- إختر إسم الكاتب
- محمد مكاوي
- علاء الغطريفي
- كريم رمزي
- بسمة السباعي
- مجدي الجلاد
- د. جمال عبد الجواد
- محمد جاد
- د. هشام عطية عبد المقصود
- ميلاد زكريا
- فريد إدوار
- د. أحمد عبدالعال عمر
- د. إيمان رجب
- أمينة خيري
- أحمد الشمسي
- د. عبد الهادى محمد عبد الهادى
- أشرف جهاد
- ياسر الزيات
- كريم سعيد
- محمد مهدي حسين
- محمد جمعة
- أحمد جبريل
- د. عبد المنعم المشاط
- عبد الرحمن شلبي
- د. سعيد اللاوندى
- بهاء حجازي
- د. ياسر ثابت
- د. عمار علي حسن
- عصام بدوى
- عادل نعمان
- علاء المطيري
- د. عبد الخالق فاروق
- خيري حسن
- مجدي الحفناوي
- د. براءة جاسم
- عصام فاروق
- د. غادة موسى
- أحمد عبدالرؤوف
- د. أمل الجمل
- خليل العوامي
- د. إبراهيم مجدي
- عبدالله حسن
- محمد الصباغ
- د. معتز بالله عبد الفتاح
- محمد كمال
- حسام زايد
- محمود الورداني
- أحمد الجزار
- د. سامر يوسف
- محمد سمير فريد
- لميس الحديدي
- حسين عبد القادر
- د.محمد فتحي
- ريهام فؤاد الحداد
- د. طارق عباس
- جمال طه
- د.سامي عبد العزيز
- إيناس عثمان
- د. صباح الحكيم
- أحمد الشيخ *
- محمد حنفي نصر
- أحمد الشيخ
- ضياء مصطفى
- عبدالله حسن
- د. محمد عبد الباسط عيد
- بشير حسن
- سارة فوزي
- عمرو المنير
- سامية عايش
- د. إياد حرفوش
- أسامة عبد الفتاح
- نبيل عمر
- مديحة عاشور
- محمد مصطفى
- د. هاني نسيره
- تامر المهدي
- إبراهيم علي
- أسامة عبد الفتاح
- محمود رضوان
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
بقلم/ محمد أحمد فؤاد
ربما أصبح واقع الإنسان العصري افتراضياً من الدرجة الأولى، وكأننا أصبحنا نحيا فعلياً داخل فقاعة إلكترونية تتضخم شيئاً فشيئاً، حتى كادت أن تحتوينا بالكامل فكرياً ومعنوياً، وربما جسدياً وبشكل مثير للشفقة..! وفي ظل موازي لهذا الواقع المثير للقلق، تجدنا نشكو جميعاً من تغول انحراف سلوكي مخيف، وهذا ما أظنه نابع بالضرورة من استسلامنا نحن البشر على مر العصور لسطوة الآلة منذ ظهورها الطاغي الذي واكب عصور النهضة.. ثم حدث أن وقعنا مؤخراً تحت طائلة سيطرة إلكترونية شبه تامة.. وقد تطور هذا على مراحل متعاقبة وأدى إلى خلل واضح بمنظومة الأخلاقيات بصفة عامة، هذا في مقابل حدوث تنصل تدريجي من الاعتماد على النفس وعلى الذات البشرية وقدراتها المذهلة.. الأمر الذي أراه قد خَلَف العديد من الملامح السلبية عميقة الأثر في مناحي الحياة كافة، حتى أن الكسل عن التفكير واستسهال الأمور وعدم الاكتراث بالنتائج وافتقاد حواس التمييز والتذوق باتوا من السمات المرتبطة بالإنسان العصري في مجتمعاتنا إلا من رحم ربي..!
