لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

في انتظار الصواريخ الأمريكية على دمشق

في انتظار الصواريخ الأمريكية على دمشق

01:08 م السبت 31 أغسطس 2013

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم- خالد داود:

كنت في الخامسة عشر عندما قامت إسرائيل بغزو واحتلال لبنان في صيف العام 1982، وأتذكر جيدا كيف أن كل دول العالم العربي، من السعودية إلى المغرب، قامت ولم تقعد بسبب المظاهرات والاحتجاجات المعارضة لذلك العمل الإجرامي الصهيوني. كنت مع أسرتي أعيش في دولة الإمارات، وقامت السلطات هناك بإلغاء بث نهائيات كأس العالم التي كانت تجري في نفس الوقت في الأرجنتين، وذلك على اعتبار أنه من غير المناسب أن يتفرج الناس على كرة قدم بينما دولة عربية هامة كلبنان تتعرض للقصف والضرب من قبل العدو الإسرائيلي بلا هوادة، ويسقط المئات قتلى وجرحى من مقاتلي المقاومة اللبنانية والفلسطينية.

وبعدها قامت حرب الخليج الأولى على إثر قرار صدام حسين بغزو واحتلال الكويت في اغسطس 1990، وكنت بدأت العمل الصحفي. وقمت بتغطية تظاهرات هادرة لقي فيها عدد من الشباب المصري مصرعه في مواجهات مع قوات الأمن المركزي أمام جامعة القاهرة عندما خرجوا للاحتجاج على ضرب العراق رغم أن مصر شاركت في التحالف الأمريكي بقوات لتحرير الكويت في يناير 1991. أنا ومن في جيلي لم نكن نتظاهر تقريبا سوى لنصرة القضايا العربية، وعلى رأسها فلسطين بالطبع، الانتفاضات الأولى والثانية والمذابح الصهيونية في الخليل والقدس وغيرها، لبنان، الغزو والاحتلال الأمريكي لاحقا للعراق في 2003.

تدور هذه المشاهد كلها في رأسي الآن، وأنا بالكاد أتابع تطورات المشهد السوري. فبلدي التي أعيش فيها تعيش بدورها ظروفا مؤلمة ومواجهات وقتلى وتفجيرات واعتقالات وثورة لم تكتمل، واستطيع سماع صوت الرصاص وقنابل الغاز وطلقات الخرطوش من نافذة المنزل الذي اقيم فيه على مسافة ليست بعيدة عن شارعي البطل احمد عبد العزيز وجامعة الدول العربية، بعد أن امتدت المواجهات امس بين قوات الأمن المركزي هناك إلى ما بعد منتصف الليل رغم أن حظر التجول يبدأ رسميا في السابعة مساءا.

الرئيس الأمريكي باراك أوباما على وشك أن يدلي بتصريحات يوضح فيها قراره النهائي بشأن كيفية التعامل مع إتهامه رسميا لنظام بشار الأسد في دمشق بإستخدام السلاح الكيماوي ضد شعبه، وقتل 1492 سوري بينهم مئات الأطفال. هل لاحظتم دقة العدد؟ 1492 وليس 1490 او نحو 1500؟ الرسالة هي أن لدى أجهزة الاستخبارات الأمريكية معلومات دقيقة للغاية (وكأن واشنطن لم تتعلم من المعلومات المزيفة التي قدمتها في حرب غزو واحتلال العراق،) بلغت حد إحصاء الجثث بدقة، لكي يخرج أوباما ليقول أن العدد تحديدا 1492. وفي نفس الوقت، لا أنباء عن تظاهرات أو احتجاجات واسعة في الدول العربية والمسلمة، احتجاجا على الإعلان الواضح من قبل الولايات المتحدة أنها ستقوم باستخدام القوة العسكرية ضد سوريا.

هل أقوم بانتظار تصريحات أوباما على السي ان ان بشأن سوريا وموعد الضربة العسكرية المحتملة، أم أتحول سريعا لقناة محلية لمتابعة الوضع المشتعل في الشارع القريب مني؟ اعتقد أن نفس السؤال طرحه المواطن التونسي في منزله والذي تجري غالبا بالقرب منه مظاهرات ومواجهات لا تختلف كثيرا عن ما نشهده في مصر، وإن ليس بنفس الحدة، وكذلك الحال في ليبيا حيث لم تستقر الأوضاع مطلقا منذ الإطاحة بالقذافي وتواجه الدول الجارة تهديدات كبيرة لوحدتها وتماسكها، أو في اليمن، وغيرها من كل دول العالم العربي تقريبا والتي ينصب فيها الاهتمام تماما الآن على الشأن المحلي فقط.

