم إلى أكثر من 800 مليار دولار بحلول عام 2015.

ويصف الخبير الفارماكولجي البارز ”د.محمد رؤوف حامد” هذا التطور السريع بالزيادة الأسيةExponential ، وليس الزيادة الحسابية التقليدية البسيطة (29). وقد أظهرت بعض الدراسات المتخصصة أنه من بين أعلى 100 شركة عالمية متعدية الجنسيات من حيث تخصيص ميزانيات للبحوث والتطور R&D نجد 29 شركة دوائية.

ويعتبر سوق الدواء بهذا المعنى هو الأكثر أهمية من أسواق السلاح والحروب، سواء بسبب التزايد السكاني المطرد عالمياً، أو بسبب انتشار الأمراض والأوبئة، وعجز الوسائل التقليدية والبدائية عن ملاحقة الأنواع الجديدة من هذه الأمراض.

وتستحوذ شركة جلاسكو سميت ”كلاين”Glasco Smith Clean على 7% من السوق العالمي، وشركة فايزر بعد استحواذها على شركة ”وارنر Wariner” أصبحت تستحوذ على 6.3% من السوق العالمي للدواء.

ويعتبر سوق الدواء المصري والعربي، من الأسواق المهمة والواعدة لهذه الشركات العالمية ولفرص الاستثمار فيها، ويبلغ معدل نموه السنوي نحو 10% إلى 18%، وتسجل بعض الإحصاءات المتاحة زيادة ملحوظة في حجم استهلاكه من أقل من مليار دولار في منتصف السبعينات، إلى أن تجاوز عام 2001 نحو 7.1 مليار دولار، ثم تجاوز الـ23.0 مليار دولار بحلول عام 2014.

وفي مصر زاد حجم الاستهلاك الدوائي من 1170 مليون دولار عام 2001 (أي نحو 7 مليارات جنيه مصري بأسعار الصرف السائدة وقتئذٍ)، إلى نحو 11.0مليار جنيه عام 2007، ثم إلى 28.0 مليار جنيه عام 2014.

لعل هذا ما دفع بعض الشركات الأجنبية لفتح مصانع وفروع لها بالمشاركة مع رؤوس أموال محلية (خاصة أو حكومية) في الكثير من الدول العربية، وفي مصر، اعتماداً على ما يسمى ”التشكيل الدوائي” Formation Drug كأساس لتلك الصناعة التي هي أقرب إلى مفهوم صناعات التركيب أو”التقفيل” أكثر من كونها صناعة تعتمد على الابتكار واستحداث بعض الأدوية الحيوية، أو تخليق نشط لمركبات دوائية مصرية أو عربية من خلال تطوير منظومات البحوث والتطوير في هذه الشركات أو المصانع المحلية.

فعلى سبيل المثال نجد أن 40% من الأدوية المصنعة في مصر تتم من خلال تصاريح أجنبية، وأن نحو 90% منها قد انتهت فترة براءات اختراعها (31).

(أ) تطور الصناعة الدوائية وسوق الدواء في مصر

حتى عام 1952 لم تكن هناك صناعة دوائية بالمعنى المعروف للكلمة، بل اعتمد الاستهلاك الظاهري للأدوية- والذي لم يكن يتجـاوز حجمه نحو 5.0 ملايين جنيه- على الاستيراد من الخارج، وفي عام 60/1961 بلغ حجم الاستهلاك الدوائي (بسعر البيع للجمهور) 15.0 مليون جنيه (بما كان يشكل أقل من 1.0% من الدخل القومي الإجمالي) منها 90% تُستورد من الخارج، مقابل 10% فقط تنتج محلياً (32)، وقد تطلب الأمر من الحكومة الناصرية الاهتمام بهذا القطاع في إطار اهتمام أوسع نطاقاً بموضوع الرعاية الصحية بصورة عامة، فجرى في ذلك العام إنشاء ”المؤسسة المصرية العامة للدواء”، وتأميم بعض مصانع الدواء الصغيرة والمحدودة، ودمجها في كيانات أكبر بحيث أصبح لدينا في مطلــع عام 1962 هيكل تنظيمي حديث لصناعة الدواء يتكون من:

◘ 7 شركات إنتاج للدواء.

◘ شركتين للخدمات المرتبطة بهذه الصناعة.

◘ شركتين للتجارة الدوائية والتوزيع.

وقد أدى ذلك إلى زيادة نسبة الإنتاج المحلي من الدواء من 10% عام 1952 إلى 28% عام 1961 ثم إلى 80% عام 1979 (33).

