إعلان

بين "سابع جار" و"القاهرة والناس"

بين "سابع جار" و"القاهرة والناس"

د. جمال عبد الجواد
09:15 م الجمعة 22 ديسمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يذكرني مسلسل سابع جار بمسلسل القاهرة والناس الذي تم إنتاجه في مطلع السبعينيات. قد لا يجد الكثيرون شبها بين العملين، ولكن ضعف الشبه بينهما هو صلب الموضوع. وجه الشبه الأهم بين العملين هو أن أبطالهما من أهل القاهرة. عاش أبطال "القاهرة والناس" في حي العباسية، أحد أحياء الطبقة الوسطى القاهرية في السبعينيات، فيما يعيش أبطال "سابع جار" في حي غير معروف الاسم، لكن المكان وأهله يشبهون كثيرا الطبقة الوسطى المصرية وأحياءها في مطلع القرن الواحد والعشرين.

جميع أبطال "القاهرة والناس" كانوا يعملون في الحكومة والقطاع العام، أما في "سابع جار" فلا أحد يعمل في الحكومة سوى السيدة ليلى، التي تقوم بدورها الفنانة شيرين. المشاهد القليلة التي جرى فيها تجسيد علاقات العمل في الجهة الحكومية التي تعمل فيها السيدة ليلى تشير إلى أن تغييرا قليلا فقط قد دخل على مفهوم وعلاقات العمل في الحكومة بعد أكثر من أربعين سنة من زمن "القاهرة والناس".

علاقات العمل في "سابع جار" غير أساسية. كثير من أبطال العمل إما عاطلين، أو يبحثون عن عمل، أو لا يعرفون ما هو نوع العمل الذي يناسبهم. أغلب الذين يشغلون وظائف لها معالم واضحة في "سابع جار" يعملون في القطاع الخاص أو في القطاع المصرفي – الخاص غالبا. مسلسل "سابع جار" من هذه الزاوية يؤرخ لما حدث في مصر المعاصرة. لقد تراجع دور الحكومة والقطاع العام، وزاد دور القطاع الخاص بين السبعينيات ووقتنا هذا، ولم تعد مكاتب الحكومة وشركات القطاع العام هي المكان المفضل للطبقة الوسطى. هجرت الطبقة الوسطى دهاليز البيروقراطية والعمل الحكومي، وراحت تبحث عن رزقها في جهات أخرى، لعلاقات العمل فيها أشكالا أكثر تنوعا ومرونة من الشكل التقليدي لعلاقات العمل في إدارات الحكومة.

حياة البشر في "القاهرة والناس" مندمجة في المجتمع الأكبر، وشديدة التأثر بما تفعله الحكومة وأجهزتها، على عكس الناس في "سابع جار"، الذين لا يبدو أن لهم أصول ريفية أو أهل يعيشون في الأرياف. الناس في "القاهرة والناس" من أصول ريفية، ويعملون لدى الحكومة، ويتوجهون لها بالشكوى من انكسار ماسورة المياه، ونقص أنابيب الغاز، وانقطاع الكهرباء، وتوظيف الأقارب، فيما لم ترد كلمة الحكومة ولا مرة واحدة في "سابع جار".

اهتمامات الناس في سابع جار أكثر شخصية وحميمية. في "القاهرة والناس"، عجز الشاب والفتاة حديثي الزواج عن تدبير المال اللازم لتأجير شقة وفرشها، حتى يتمكنوا من تأسيس أسرة جديدة من زوج وزوجة تجمعهما علاقة حميمة. للعلاقة الحميمة لدى شباب "سابع جار" أكثر من شكل واحد، ولها شروط أكثر غموضا وتعقيدا من توفير الشقة والعفش، وهو التنوع الذي صدم الكثيرين، والذي بسببه تم رفع مستوى حظر المشاهدة من "+12" إلى "+16".

البعض يتهم "سابع جار" بتحدي قيم المجتمع، وهو محق في هذا، فسابع جار يتحدى قيم المجتمع بالضبط كما تحداها "القاهرة والناس" من قبل. "القاهرة والناس" كان تحريريا، فروج للحب بين الشباب، وأغرى أزواج الطبقة الوسطى على التمتع ببعضهم "لأقصى حد"، وأغرى النساء على الخروج للتعليم والعمل، ولتوسيع عالمهم فيما وراء جدران البيت. بعد أربعين عاما جاء "سابع جار" ليأخذ قضية التحرير خطوة أبعد، فكانت الصدمة. أما مصير القيم التي يروجها "سابع جار" فسنعرفه بعد أربعين عاما، كما نعرف اليوم مصير القيم التي روج لها "القاهرة والناس" من قبل.

 

إعلان

إعلان

إعلان