إعلان

تأملات حول موت هاملت..!

تأملات حول موت هاملت..!

د. أحمد عبدالعال عمر
09:00 م الأحد 24 ديسمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

هل كان يجب أن يموت "هاملت"، الأمير الدنماركي الشهير الذي أبدعه خيال شكسبير كاتب التراجيديات الإنجليزي الشهير؟

هل كان يجب أن يموت هذا الشاب الوديع الشارد دومًا والموزع اللب أبدًا؟

هل كان يجب أن يموت هذا الشاب الحزين الحائر المرتبك؟

هل كان يجب أن يموت هذا الإنسان الممزق بين الإحساس بالعبث وضرورة الفعل، بين العالم الحقيقي والعالم الخيالي؟

هل كان يجب أن يموت هذا المحتفي بقناع الجنون وكأنه وجه لفيلسوف؟

هل كان يجب أن يموت هذا الذي لم يكف يومًا عن التساؤل المأساوي: "عما إذا كنا نحن المسئولين عن الويلات التي تحل بنا، أم أن هناك إلهًا يرسم لنا مصائرنا؟"

أعتقد أن هاملت القديم الذي كتبه شكسبير، وهاملت العربي الحديث الذي كتبه الراحل نجيب سرور في مسرحيته "أفكار جنونيه في دفتر هاملت"، وكتبه أيضًا الراحل ممدوح عدوان في مسرحيته "هاملت يستيقظ متأخرًا" كان يجب أن يموت؛ ليتخلص من إحساسه بالعجز والهزيمة، وإحساسه بالفشل عن إيجاد حل لكل تناقضات حياته، بعد أن فكر وتأمل كثيرًا، وقال أشياء رائعة عن الحياة والموت والحب وقدر الإنسان. ورغم كل ذلك لم يجد خلاصه، وظل بداخله يبحث عن شاطئ يقين يستريح إليه، ولهذا اعتبر في النهاية الحياة قضية خاسرة.

أعتقد أن هذا "الولد الحزين وبيده كتاب" كان يجب أن يموت؛ فحتى "أوفيليا" حبيبته التي عذبها وأرهقها معه، التي تبكي عليه لما أصابه من حيرة وحزن وجنون، لو نجت من الموت الذي كتبه عليها شكسبير، كانت عاجلًا أو أجلًا ستتغير، وسيصبح حزن هاملت وتساؤلاته وحيرته عبئاً عليها؛ فهذا العالم القاسي لا مكان فيه للحب وإنكار الذات والتضحيات، ولاحقًا- وهذا مؤكد- كانت "أوفيليا" الجميلة ستقع في حب "فتنبراس" الوريث الجديد للعرش.

فتنبراس ذلك الشاب القوي المرح المبتسم، الذي يُجسد السلطة المزهوّة بنفسها، والذي ألقى حال وصوله لكرسي العرش بعد موت هاملت خطاباً قال فيه: "كان هاملت فتى طيبًا، ولكنه مات، اخرجوا هذه الجثث: أنا الآن ملككم".

ودائمًا سيوجد "فتنبراس" بديلًا عن هاملت.

ودائمًا سيخرج الطيبون الودعاء من المدينة.

أولئك الذين لا يكفون عن إثارة التساؤلات لا مكان لهم في المدينة.

أولئك الذين يرفضون السير والعيش مع القطيع، لا مكان لهم في المدينة.

أولئك الذين يرفضون الخضوع لكل التصورات الموروثة والموضوعة سلفًا والمفروضة من قبل حكام المدينة، لا مكان لهم في المدينة.

أخرجوهم من مدينتكم، إنهم قوم يفكرون ويتساءلون، وهم أحفاد ذلك الدعي المضلل الفيلسوف اليوناني "سقراط" الذي أفسد عقول شباب أثينا واحتقر آلهة المدينة.

إذن كان لابد لهاملت أن يموت ليختفي من الوجود، ويُريح حكام المدينة، وربما وجد هو ذاته في الموت راحة من عناء الوجود، رغم صراخه عند موته قائلًا: "أموت أنا ويبقى السفلة كلهم؟ هذا ليس عدلًا.. ليس عدلًا" .

وفصل المقال بعد طول تأمل في شخصية وحياة هاملت الدنماركي، وهاملت العربي، الذي يُجسد عندي المثقف العربي، وكذلك بعد تأمل في شخصية وأسلوب حياة "ﻓﻮﺗﻨﺒﺮﺍﺱ" صاحب الإرادة النافذة والسلطة، أن "المثقف الفاعل" يجب أن يجمع في ذاته بين ﺭﻭﺡ هاملت ﻭﻋﻘﻠﻪ المتوقد الذي ﻻ‌ ﻳﻜﻒ عن التأمل وطرح الأسئلة، وبين إرادة ﻓﻮﺗﻨﺒﺮﺍﺱ ﻭﺟﺴﺎﺭﺗﻪ، وقدرته على ﺍﻟﻔﻌﻞ من خلال أدوات السلطة.

وأظن أن أزمة الواقع العربي، تكمن في أن المثقف العربي والحاكم العربي، كانا دائمًا على طرفي نقيض؛ فالمثقف "هاملتي" بامتياز، يملك الفلسفة والرؤية، ولكنه متردد دائمًا، ولا يملك القوة والقدرة على الفعل. والحاكم "فوتنبراسي" بامتياز لديه إرادة نافذة، وقوة وقدرة على الفعل، ولكن بلا فلسفة ولا رؤية، ولابد للخروج من تلك الأزمة من مد جسور الفهم والحوار المتبادل والثقة بين "المثقف" و"السلطة"، بين "هاملت" و" ﻓﻮﺗﻨﺒﺮﺍﺱ".

إعلان

إعلان

إعلان