هل بالفعل، وفي غفلة منا نحن البشر تم استبدال الضمير الإنساني شديد الخصوصية لدرجة الغموض، ليحل مكانه المتصفح الإلكتروني الفاضح للنوايا والأسارير..؟ سؤال طرحه يوماً أحد الأصدقاء على سبيل السخرية، لكن يبدو أنه كان مُحِق في سؤاله هذا كل الحق.. فاليوم، ولمعرفة ما يجول في خاطرة شخص ما، لم يعد لمراجعة الضمائر والتفتيش داخلها أي أهمية.. وقد لا نحتاج إلا للإطلاع على ذاكرة التصفح الإلكتروني لهذا الشخص حتى نتعرف على تركيبته النفسية والعقلية، أو فيما يفكر وكيف يتعامل مع الأخرين، هذا بالإضافة إلى امكانية الحصول على العديد من أسراره وبياناته الشخصية دون حاجة لاستجوابه أو مسائلته.. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، لكن من الممكن أن تقوم بعض الجهات المختصة وأغلبها يعمل في مجال الأمن المعلوماتي والاستخباراتي بعمل تحليل سيكولوجي كامل للشخص دون مداهمته أو توقيفه، لكن من خلال متابعة سلوكياته عبر الأجهزة الإلكترونية الخاصة مثل الهاتف الجوال والكمبيوتر والألواح والألعاب الإلكترونية، وأي جهاز أو تطبيق يعتمد على دوائر إلكترونية مرتبطة بشبكات المعلومات ويحوي ذاكرة رقمية..!
الأصل في الموضوع هنا ليس البحث الاجتماعي أو الجنائي، ولكن هو أمر العقل البشري وكيفية حمايته من سطوة الأجهزة الإلكترونية التي أصبحت تحاصره وتتحكم في سلوكياته، فهو إذا غاب أو تم تغييبه عمداً تعقدت الأمور، وانفرط عقد الإصلاح وأصبح الأمل في التحسن بعيد المنال، ومن ثم تغيب عنه ملامح الإنسانية المعلومة بالضرورة.. فقبل طغيان الثورة التقنية، وما وصلت إليه البشرية من رفاهية مفرطة قللت حتماً من الاعتماد على الحركة والتفكير والتجربة، كان على المرء أن يبذل من الجهد الذهني والبدني ما يمكنه للوصول إلى أفضل النتائج.. حتى أنه كان حينها يشعر بالزهو والفخر حين يستحسن المجتمع المحيط به شئ من عمل يديه.. فكان الفلاح يقضي أغلب وقته في رعاية زراعته ومراقبة الظروف المحيطة بها وما قد يعتريها من اخطار لدرءها، لهذا كان نابهاً وذو فطنة وذكاء وخبرة واسعة في المجالات كافة انتاجياً واقتصادياً، وكان الصانع يجود منتجه حسب الذوق العام لأنه يعلم أن سلعته تبور ودخله يتراجع ما لم يطورها كما ينبغي، وكان التاجر يتفانى في تطوير طريقة عرضه وتخزينه للبضائع وكان يقوم بفرزها بعناية ليستبعد التالف منها لأنه يعلم أن الحس الانتقائي لدى المشتري لن يرتضي بالغث من المعروض.. وكذلك كان المُعلم يحرص على ان يستفيد التلاميذ من الوقت الذي يقضونه بصحبته في المدرسة بين فصول الدروس والأنشطة المختلفة والرحلات وحتى عمليات الإصلاحات الدورية والنظافة التي قد تحتاجها دور العلم، فكانت روح الانتماء للمدرسة وكان الاحترام للمُعلم والتعليم في أوج عظمته..
هكذا كنا نحيا.. لكن اليوم أصبح الطغيان الإلكتروني هو سيد الموقف بلا منازع.. فمن منا لم يستسلم لهذا الجهاز متناهي الصغر الذي لا يزيد وزنه عن بضعة جرامات، وبه نستطيع النفوذ إلى أغوار أغوار المعرفة والتواصل فقط بلمسة رقيقة للشاشة..! هذا الجهاز من خلال تطبيقاته أصبح بالفعل أعز ما يملك الإنسان العصري، وصاحبه وتابعه الأمين وأحياناً طبيبه البدني والنفسي، حتى أن بعضهم قرر في سبيل اقتناء أحدث نسخة منه التخلي عن كل ما هو جيد في الحياة من عِلم وغذاء وكساء ودواء..