وفي مصر، يزداد موقفنا صعوبة، ولا يمكن لحكومتنا الحالية سوى اصدار البيانات الإنشائية التي لا تعني أي شئ. فالحقيقة أن الجميع لا يملك سوى أن يجلس أمام شاشة التلفزيون في انتظار الخبر العاجل الذي ستنفرد به السي ان ان او اي محطة امريكية اخرى شهيرة، لتعلن لنا أن عدة صورايخ من نوع كروز او توما هوك او أي من تلك الصواريخ الأمريكية المتقدمة من عصر حرب الكواكب، والتي تحركها الأقمار الصناعية قد أصابت أهدافا معينة في دمشق، لإبلاغ رسالة لبشار الأسد أنه يمنع عليه منعا باتا استخدام الأسلحة الكيماوية مرة أخرى في المواجهات الدائرة منذ أكثر من عامين في سوريا العزيزة على كل المصريين، والتي لم تقتصر مأساتها على قتل نحو مائة ألف مواطن سوري، ولكن تحول الملايين من ابنائها إلى لاجئين ونازحين.

محللون أمريكيون كثيرون يرون أن أوباما تورط في مأزق، وأنه عندما أعلن أن واشنطن لن تتخذ أي إجراء عسكري ضد سوريا ما لم تقم باستخدام الأسلحة الكيماوية، لم يكن يتصور أن النظام السوري يمكن أن يتورط في مثل هذه الجرائم. ولكن مع تطورات الأوضاع، وتزايد نفوذ الجماعات المتشددة في سوريا وبعضها قريب من القاعدة، والتهديدات بانفجار نزاع طائفي يمتد سنوات في العديد من دول المنطقة المجاورة لو تخيلنا أن حزب الله الموالي لدمشق ضرب صوايخه على اسرائيل فترد هي بضرب لبنان، فتتدخل إيران وربما شيعة العراق، لم يعد الرئيس الأمريكي اوباما ولا الأوربيين ولا أي من الأطراف القريبة من النزاع السوري واثقا من أن الإطاحة ببشار الأسد في هجوم عسكري من شأنه حل الأزمة السورية، حتى لو كانت بعض وحدات جيشه استخدمت بالفعل الأسلحة الكيماوية.

في مصر، وفي ظروفنا الحالية، أمطرتنا كل الأحزاب ببيانات الشجب والتنديد ومعارضة الضربة الأمريكية الامبريالية ضد الشعب السوري البطل.

ولكن هذه البيانات جميعا تمر مرور الكرام وتتجاهل، وبشكل مضحك بصراحة، أن بعض الدول العربية، وعلى رأسها الشقيقة المملكة العربية السعودية، في مقدمة الداعين للتدخل عسكريا من قبل الولايات المتحدة والغرب للإطاحة ببشار الأسد. وبعد الوقفة الكريمة للمملكة مع الحكومة الجديدة التي تلت الإطاحة بالرئيس الإخواني محمد مرسي، والتي أشادت بها الأحزاب الناصرية القومية المدافعة عن العروبة قبل حكومتنا السنية، فمن الصعب التلميح من قريب أو بعيد إلى أن الهجمة الأمريكية التي ننتظرها جميعا على شاشات التلفزيون ستتم بالتعاون الكامل مع حكومات عربية شقيقة على رأسها السعودية والأردن. بالطبع لن أتحدث عن قطر التي تسعى لمنافسة السعودية في دعم المعارضين لبشار الأسد من باب المنافسة وحسب وتأكيد الحضور، وذلك لأن قطر في باب الأعداء رسميا الآن في مصر، ويجوز انتقاد مشاركتها الرسمية في الحملة الأمريكية الصهيونية لضرب الشقيقة سوريا.

استبيحكم عذرا، يجب أن أعود سريعا لمتابعة الأوضاع في الحي الذي أسكن فيه، وهل سيمكنني الخروج، أم أنه يجب الوضع في الاعتبار اندلاع المظاهرات والمواجهات مجددا بين أنصار الإخوان وقوات الأمن المركزي. هاتفي المحمول وحسابي على تويتر او الفيسبوك سيخطروني بالضرورة بموعد سقوط الصواريخ الأمريكية على دمشق.

إعلان

إعلان

إعلان