لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

في تلك الأيام

في تلك الأيام

محمد شعير
08:14 م الخميس 03 أغسطس 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

في عام 1925 أصدر الشيخ علي عبد الرازق كتابه الشهير "الإسلام وأصول الحكم" الذي أكد فيه أن نظام الخلافة مجرد اجتهاد بشري، وليس من الإسلام في شىء، أثار الكتاب غضب الأزهر والسلطة، فحوكم الشيخ، وكان وقتها قاضيا في مدينة المنصورة، وفصل من منصبه وسحبت منه شهادة العالمية.

في تلك الأيام كان زيور باشا هو رئيس وزراء مصر، رجل السراي المقرب، الذي يحكم بالحديد والنار، وهو أيضا الذي تنازل عن "واحة جغبوب" المصرية لإيطاليا التي كانت تحتل ليبيا وقتها. كانت مصر تحكم بالحديد والنار، لذا في ظل هذا المناخ لم يكن مرحبا على الإطلاق بحرية الرأي، كانت مجرد ترف في نظر السلطة.

بعد شهور قليلة تقريبا، أصدر طه حسين كتابه الشهير "في الشعر الجاهلي" الذي أثار أيضا غضب الأزهر، وحدثت ضجة شبيهة بالتي حدثت بسبب كتاب عبد الرازق. قدم استجوابا ضد الكتاب في البرلمان، وقدم للمحاكمة، ولكن وكيل النيابة محمد نور حفظ التحقيق تأكيدا لحرية الرأي والتعبير.

واعتبر نور أن غرض المؤلف لم يكن مجرد الطعن والتعدي على الدين، بل إن العبارات الماسة بالدين إنما أوردها في سبيل البحث العلمي. لم يتعرض العميد للتنكيل كما جرى للشيخ عبد الرازق، كان زيور باشا قد ترك الوزارة، وكان يحكم مصر في تلك الأيام ائتلاف وطني بين حزبي الوفد والأحرار الدستوريين، وكان سعد زغلول باشا رئيسا للبرلمان المصري، وعدلي يكن رئيسا للحكومة، ما أدى إلى بعض الهوامش الديمقراطية التي كانت تتسع يوما عن الآخر!

هدأت قضية "في الشعر الجاهلي" قبل أن تتفجر مرة أخرى بعد ست سنوات، في عهد حكومة إسماعيل صدقي، بعد أن رفض طه حسين مقترحا من وزير المعارف بمنح بعض الأعيان الدكتوراه الفخرية من كلية الآداب التي كان طه حسين وقتها عميدا لها.

رفض طه حسين المقترح لأن "عميد كلية الآداب ليس عمدة. تصدر إليه الأوامر من وزير"، ولأنه "لا تمنح الدكتوراه الفخرية لأحد لمجرد أنه من الأعيان" كما قال في حوار مع الكاتب الصحفي محمود عوض! حوكم العميد وقتها، وفصل من منصبه كعميد لكلية الآداب، واتهم في دينه.. ولم يعد إلى منصبه إلا عندما تقلد الوفد الحكم مرة أخرى عام 1936.

كان الأزهر أحد أطراف الواقعتين، لكنه في ظل الاستبداد كان يدعو للمصادرة.. وفي ظل هوامش الديمقراطية كانت الأفكار تمر حتى لو كانت صادمة.

بعد ثورة 25 يناير لم يستطع الأزهر الصمود أمام مد الحرية الهادر أيامها، اجتمع مع عدد كبير من المثقفين لمناقشة المستقبل: مستقبل الوطن، ومستقبله.. أصدر وقتها ثلاث وثائق عن الحرية، وشكل الدولة، وحرية المرأة. كان يبحث عن دور فى النظام الجديد بعد أن أطيح بالقديم.. احتوت الوثائق على أفكار مستنيرة ومتقدمة على تفكير الشيوخ. 

في تلك الأيام كان مد الحرية بلا حدود، والأمل في التغيير هادرا، وكان هامش الديمقراطية يتسع..

الآن يطارد الأزهر الاختلاف، والحرية.. قانونه الجديد الذي يسمى بـ"قانون مكافحة الكراهية والعنف باسم الدين" تكشف مواده أن الغرض منه منع التفكير!

فما الذي جرى للأزهر في ست سنوات لينتقل من موقف إلى موقف نقيض تماما؟!

علينا أن نعيد قراءة ما جرى للشيخ عبد الرازق ولطه حسين.. ربما نجد الإجابة!

إعلان

إعلان

إعلان