لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

في شأن البالوعة العنكبوتية

في شأن البالوعة العنكبوتية

أمينة خيري
09:00 م الإثنين 23 أكتوبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

وكأن مطالعة أخبار ما جرى في الواحات لم يكن كافيًا لسد النفس وإثقال القلب وإرباك العقل، لكي يباغتك سؤال حول رد فعل المصريين ليطرحك أرضًا على غير أرضك.

الخبر الذي طالعه الأمريكيون بدا كآلاف غيره من تلك التي اعتادوا صدورها من هذا الجزء من العالم على مدار السنوات الست الماضية.

"قتلى ومصابون في اشتباكات بين الشرطة المصرية وإرهابيين" (لاحظ استخدام كلمة إرهابيين في سي إن إن وليس مسلحين كما في بي بي سي)، "الداخلية المصرية تعلن مقتل 16 جنديًا وإصابة 13 في عملية في الصحراء الغربية"، و"استنفار وتكثيف الإجراءات الأمنية في مصر بعد عملية الواحات" وعناوين مشابهة وردت في نشرات الأخبار والصحف الأمريكية.

مر الكثير منها مرور الكرام على الغالبية، لكن مهتمين بالشأن العربي والوضع في مصر والشرق الأوسط سألوني عن رد فعل المصريين على شبكات التواصل الاجتماعي، وليتهم ما فعلوا.

فمتابعة ردود الفعل من على بعد يتيح لك فرصة الخروج من البالوعة العنكبوتية والنظر إليها من الخارج. وما أدراك ما النظر من الخارج! إفتاءات أمنية لا أول لها أو آخر، تنظيرات استراتيجية ما أنزل الله بها من سلطان، لت وعجن يمينًا ويسارًا دون رادع أو دافع، صيد في مياه ثورية عكرها التجاذب والتناحر، شماتة عفنة من قبل إخوان و"مش إخوان بس بيحترموهم". "بيب بيب أهلي" في خضم تشييع جثامين الشهداء، تبكيتات من البعض على فرحة البعض الآخر بفوز الأهلي، وهو ما استوجب تنكيتات لا تخلو من شماتة من قبل معارضين يعتبرون من استشهد ضحية لمنظومة أمنية قاصرة ومن ثم لا يستحقون الحداد أو الاكتئاب، وتبكيتات من آخرين تعتنق مبدأ "خالتي اللتاتة" حيث "يعني مالناش نفس نفرح؟!" و"الله يرحم الشهداء لكم من حقنا نفرح بالأهلي!".

تواترت محتويات البالوعة على ذهني بينما أستعد للإجابة، فكيف لي أن أكشف المستور أو أشرح أبعاد الموضوع أو حتى أعلل هذا الكم من الهراء؟! كذبت، واكتفيت بالقول إن أغلب المصريين يشعرون بحزن بالغ وأسى طاغ، وأضفت أن البعض ممن يعتنق فكرًا أعوج أو اتبع جماعة مضللة إما شامت أو هانئ بما جرى من باب الانتقام، اكتفيت بالملخص غير الشاف وسكت، فالسكوت في مثل هذه الظروف أفضل وأسلم، ألا يقول المثل "من خاف سلم!".
لكن خوفي من فضح رد فعلنا، وكشف عشوائية التحليل وبوهيمية التنظير وكراهية الشمتانين وعدم مهنية المسئولين في التعامل مع ما جرى، لم يسلمني، فقد شم السائلون رائحة الخوف والحذر، وسألني أحدهم: "وهل شهدت مراكز قبول المتطوعين في الجيش إقبالًا عقب العملية؟ يحدث عندنا ذلك عقب كل حادث مؤسف يروح فيه جنود أمريكيون، وأحدثها مقتل ثلاثة من جنودنا في النيجر".

تعثرت بعض الشيء، ثم قلت: "ربما، لكن مشاعرنا الوطنية يتم التعبير عنها بطرق متعددة". باغتني السؤال: "كيف؟" زاد توتري فكيف أشرح طوفان الأغاني الوطنية التي طالما اعتبرت الإفراط فيها يفرغها من مضمونها وينزع عنها هدفها؟! وكيف أترجم هبد ورزع ملوك التوك شو ليلًا على طاولات الاستوديو، مؤكدين أن مصر أكبر من الإرهاب وأن عين الله تحرسنا بإنجليزية مفهومة؟! وكيف أستعرض عضلاتنا في الوطنية من خلال وصلات الردح الدائرة رحاها على "فيسبوك" بين فرحين بفوز الأهلي وكأنهم من كوكب غير الكوكب ولائمين على الفرحين عبر "فرش ملاءة الشرشحة" والاستعارة من قاموس "البستفة"؟!.

قررت أن أواجه العاصفة بشجاعة وثقة، قلت إن الآلاف منذ وقع الحادث يدونون على "فيسبوك" ويغردون عبر "تويتر" حيث يعبرون عن مواقفهم ويشرحون نظرياتهم في كيفية مواجهة الإرهاب و... استوقفني أحدهم متعجبًا: "وهل لديكم الوقت لذلك؟" كاد رأسي ينفجر! فهل أصارحه بأننا لا نملك إلا الوقت؟ وإننا لا نبدع إلا في "الفتي"؟ وإننا خبراء فيما لا نفهم، ومتخصصون فيما لا نفقه، وفتاءون فيما لا ندري؟ وهل أعترف بأننا واقعون بين شقي رحى، فلا المعلومات الرسمية شافية أو كافية أو تصدر في توقيتاتها، ولا الشعب لديه ما يشغل به وقته، ما يضيق الخناق على كل من يتجرأ بالسفر ومواجهة العالم وتلقي الأسئلة في شأن البالوعة العنكبوتية.

إعلان

إعلان

إعلان