إعلان

الدين والتبرعات والوجه الجلل

الدين والتبرعات والوجه الجلل

أمينة خيري
09:18 م الإثنين 19 يونيو 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

حين تمد يدك في جيبك، وتقرر أن تعطي أحدهم جنيهاً أو أكثر على سبيل المساعدة، هل تسأله عن انتمائه الديني؟ وحين تتفاعل مع حالة تعاني ضيق ذات اليد بالإضافة إلى اتساع ذات المرض، هل تبني تفاعلك بناء على هويتها العقائدية؟ وحين تقرر أن تحرر شيكاً يحوي مبلغاً محترماً لصالح مستشفى علاج سرطان أو مداواة حروق، هل يشغل بالك المكتوب في خانة ديانة بطاقات المرضى؟ وحين تباغتك مشاهد الأسر التي تستحم وتشرب من مياه الصرف، هل تكبح شفقتك لحين التأكد إن كانوا مسلمين أو مسيحيين؟

وحين تتابع مشاهد تهجير مدنيين في سوريا أو العراق، هل تتحقق من طائفتهم حتى تضبط إيقاع تعاطفك؟ وحين يجري تفجير مسجد شيعي هل تساورك مشاعر الأسى نفسها كما لو كان المسجد المُفجر سنياً؟ وماذا عن تفجير الكنيسة، هل تشعر بأسى حقيقي أم نصف نصف أم تجد نفسك قابعاً في منطقة رمادية؟ 

وحين تتبرع لهذا أو ذاك، هل تتغلب رغبتك في اكتناز الثواب وزيادة عدد البيوت المشيدة في الجنة وزيادة احتمالات فوزك بالحور العين، على تفاعلك الإنساني مع الحالات المريضة والمصابة والملتاعة، أم العكس، أم تتساوى كلتاهما؟

كل إعلانات التبرع – إلا فيما ندر- التي تطالعنا على الشاشات ترتدي جلباباً دينياً. فبدءاً بالمشايخ والأئمة الذين يستحلفون المشاهدين التبرع، مروراً بالفنانين ولاعبي الكرة والساسة الذين يصبغون دعواتهم بألوان دينية، وانتهاء ببيت الزكاة نفسه، تبدو التبرعات وكأنها عمل إسلامي موجه للمسلمين ويخاطب جيوب المسلمين ولا ينتفع به إلا المسلمون. 

ونحمد الله على أن الغالبية المطلقة من المسلمين في مصر تنتمي لطائفة واحدة، وإلا لتحول الأمر – كما هو حادث في لبنان مثلاً- إلى طائفية حتى في جمع التبرعات الإسلامية. فتجد مناشدات تحمل توقيعاً من المرجعية السنية للتبرع، ومطالبات ذات مرجعية شيعية تناشد التصدق، وهلم جرا. 

وقد جرى العرف على أن يكون شهر رمضان هو شهر الخير والكرم والجود، وهذا رائع. كما جرى العرف أن تتنافس المؤسسات والجهات التي تحتاج تبرعات أهل الخير على جيوب المتبرعين والمتصدقين في هذه الأيام المفترجة لتأمين احتياجاتها، وهذا جميل. لكن "تديين" التبرعات بقية العام أمر مقلق ومزعج. 

ومنبع الإزعاج هو أن المحتاج أو المريض أو المكلوم أو الفقير يستحق المساعدة بغض النظر عن انتمائه الديني. كما أن ربط التبرع بالثواب فقط لا غير يطرح تساؤلات عن الجوانب الإنسانية. بمعنى آخر، هل تكون درجة تأثرنا أعلى لو كان الفقراء والمحتاجون والمرضى والمكلومون ينتمون للديانة نفسها التي ننتمي إليها؟ وبأي قدر يتحكم وعد الثواب الذي نحصل عليه في مقابل تصدقنا وتبرعنا في قرار إخراج ما في الجيب أو زحزحة ما في البنك؟ 

وطالما عملية تنمية وتوصيل خدمات البنية التحتية ومساعدة الأسر الأشد فقراً في مصر صارت مهمة تشاركية، حيث الحكومة تعمل بالتعاون مع المجتمع المدني والمواطنين العاديين، أليس من الأفضل فصل الدين عن التبرعات، على الأقل في عدد من المؤسسات؟ وإلا هل يُتوقع من المتبرع المسيحي أن يتبرع لتوصيل مياه الشرب لقرية معدومة لأن المشايخ سلطوا الضوء على معاناة هذه القرية؟ وهل ننتظر من المتبرع المسلم أن يسارع إلى دعم أسرة مسيحية عائلها مريض وأبنائها يعانون شظف العيش؟

صحيح أن مصر عامرة بنماذج الوحدة الوطنية والتعايش والأخوة إلخ، لكن مصر أيضاً باتت عامرة بأفكار مغلوطة وتكفيرات ممنهجة وتصريحات مفسدة عن أصحاب العقائد الفاسدة، ما يعني أن استمرار تديين التبرعات فيه أثر جلل وسم قاتل وإن كان لذيذاً. دعونا نجري تجربة حشو خطاب التبرعات بقدر أكبر من الدق على أوتار الإنسانية بغض النظر عن العقائدية.

مصراوي| تابعونا في صفحة متخصصة تواكب شهر رمضان بتغطية خاصة

إعلان

إعلان

إعلان