الأزمة تزداد تعقيداً حين يدرك هذا الخطر آباء وأمهات مِمًّن يفضلون قضاء أغلب أوقاتهم داخل عالمهم الافتراضي عبر شبكات التواصل من خلال الأجهزة الحديثة لساعات وساعات، بينما يعزفون عن واجباتهم الأسرية الحتمية تجاه أبنائهم، كالتواصل اليومي مثلاً، والتربية السليمة والتنشأة الصحية والتوجيه والمتابعة وغير ذلك من ركائز الواجبات الأسرية المعلومة بالضرورة.. ربما لهذا جاء النتاج أجيال مشوهة تفتقر إلى أبسط قواعد التحضر والالتزام والاحترام في المعاملات.. فوجبة الطعام التي كانت تجمع الأسرة تم استبدالها بأخرى سريعة لا تلتزم بوقت ولا صحبة، واجتماع العائلة للتباحث والتواصل والسمر تم الاستعاضة عنه ببرامج التلفاز الرخيصة أو بتطبيقات الملاحقة المستمرة من رسائل نصية أو صوتيه أو مقاطع تسجيلية بالصوت والصورة، مما أشعر رب الأسرة إفتراضياً أنه مازال يسيطر على مقاليد الأمور وفي نفس الوقت وفر نوع من الحرية الزائفة للأبناء، وهذا بالطبع يعكس حقيقة مريرة هي أن كلا الطرفين يفتقر إلى الاحساس بالطمأنينة والانتماء الحقيقي..
البعد الأخطر في الأزمة هو مرض مجتمعي خطير سرعان ما انتشر مع طغيان الآلة وهو النفاق.. فمع تراجع الاعتماد على الذات، تراجعت ثقة البشر في بعضهم البعض، وأصبحت المادة هي معيار التقييم وليس الإجادة.. وأصبح النفاق بكل صوره هو ثقافة المجتمع في أغلب الطبائع.. وكثر من البشر من يكل إلى الناس تقدير قيمته بجعله مثل سلعة تتراوح قيمتها بتراوحهم في مقدار الحاجة إليها أو الاستغناء عنها، بينما الطريقة المثلى هي أن يقدر كل إنسان لنفسه قيمتها، فالمرء كما يقول بعضهم يساوي القيمة التي يضعها لنفسه، ذلك خير من أن يطرحها في المزاد على ألسنة الناس..
أكثر الصور إيلاماً في مسألة النفاق هي ما يجوز تسميته النفاق الإلكتروني.. فقد وصل الأمر بالبعض إلى اعتزال عالم الواقع بصورة شبه تامة، ثم تصور عالم افتراضي محدود الأبعاد يحبسون فيه أفكارهم وانتمائاتهم ومشاعرهم داخل نطاق ضيق، قد لا يخرج عن بضعة أفراد يكونوا دائرة ثقة وهمية تحت أي مسمى أو شعار.. فتكون أفكارهم المرتبطة دائماً باستحساناتهم وتعقيباتهم وتعليقاتهم ومشاركاتهم هي العالم وهمومه بالنسبة لهم بعيداً عن الواقع والحقيقة، ويصبح أي شئ خارج دائرة الثقة تلك هو كذب وغي وربما عدو افتراضي أو غريم، أو على أقل تقدير معارض غير مرغوب فيه لا يحق له النفوذ لتلك الدائرة...
وأخيراً.. لتسأل نفسك بتجرد وهدوء عزيزي القارئ ربما أدركت وأدركنا النجاة بعقولنا قبل فوات الأوان: في ظل استخدامك اليومي المعتاد للوسائط والأجهزة الألكترونية.. هل مازلت تمتلك القدرة على التواصل المباشر والهادئ بشغف مع الأخرين..؟ هل أصبحت تعاني من فوبيا انقطاع اتصالك بشبكات التواصل الإلكتروني أكثر من حرصك على لقاء أصدقائك وأقاربك؟ وهل طرأت عليك مؤخراً أعراض متطورة غريبة عليك نوعاً.. كالغيرة الإلكترونية أو الحقد الإلكتروني أو الكراهية الالكترونية أو التبعية الإلكترونية أو الشبق الإلكتروني..؟
وأخيراً.. هل تستطيع التخلي عن شاحن هاتفك الجوال لمدة 24 ساعة متواصله دون أن يعتريك القلق..؟ إذا كانت إجابتك على السؤال الأخير بنعم، فأعلم أن مازال هناك أمل..!
إعلان