إعلان

نقطة النور

محمد الصفتي

نقطة النور

04:50 م الثلاثاء 06 مايو 2014

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - محمد الصفتي:

منذ عدّة سنوات لم يكن من المعتاد أن ترى شابّاً يقرأ في المواصلات العامّة وكانت صور الغربيّين وهم يكبّون على الكتب وينهمكون في القراءة داخل عربات المترو مثار غيرة وحسد المثقّفين في المجتمع المصري عندما يتناقلونها على شبكات التواصل الاجتماعي، لم أكن حينها أتصوّر أن أرى مشاهد مماثلة في مترو القاهرة المكتظّ بالبشر الشحيح بالهواء! ولكنَّ ما حدث في السنوات الخمس الأخيرة على وجه التقريب أنّ ما تصوّرته مستحيلاً بدأ يتحقّق. فمنذ نحو سبع سنوات وتحديداً منذ صدور رواية ''فيرتيجو'' للكاتب الشاب أحمد مراد بدأ حراكٌ ثقافيّ جديد ينبلج من قلب عتمة السطحيّة وضباب أفلام السبكي!

ربّما لم تكن تلك هي نقطة البدء الحقيقيّة ولكنّها كانت نقطة هامّة بدأ الشباب منها رحلة لاستكشاف كتابات الأدباء الجدد وبالأخصّ فنّ الرواية وبدأت دور نشر جديدة في الظهور لتتلقّف عشرات من الموهوبين الذين كانت أبواب النشر لدى كبريات الدور موصدة في وجوههم. كان النشر حلماً يراود العديدين ولكنَّ منافذه كانت قاصرة على الأسماء المخضرمة المحفوظة لدى نخبة القرّاء والمثقّفين وكان التاريخ الأدبي الحافل لتلك الأسماء عائقاً أمام أصحاب العمل الأوّل يخشون اجتيازه لئلّا ترتدّ أعمالهم خائبة مثقلة بالانتقادات القاسية من لجان القراءة. وبدأت الأعمال الأدبيّة في الهطول من سماوات النشر المفتوحة لأيدي القرّاء الشباب المتلهّفة لما يرضي عطشهم الأدبيّ وينفي عنهم صفة الجيل الّذي لا يقرأ، وبدأ تقليدٌ جديد في الانتشار وهو حفلات توقيع الأعمال من الكُتّاب فأصبح لقاء كاتبك المفضّل ثمّ التواصل معه على شبكات التواصل الاجتماعي أمراً سهل التحقُّق ممّا اجتذب أعداداً كبيرة من الشباب وأنشأ شكلاً جديداً من العلاقة بين القارئ والكاتب.

ربّما كان لذلك الأمر سلبيّاته مثل صدور بعض الأعمال بشيء من التعجّل دون أن تخضع للمراجعات الكافية ودون ان يكتمل نضج كتّابها الأدبي بما يكفي لمقارعة أعمال الموهوبين الكبار ومن ثمّ إحداث شيء من الارتباك لدى القارئ الشاب الّذي اعتاد قبلاً ألّا ترى الأعمال الأدبيّة النور قبل أن تخضع لمراجعات قاسية من ذوي الخبرة وأساطين النقد الأدبي، ولكن على جانبٍ مشرق أتاح انفتاح سوق النشر لنا أن نرى أعمالاً لأدباء شبّان تنافس على جوائز أدبيّة رفيعة مثل ترشيح رواية ''رجوع الشيخ'' للكاتب الشاب محمد عبد النبي إلى جانب ''تويا'' للأديب والقاضي الجليل أشرف العشماوي -والذي ينتمي بكتاباته الشابة لذلك الجيل- و''مولانا'' لإبراهيم عيسى للقائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية عام 2012 وتوّج هذا الترشيح بعدها وصول رواية ''الفيل الأزرق'' لأحمد مراد للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية الأخيرة والتي توّجت بها رواية ''فرانكشتاين في بغداد'' للعراقي أحمد سعداوي، كما اختيرت رواية ''ترنيمة سلام'' للكاتب الشاب أحمد عبد المجيد ضمن القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب لسنة 2013.

