إعلان

الدّمُ وغِواية السلطة "٢-٣"

الدّمُ وغِواية السلطة "٢-٣"

محمد حسن الألفي
09:00 م الثلاثاء 13 نوفمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تحت عنوان إرضاء الرب تقام صلوات وتسفك دماء. تحت عنوان إرضاء السلطة، في أي بلد، أو قبيلة، في أي زمن، تقام صلوات وتسفك دماء. ذلك منذ الزمن القديم والسلطان القديم.

الرغبة في الاستعباد غريزة، والقابلية للاستعباد غريزة. المستعبد يرى أنه يمارس حقا إلهيا، والعبد يرى أنه يطيع أمرًا إلهيا.

الأمر الإلهي الآن صار له اسم آخر هو النصيب، والمكتوب، والمقدر، أما إذا شئت له اسمًا عصريًا، فهو السيناريو الإلهي، وفي كل هذه الحالات تصير العبودية طقسًا من طقوس الولاء، وشعيرة من شعائر العبادة لظل الله على الأرض.

في عصر الملك الإنجليزي الأشهر هنري الثامن، صاحب الزيجات الستة، اشتعل الصراع داميًا بينه وبين بابا روما والكنيسة الكاثوليكية، لأن البابا رفض طلبه تطليق زوجته الملكة كاثرين، ليتزوج من عاهرة عشقها، فاستعبدته، وتسلطنت عليه بالجنس هي آن بولين.

البابا يمثل الله على الأرض وهو سلطة إلهية، والملك يحكم بحق التفويض الإلهي، لكنه سلطة زمنية، أي دنيوية.

قرر الملك ليحصل على الطلاق من زوجته التي كانت في الأصل زوجة لشقيقه أن يطلق الكنيسة في روما، ويستقل بكنيسة إنجلترا، ويصبح رئيسها، ونصب عليها كاردينالًا من أصدقائه ليحقق له رغبته الكبرى في تطليق الملكة والزواج بالعاهرة آن بولين!

رغم أنه ملك يتمتع بالقوة والطاعة وفصل رؤوس أربع من زوجاته، بمن فيهن آن بولين نفسها، لكن الجنس كان سيده ومولاه وإلهه الذي حرك قراراته وجيوشه ومقاصله !

فوق سلطانه، إذن، ارتفع سلطان الحاجة الغريزية، واستبد به، كما يستبد هو بالرعايا. ثم لم يلبث أن خضع لأفكار الراهب الألماني، مؤسس البروتستانتية، مارتن لوثر الذي رفض صكوك الغفران البابوية، ولم يفعل هنري ذلك اقتناعا، بل لأن هذه الافكار ضد كنيسة روما البابوية.

الكاثوليكية كانت عقيدة راسخة في قلب ابنته ماري، وزوجته التي طلقها زورا الملكة كاثرين. لكنه سمح بشنق وخنق وسلخ وحرق من كانوا إصلاحيين.. يرون أن الرجوع للكتاب المقدس أفضل من الرجوع لتفسيرات قساوسة روما .

كان الملك ذاته عبدا لشهوة الجنس، ولكي يكسبها قوة خلع على نفسه منصب رئيس الكنيسة في إنجلترا. استغل سلطة الدين لتبرير وتمرير سلطة الشهوة مع آن بولين. فصل رأسها فيما بعد بتهمة الانتماء للإصلاحيين ومارتن لوثر.. فضلا عن اتهامها بزنى المحارم مع شقيقها، ومصادر قالت إنها بريئة من هذا الاتهام البشع !

مع الوقت، صار الملك شبه إله، وزعم أن قدرته على علاج وشفاء صديقه اللورد تشارلز يمكن أن تتحقق بمجرد أن يأمر المرض بالانصراف من جسده العليل.. قال لصديق عمره تشارلز: اركع.

ووضع كفه فوق رأسه وهتف: آمرك أن تشفى !

كانت حمى التيفود تمزق تشارلز، ولم تستجب لسلطة ملك اتشح برداء البابوية الإنجليزية .

السلطة، إذن، شهوة عارمة، إن أطلقتها ألقت بك إلى جحيم على الأرض وجحيم في السماء. حين يدرك الحاكم أنه محكوم، سيعصم جموحه، ويسجن شيطان التحريض والغواية.

السلطة في عصرنا الوضيع الحالي لم تعد متعة مع النساء، جواريَ أو محظيات أو ما ملكت الأيدي.

السلطة باتت متعة في ذاتها.. استمرارها.. الأبهة المقترنة بها.. الطاعة المترتبة عليها.. القوة الفوسفورية الوهّاجة.. التجدد اليومي في الخلايا رغم تسلل الشيخوخة.

السلطة باتت أمتع من لقاء الليل مع المحظيات والجواري.

السلطة امرأة كاملة الفتنة مطلقة الخضوع، وفي الوقت ذاته هي المحرك الأعظم للنوازع والقرارات.. خيرًا أو شرًا .

ولا يزال العقل وهو سلطان السلاطين الأعلى بلا منازع- حائرا بقوة وهو يتأمل حالة القاضي والسياسي ورجل الدين والشاعر سير توماس مور، الصديق الصدوق المطيع المخلص للملك هنري الثامن، الذي جعله رئيس وزرائه، وكبير كهنته، ثم قطع رأسه وهو يبكي عليه!

عن الدم والسلطة وكبرياء الرجال وعناد السير توماس مور.. القضية متصلة .

إعلان

إعلان

إعلان