لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

 المواقف السياسية لا تكون بلا عائد..!

المواقف السياسية لا تكون بلا عائد..!

د. إيمان رجب

* زميل أبحاث مقيم بكلية الدفاع التابعة لحلف الناتو بروما

ورئيس الوحدة الأمنية والعسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

09:01 م الإثنين 29 أكتوبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تحرص الدول بصفة عامة على أن تتبنى مواقف سياسية استنادًا لحسابات العائد والتكلفة، خاصة إذا كانت هناك أزمة طارئة!

والحديث عن حسابات العائد والتكلفة ليس كلامًا نظريًا بقدر كونه يعكس رشادةً في عملية صنع القرار.

ومناسبة هذا الكلام هي كيفية تعامل دول العالم مع مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي؛ حيث يمكن التمييز بين ثلاث فئات من الدول بالنظر إلى طبيعة الموقف السياسي الذي تبنته من هذه الواقعة.

الفئة الأولى هي الدول التي تبحث عن عائد "قيمي" لموقفها باعتبارها هي من تحمي حرية الرأي مهما يكن مخالفًا، وهو ما تعبر عنه بصور كبيرة دول الاتحاد الأوروبي التي يتضمن خطابها الرسمي تجاه مقتل الصحفي خاشقجي والروايات الرسمية للدولة السعودية- تأكيدا على قيم الحرية وحقوق الانسان.

وتنصرف الفئة الثانية إلى الدول التي بنت مواقفها استنادا إلى العائد المادي أو الاقتصادي الذي يمكن أن تحصل عليه، وتعد تركيا نموذجا لهذه الفئة، حيث إن الفترة الماضية تضمنت انتهاكات عديدةً قامت بها الحكومة التركية لحقوق الإنسان في مواجهة معارضيها، واتخذت من قضية خاشقجي ورقة لتغيير صورتها في العالم لتتحول بذلك من كونها دولة تنتهك حقوق معارضيها السياسيين إلى الدولة التي تدافع عن كشف الحقيقة بخصوص مقتل خاشقجي، وتسعى لتوظيف هذه القضية للحصول على مكتسبات اقتصادية ما من الدولة السعودية.

وتتعلق الفئة الثالثة بالدول التي تبحث عن عائد سياسي لموقفها، من خلال تأييدها طرفًا أو روايةً على حساب أخرى، وهناك دول عديدة في المنطقة تنتمي لهذه الفئة، ويظل حجم هذا العائد السياسي مرتبطًا بصورة كبيرة بطبيعة الطرف الذي يتم تأييده أو الرواية التي يتم دعمها.

ولا يعني الحديث عن هذه الفئات الثلاث عدمَ وجود دولٍ تسعى لتحقيق أكبر عائد ممكن سياسيًا واقتصاديًا، وربما قيميًا، وهو ما تكاد تعبر عنه الإدارة الأمريكية؛ فتارة تسعى لمنافسة الأوروبيين على لعب دور قيادي في العالم في مجال حماية حقوق الإنسان، وتارة أخرى تسعى لاستخدام هذه القضية للحصول على مزيد من الاستثمارات السعودية.

ويظل السؤال هو: كيف تصنع الدول موقفها تجاه أزمة أو قضية دولية ما؟

وبالنظر إلى خبرات دول عديدة في العالم، نجد أن عملية صناعة الموقف السياسي عادة ما تكون نتاج عملية تشاورٍ بين مؤسسات صنع القرار المعنية، والمستشارين المتخصصين ومراكز الأبحاث، الذين بحكم فهمهم تعقيداتِ الأزمة وقدرتهم على تحليلها يكونون قادرين على تحديد أفضل المواقف ملاءمة للمصلحة الوطنية للدولة، والتي عادة ما تكون ذات عائد مقبول وتكلفة يمكن تحملها.

والحديث عن دور المستشارين ومراكز الأبحاث في صناعة المواقف السياسية للدول لا يرتبط ببطء عملية صنع القرار، كما يروّج لذلك البعض، وهو رأي عادة ما يهدف لتهميش دورهم، وإنما يجعل تلك العملية أكثر كفاءة وفعالية، ويوفر منطقًا مقبولًا محليًا ودوليًا لأي موقفٍ سياسيٍ، تعلن عنه المؤسسات المعنية، على نحو يعزز من مصداقيتها.

بعبارة أخرى: إن تحرك الدول وقت الأزمات دون دعمٍ من دائرة من المستشارين أيا كان حجمها، ودون مساندة من مراكز الأبحاث- يضع مصداقية الدولة في المجتمع الدولي على المحك..!

إعلان

إعلان

إعلان