وبعد أن كانت أرفف المكتبات الكبرى مقتصرة على أسماء الكبار من جيل الأدباء المعلّمين صرنا نرى أسماء التلاميذ الواعدين بجوارهم وصرنا نرى أسماء سارة البدري وعصام منصور ومحمد مجدي وحسن الجندي وعمرو المنوفي ومحمد راجح وأمل زيادة وشيرين سامي ومحمد عصمت ووائل نصار وعشرات غيرهم تطالع أعين الزائرين مدشّنةً عهداً جديداً للقراءة لا يمكن أن نغفل دور د. أحمد خالد توفيق في التمهيد له منذ أعوام بعيدة بسلاسل روايات الجيب التي ساهمت في صياغة وجدان أغلب أبناء جيلي والأجيال التي تليه وفي اجتذابهم للقراءة حتى لم يفلت أغلب كتّاب الجيل من بصماته على كتاباتهم.

كذلك غزت الجرأة تناول جيل الكتّاب الجدد لموضوعاتهم فخرجت أعمال تقتحم مناطق محرمّة كرواية ''أبابيل'' للكاتب الشاب شريف عبد الهادي والتي جاب فيها الكاتب دهاليز القضاء وتعرّض للمرّة الأولى لقضيّة ما يشوب ثوب العدالة من فساد، وأعمال تتّسم بالعمق الفلسفيّ كرواية ''طغراء'' للأديبة شيرين هنائي والتي قامت فيها بتحليل علاقة الحاكم بالمحكوم من خلال رحلة تاريخية فانتازيّة وعديد من الأعمال الأخرى التي تخطّت حاجز التقليديّة والسرد الحكائي.

وكان للقارئ دور في منح هذا الجيل من الكتّاب الثقة المنشودة بالمجموعات التي تشكلّت على شبكات التواصل الاجتماعي لمعجبي أعمال كتّاب بعينهم مثل مجموعة (8 غرب) لمعجبي أعمال أحمد مراد ومجموعة (التولتميّة) لمعجبي أعمال الكاتب الشاب عمرو الجندي ومجموعة معجبي رواية ''هيبتا'' للكاتب الشاب محمد صادق ومعجبي رواية ''أبابيل'' للكاتب شريف عبد الهادي وغيرها من المجموعات التي انخرطت في التواصل مع الكتّاب ودور النشر لدعم وتنظيم حفلات التوقيع للكتّاب والحصول على مميزات لأعضائها مثل الخصومات على الكتب.

أكاد أجزم أنّ هذا الحراك الإيجابي سيكون نقطة نور تجذب إليها فراشات الإبداع من كلّ الأنحاء فعلى سبيل المثال بدأنا أخيرًا نرى أسماءً جديدة لشعراء عامّيّة تولد بعد أن انقطع الناس طويلًا عن الاستماع للشعر العامّي حتّى انتشلتهم أشعار هشام الجخ مرحليًّا من بحار الشعر ما بعد الحداثي النخبوي فظهرت أسماء كمصطفى ابراهيم ونهى بهمن وعمرو حسن ومحمد ابراهيم وعبد الله حسن وقد صار لهم جمهور يزداد يومًا بعد يوم وصارت وجوههم تغزو الفضائيات بعد سنوات عجاف طوال انقطع بالشعر العامي بها السبيل وتوقّف عند جيل عبد الرحمن الأبنودي.

وكذلك أتوقّع أن يشهد فنّ القصّة القصيرة طفرة على أيدي المبدعين الجدد كحريّة سليمان ومحمد نجيب عبد الله وغيرهم فإن كان في البدء كانت الرواية فلابدّ أن يتبعها في المراحل التالية كافّة مجالات الإبداع الأخرى.

نقطة النور تلك صارت إلهاماً للعديدين بعد أن كاد الذوق العام في بلادنا أن ينحدر لدرجاتٍ لم يشهدها قبلاً من الانحطاط والسطحيّة وصارت القراءة فعلًا فاضحًا يخشى الشباب ارتكابه في الطرقات لئلّا يوصموا بالثقافة وادّعاء العمق!

*عرفاناً لجيل الكبار من أدباءنا العظماء استعرت عنوان المقال من رواية الكبير بهاء طاهر ''نقطة النور''.

للتواصل مع الكاتب.. اضغط هنا

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

إعلان

إعلان

إعلان