وفي سياق التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي طرأت على مصر بانتهـــاج الدولة لما ســـمى ”سياســة الانفتاح الاقتصادي”Open Door Policy، سمح للقطاع الخاص المصري والأجنبي من جديد بالدخول والاستثمار في هذا المجال، فزاد الاستهلاك الدوائي إلى 210.0 مليون جنيه عام 1979، وبحلول عام 2007 كان حجم الاستهلاك الدوائي قد تجاوز 11.0 مليار جنيه، بما يعني أن متوسط نصيب الفرد من استهلاك الدواء قد زادت من 0ر22 قرشاً عام 1952 إلى 0ر58 قرشاً عام 1961، ثم إلى خمسة جنيهات عام 1979، ثم قفز هذا المتوسط إلى ما يقارب 146.7 جنيه للفرد عام 2007 *، والآن (عام 2015) يكاد يصل هذا المتوسط إلى 311.1 جنيه للفرد الواحد.

لقد أخذ هيكل هذا القطاع الحيوي– بشقيه التصنيعي والتسويقي- في التغير تدريجياً، فبحلول عام 1981 كان قد أصبــح هناك ثلاث شركات مشــتركة (برأسمال عام وخاص، أو مصري وأجنبي) بالإضافة إلى شركة خاصة محلية علاوة بالطبع على ثماني شركات عامة (أو حكومية).

وبحلول عام 1995 كان عدد الشركات العاملة في مجال الدواء قد بلغ 250 شركة من بينها 25 شركة فقط في عمليات التصنيـــع، والباقي عبارة عن مكاتب علمية لشركات تعمل أساســـاً في حقل التسويــــــق (34).

وبالمقابل تقلص عدد الشركات الحكومية بسبب عمليات الخصخصة، بحيث أصبح هيكل هذا القطاع في عام 2007 كالتالي (35):

◘ 6 شركات مملوكة للحكومة (لا يزيد حجم مبيعاتها على 19% إلى 22% من حجم مبيعات الدواء سنوياً في مصر)، ثم انخفضت بعد ذلك لتصل إلى 6.0% فقط من حجم المبيعات الدوائية في السوق المصري عام 2014.

◘ 26 شركة متعدية الجنسيات (وتشكل مبيعاتها نحو 50% إلى 55% من المبيعات في البلاد).

◘ 210 شركات إقليمية أو قطاع مشترك أو قطاع خاص محلي، وتمثل مبيعاتها نحو 25% إلى 30% من حجم السوق المصري للأدوية.

ويعمل في هذه الشركات نحو 35 ألف كادر فني وطبي منهم نحو عشرة آلاف بالشركات الخاصة، ثم جرى تغير تدريجي جديد بعد عام 2007، تدنت فيه حصة الإنتاج المصري والحكومي لصالح القطاع الخاص والأجنبي، ووفقاً لما ورد في تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات الذي أثار مشكلة كبرى عام 2016 تبين الآتي:

1- بلغت مبيعات الدواء في السوق المصري عام 2014 نحو 28.0 مليار جنيه.

2- عبر سياسات الخصخصة وهيمنة القطاع الخاص والشركات الأجنبية والوكلاء المصريين لهذه الشركات، سيطرت تلك الشركات على السوق تماماً، وبلغت مبيعاتها 93.6% من هذا المبلغ.

3- من هذا المبلغ فازت شركات القطاع الخاص المصري بمبلغ 13.2 مليار جنيه بنسبة 47%، وتنمو عن العام السابق بنحو 13%.

4- تليها شركات الأدوية المستوردة بحجم مبيعات بلغ عام 2014 نحو 7.34 مليار جنيه وبنسبة 26.3% من السوق، وبمعدل نمو عن العام السابق 22.9%.

5- أما الشركات المتعدية الجنسيات فبلغ نصيبها 5.68 مليار جنيه، بنسبة 20.3% من السوق، وبمعدل نمو 9.5%.

6- أما شركات قطاع الأعمال العام التابعة للحكومة المصرية فبلغ نصيبها نحو 1.78 مليار جنيه بنسبة 6.4% من إجمالي السوق، وبمعدل نمو متدنٍ جداً 3%.

ولهذا وبعد تغريق الجنيه المصري في نوفمبر 2016 ضغطت هذه الشركات وجماعات المصالح على الحكومة والنظام، فحرك الأسعار تلبية لمطالبها، وهكذا سيطر القطاع الخاص والشريك الأجنبي على سوق الدواء في مصر.

 

إعلان

إعلان

إعلان