إعلان

عصام خضيري يكتب: عن "حلب.. والأمةُ التي لا تقرأ"

عصام خضيري

عصام خضيري يكتب: عن "حلب.. والأمةُ التي لا تقرأ"

03:29 م الثلاثاء 10 مايو 2016

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - عصام خضيري:

كان ياما كان.. حكاية سترويها العجائز للصبيان؛ عن طفلِ في سالف الدهر كان مُحبًا للحكي سامعًا للكلام، ينام ويصحو على تاريخ بلاده من الشام لبغددِ، ومن نجدِ إلى يمنِ لفلسطين فتطوانِ، يفرح بُرهة ويئن على أحوالها بُرهات.

كان؛ وياما كان الصغير يقرأ قصصًا وروايات، ويسمع حكاوِي وحكايات عن طبائع الملوكِ والأمراء بقديم الأزمان في سفك دماء الأبرياء.

بادئ الكلام؛ كان يُحار عقله في تصديق أنهار الدماء، وهدم المُدن على رؤوس الأشهاد، ويروح المنطق من الرأس عند سماع رجم المقدسات، وقطع الرؤوس وبقر البطون وجز الرقاب.

فلمّا أتى الزمن المشهود، غدى الطفل الصغير يا هذا أشيبًا من هول الرؤى.. وتحققت في عينيه المهابة، وذهبت عن فؤاده السكينة، وسار هائمًا من حوله تفور براكين الدماء.. يشاهد فنونًا في جزّ الرقاب، وتفننًا في تفجير البلدان، وجبروتًا لم يسبق إليه فانِ.

كبرنا يا وطن ولم تكبر أمانينا.. كبرنا وأحلامنا لا تزل صغيرة؛ أن تنعم بلادنا هانئةً، ولسان الضَّاد يَجمعُنا، وأخوة العُرب تحمينا، ولا أحد يباعدنا ولا دين أو إرهابُ يفرقنا.

كنا نقرأ في كُتب التاريخ عن جرائم الحجاج فأتى علينا الزمان بـ"الأسد" بديلًا، ونتعجب من رجم المقدسات فجاءنا "الدواعش" يدمرون مقام الأنبياء، ونشكك في تخاذل الأمراء والملوك عن نصرة المستضعفين، فبرهن حكامنا على يقينها، بحلب اليوم خير دليل.

شِبّنا يا وطن واحنا لسه صغار.. كبرنا والحزن صار كبير، بتنا نبحث عن فرحِ في كومة أحزان، ونفتش عن المستقبلِ في الرجعية والماضي. تشتت أوطاننا، وتفتت وحدتنا، وعشنا حتى تداعت علينا الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها.

دورة التاريخ - أحداثه وحروبه ووقائعه - تدور على العُرب منذ بدء الخليقة، بنفس الوتيرة والأحداث بلا زيادة أو نقصان، دون أن يتعلموا الدرس. تلك أُمة أُخرجت للناس متسالمة مع ما يُهدد وجودها.

والمفارقة أن ما يحدث في حلبِ المنكوبة الآن حذرنا منه، وكتب من على أرضها عبدالرحمن الكواكبي كتابه طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، والذي جاء فيه يجب قبل مقاومة الاستبداد، تهيئة ماذا يُستبدل به الاستبداد ذلك لأنَّ معرفة الغاية شرطٌ طبيعي للإقدام على كلِّ عملِ، كما أنَّ معرفة الغاية لا تفيد شيئاً إذا جهل الطريق الموصل إليها.

الكلام الآن ليس تبريرًا لإجرام ديكتاتورِ، ولا دعمًا لطاغيةِ - فقد مضى الوقت ووقعت الرأس بالفأسِ - وبات لا بديل إلا برحيل كل من طغى وتجبر، وقال أنا طاغيكم الأعلى.

والاستبداد عند الكواكبي لا ينبغي أن يُقاوَم بالعنف، كي لا تكون فتنة تحصد الناس حصداً. نعم؛ الاستبداد قد يبلغ من الشدَّة درجة تنفجر عندها الفتنة انفجاراً طبيعياً، فإذا كان في الأمَّة عقلاء يتباعدون عنها ابتداءً، حتى إذا سكنت ثورتها نوعاً، وقضت وظيفتها في حصد المنافقين، حينئذٍ يستعملون الحكمة في توجيه الأفكار نحو تأسيس العدالة.

والمكتوب أعلاه لن يفلح بعد أن انفرط عقد الاستبداد، وجرت أنهار الإرهاب، وجفت الحكمة من هذه الأوطان، ولأن العرب يصدقهم قول موشيه ديان، هم قومُ لا يقرأون، وإن قرأوا لا يفهمون، وإن فهموا لا يطبقون.. وهذه آفة أمتنا الحقيقية.

أبناء جيلنا لم يتبق لهم من هول ما رأوه، غير خروج المسيح الدجال بعد أن ينجح في عبور زحام المحور، وربما يمر من جوارنا دونما التفات أو اكتراث منا.. فلماذا يا زمن لم تتركنا أبرياء ؟!

إعلان

إعلان

إعلان