إعلان

هذه مصلحة الدولة.. فأين مصلحة المريض؟

هذه مصلحة الدولة.. فأين مصلحة المريض؟

عادل نعمان
09:00 م الإثنين 15 أكتوبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

وزارة الصحة قررت أخيرًا إلزام كافة العيادات الخاصة بالإعلان عن تسعيرة الكشف الطبي على المرضى، ومنحهم فاتورة معتمدة، وهذا ضمان لحق الدولة، وطبعا تقصد الوزارة بهذا القرار ضمان تحصيل الضريبة المستحقة على هذه العيادات، وكافة الرسوم الأخرى، إن لم أكن مخطئا.

وكم كنت أتمنى أن تمد الدولة يدها أيضا لكل المتهربين من المهن والحرف والأعمال الخاصة والسماسرة والوسطاء غير المقيدين أصلا في سجلاتها، وهم بالملايين، وأرباحهم بالمليارات، والمجال مفتوح على طول ذراعيها دون حائل أو مانع (والأمر ليس بموضوعنا).

فموضوعنا هو السادة الأطباء، والعيادات، والمستشفيات الخاصة، ومراكز التحليل والتجميل، ومعامل وعيادات الأسنان، المنتشرة في أنحاء البلاد.

والسؤال غير البريء: هل تتحصل الدولة على الضرائب المستحقة من هؤلاء فعلا كما يجب أن يكون؟

وهل الوزارة جادة في وضع يدها على كافة السلبيات وطرق التهرب والتحايل ومعاونة الأجهزة المعنية في تحصيل حقوق الدولة؟

أم أن الأمر ليس ببعيد عن "روح الزمالة " و"وكلنا في مركب واحد" و "وبكرة تيجي مكاني وأنا أروح مكانك؟

هل تعلم وزارة الصحة ووزيرتها شيئا عن الجراحين الذين يتقاضون أتعابهم بالملايين مباشرة من المرضى، يدًا بيد، نقدا، دون إيصالات، وخارج حدود وأسوار المستشفيات، قبل دخولهم غرف العمليات، ولا يدفعون عنها حق الدولة، وأصبحت المستشفيات في الأغلب الأعم غرف نوم للمرضى؛ يقضون فيها فترة النقاهة فقط؟

فهل تعرف الدولة شيئا عن هؤلاء وعن هذه الأرقام وهي بالمليارات؟

وهل تحصل الدولة الضريبة المستحقة عليهم؟

أم هل تكتفي بما يقدم في الإقرار الضريبي فقط؟

هذا حق الدولة عند وزارة الصحة، ولا شكر على واجب.

فأين حق المريض الذي تركناه لجشع بعض الأطباء، ومقاولي الأنفار منهم، والعيادات الخاصة، ومراكز التحاليل والتجميل ومراكز الأسنان، يغرفون منهم ما يمكن أن يغرفوه، ويستغلون مرضهم وحاجتهم ما وسعته ذممهم وضمائرهم، دون رقابة أو متابعة، وكله على نظام الزمالة ونظام شيلني واشيلك، وتلومون في نفس الوقت سواق الميكروباص، إذا زاد في التسعيرة قروشا قليلة، فنطارده مطاردة المجرمين القتلة.

إياكم أن تقولوا هذا هو الاقتصاد الحر، فلسنا من الاقتصاد الحر بقربى من قريب أو من بعيد، نحن في اقتصاد احتكاري بامتياز، لا يقوم على توازن المصالح بين فئات المجتمع، المنتج والمستهلك، بل قائم على احتكار فئات مجتمعية سلعًا وخدماتٍ تفرض أسعارها على الجميع دون رحمة أو عدالة أو توازن، بل يحددونها كيفما شاءوا، وأرادوا، دون حدود مجتمعية، أو مرجعيات علمية، أو دراسات ميدانية، أو أولويات تنافسية يسترشدون بها أو يحتكمون إليها، لكن الأمر بأيديهم وأرجلهم، دون حاكم أو وازع أو مرجعية علمية أو إنسانية، والأدلة كثيرة وعلى عينك يا تاجر.

فكيف يكون اقتصادا حرا، وليس هناك جهة واحدة أخرى غير المنتج تشاركه من قريب أو بعيد في تحديد الأسعار؟

بل إن المستهلك واقف على باب المنتج كل صباح، يستقبل السعر الجديد صاغرا مستسلما، وينصرف لتدبير أحواله وأمواله دون معارضة أو مشاركة يسبقه الدعاء على كل المنتجين، وهي مرحلة تسبق الاقتصاد الحر بمراحل، وهي فترة الاستغلال نتيجة قلة المعروض وغياب القانون والرقابة، وحرية المنافسة.

ولهذا لا بد من تحديد تعريفة لهذه الخدمات نضمن بها أولا تحقيق عائد مجزٍ وعادل لهؤلاء جميعا، وخدمة طبية متميزة ومعقولة، وسعر مناسب ومقبول، والأهم أن يعرف المريض رأسه من رجليه، حين يبتلى بالمرض أو بالمصيبة، ويعرف على وجه التقريب كم سيكلفه الأمر، فيسلك طريقا يتناسب من إمكانياته وظروفه، أو يختار الموت المريح.. هذا هو حق المريض.

كيف نحدد الأسعار والأطباء والجراحون والمعامل كفاءات مختلفة وتعليم متباين وخبرات شتى؟

فكيف تساوي بين هذا وذاك؟

نعم، وما رأيك في الأسعار التي تتعاقد معها شركات التأمين، والنقابات المختلفة مع هؤلاء الأطباء وهذه المستشفيات؟

فلماذا لا تكون هذه الأسعار استرشادية للجميع بها نبدأ البنيان الاجتماعي المتوازن، وهناك أيضا أسعار المؤسسة العلاجية، فمن أراد من السادة الأطباء الالتزام بهذا النظام وهذه المنظومة، فأهلا به وسهلا، وتعلن الأسعار على الجميع في كتاب دوري، وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، ومن أراد أن يعمل خارج المنظومة، فله الحق كاملا في هذا الأمر، وعليه أن يحدد سعره كيفما شاء بعيدا عن منظومة المجتمع، على ألا يتم التعاقد مع أي جراح خارج نطاق المستشفى، الجراح الملتزم بالأسعار وغير الملتزم بها، وعلى المريض في نهاية الأمر تحديد وجهته وطريقه منذ البداية.

المريض في مصر مظلوم بين مستشفيات حكومية مهملة سيئة الخدمة والرعاية، وبين كثير من المستشفيات الخاصة والكثير أيضا من معامل التحاليل، تستنزفه دون رحمة أو هوادة، وابحثوا عن سبب تغيير قبلة الطب عند العرب من مصر إلى دول أخرى قريبة، حتى إن الدعاء الآن السائر بين الناس إلى الله أن يموت الإنسان واقفا، وليس في عيادة طبيب أو على باب مستشفى أو غرفة عمليات مقاول.

إعلان

إعلان

إعلان