إعلان

"سياسة" أفلام الكرتون

د. إيمان رجب

"سياسة" أفلام الكرتون

د. إيمان رجب

* زميل أبحاث مقيم بكلية الدفاع التابعة لحلف الناتو بروما

ورئيس الوحدة الأمنية والعسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

09:01 م الإثنين 01 أكتوبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تتضح أهمية شخصيات الكرتون حين يبدأ البالغون باسترجاع ذكريات الماضي، من خلال تذكر أسماء أشهر شخصيات الكرتون التي تأثروا بها أو عاصروها. فمن ولدوا في مطلع القرن العشرين مثلًا يتحدثون عن فانتازماجوري Fantasmagorie الذي كان أول فيلم كرتون متحرك في العالم، ومن ولدوا في الثمانينيات، ومنهم كاتبة المقال، أكثر تعلقا بـ"توم وجيري" و"كابتن ماجد" و"ليون كينج" و"تيمون وبومبه"، ممن ولدوا في مطلع القرن الحادي والعشرين، والذين هم مرتبطون بـ"المحقق كونان" و"سونيك" مثلا.

بعبارة أخرى، لكل جيل شخصيات الكرتون المرتبط بها.

ويمكن القول إنه في أحيان كثيرة تعكس نوعية أفلام الكرتون المعروضة في الدولة توجها سياسيا ما. وأتذكر بهذه المناسبة أنه في أول يوم دراسي لي في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة كانت أفلام الكرتون هي الموضوع الذي تجاذبنا كطلبة أطرافه في إطار تعرفنا إلى بعضنا.

كان من بين زملائي في الدفعة من أتوا من إحدى دول المشرق العربي، وكانت تحكي كيف أن أفلام الكرتون التي كانت تعرض في دولتها مدبلجة للغة العربية الفصحى وباللهجة العراقية، ولم تكن بلهجة الدولة التي تعيش فيها. وكان هذا هو وضع كثير من زملائي المصريين الذين قضوا فترة الثانوية العامة في دول الخليج، حيث لم يكن هناك حينها أي أفلام كرتون مدبلجة باللهجة الخليجية على عكس الوضع هناك حاليا.

في المقابل، كان الأصدقاء الذين تخرجوا في المدارس المصرية من المصريين والعرب الذين كانوا يقيمون هنا لفترة طويلة أكثر تأثرا ببرامج الأطفال مثل "عروستي" و"بوجي وطمطم" وبأفلام الكرتون مثل "توم وجيري" و"ميكي وميني" والتي دبلج بعضها مؤخرا للهجة المصرية.

ومن المهم أن أوضح أن الاختلافات بيننا كدفعة واحدة لم تتوقف عند اختلاف لغة أفلام الكرتون التي كنا نشاهدها، ونحن أطفال أو التي كنا لا نزال نشاهدها ونحن طلبة جامعيون، ولكن ارتبطت بحكايات الكرتون أيضًا، ففي الوقت الذي تحدث فيه من نشأ في مصر عن قصص "توم وجيري" و"ميكي ماوس" و"عم بطوط" و"كابتن ماجد" كان زملاؤنا من الدول الأخرى يروون قصص "توم سوير" و"عدنان ولينا" و"أوسكار" و"أليس في بلاد العجائب" و"السنافر" و"جودي أبوت" وغيرها، وهي قصص كانت تعكس عمقًا في الحبكة القصصية للكرتون، وكذلك كانت مليئة بأبعاد إنسانية تفتقدها أفلام ديزني الأكثر شهرة.

لقد كان سبب تأثرنا بهذه الشخصيات ومعرفتنا بالقصص التي تضمنتها أفلام الكرتون عن ظهر قلب ببساطة أنها أفلام كرتون، لا أكثر ولا أقل، ولا ينفي ذلك أن كثيرا من تلك الأفلام تضمن معلومات حقيقية عن وقائع تاريخية، مثل "عدنان ولينا" الذي كان يحكي قصة أسرة يابانية تأثرت بالحرب العالمية الثانية، أو معلومات تعليمية مثل "كابتن ماجد" الذي علم أجيالا قواعد لعبة كرة القدم.

والطبيعة الكرتونية لهذه الأفلام هي التي جعلت كرتون "بكار"- والذي يحكي قصة كرتون مصرية بامتياز- عندما عرض في عام 2000 يتعلق به من كانوا حينها أطفالا، ولا يزالون يذكرون حتى اليوم شخصية بكار ورشيدة.

إذن أفلام الكرتون ليست مادة ترفيهية فقط، بل هي إحدى الأدوات الأكثر تأثيرا في تشكيل شخصية الأطفال، فكما أن هناك سياسة تحرك الشركات التي تصنع أفلام الكرتون، فهناك سياسة تحرك تفضيلات الدول المستهلكة واختيارها لأفلام كرتون دون غيرها، وما نحتاجه في بلدنا هو سياسة تنظم هذا النوع من الأفلام.

إعلان

إعلان

إعلان