لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

خونة الإعلام لا أخونة الإعلام

خونة الإعلام لا أخونة الإعلام

12:29 م الإثنين 20 أغسطس 2012

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم – حمدي قنديل:
رغم كل ما تزخر به وسائل الإعلام الآن من حديث حول أخونة الإعلام، وما تشير إليه من دلائل، فإنني لست قلقاً على مستقبل الإعلام من هيمنة «الإخوان المسلمين» بقدر قلقي عليه من الإعلاميين.. أنا لا أستهين بالمخاطر التي تمثلها الجماعة على الإعلام، لكنني أنبه إلى المخاطر المماثلة من أبناء المهنة أنفسهم.. مبدئياً، لاشك عندي في أن ''الإخوان''، شأنهم شأن أي جماعة سياسية تتولى الحكم، يتمنون أن يحكموا قبضتهم على الإعلام، ولا جدال في أن هناك شواهد توحى حالياً بأن ''الإخوان'' يزحفون على المشهد الإعلامي بأقدام ثقيلة أحياناً.. خذ عندك اختيار رؤساء تحرير الصحف القومية الجدد.. ثم البلاغات التي تلاحق الصحفيين أمام النيابة العامة بتهمة ''إهانة الرئيس''.. ثم إغلاق قناة الفراعين.. ثم مصادرة نسخ من أحد أعداد صحيفة الدستور.. ثم الاعتداء على بعض الإعلاميين في مدينة الإنتاج الإعلامي.. ثم إلغاء نشر بعض المقالات لكتاب كبار.. وأخيراً، تعيين وزير إعلام من أعضاء الجماعة.
 
تزامن هذه الشواهد جميعاً في أسابيع محدودة هو الخطأ الأول الذى ارتكبه الإخوان، وهو الذى كشف ما يمكن تسميته خطة الجماعة لأخونة الإعلام، وهو الذى أعطى معارضيهم الحجة عليهم.. لكننا إذا دققنا في الشواهد كلاً على حدة، لوجدنا أن لكل منها تعقيداته.. لنأخذ قرار مجلس الشورى أولاً.. مجلس الشورى هو المالك نيابة عن الدولة للصحف القومية، وهو المخول بالتالي باختيار رؤساء التحرير، وقد عينهم هذه المرة بناء على معايير حددتها لجنة غالبية أعضائها من الصحفيين، وبذلك فإن التعيينات الجديدة يمكن اعتبارها قانونية تماماً.. لكن السؤال في رأيي: هل كانت تلك القرارات ضرورية في الوقت الذى صدرت فيه، وهل تمثل حلاً أو خطوة في طريق الحل لمستقبل الصحف القومية؟.. الإجابة قطعاً بالنفي.. يدافع مجلس الشورى عن قراره بالقول أنه اختار أفضل الصحفيين الذين تقدموا بطلبات لشغل هذه المواقع، وأن المعينين ليسوا من الإخوان المسلمين، وأن اختيارهم لقى ترحيباً من الجماعة الصحفية.. لكننا نجد على الجانب الآخر أن فريقاً آخر من الصحفيين قابل القرار بغضب، ليس فقط للإهانة التي لحقت بالصحافة، بسبب إجبار كبار الصحفيين على التقدم بطلبات وظائف، لكن أيضا لأنها لم تؤد إلى اختيار الأفضل.
 
يمكنني أن أصدق أن رؤساء التحرير الجدد ليسوا من الإخوان المسلمين، بل إنهم ليسوا من المناصرين لهم.. لكن المشكلة ليست هنا.. المشكلة في الثقافة التي نشأت في مؤسسات الإعلام في عهد مبارك، ثقافة الولاء للحاكم الذى يملك الرضا والتعيين والفصل وإصدار التعليمات والأوامر.. استمرت هذه الثقافة بعد 25 يناير، ومن المؤكد أنها كانت الدافع لدى بعض رؤساء التحرير الجدد لاسترضاء الحكام الجدد، أو الأمل في استرضائهم بوسائل عدة منها حذف بعض المقالات المعادية لهم، مثلما حدث عندما منع نشر مقال للأستاذ يوسف القعيد في جريدة ''الأخبار''، وكذلك مقال آخر في الجريدة نفسها للأستاذة عبلة الرويني وردت فيه عبارة ''أخونة الصحافة''.. هنا لا يمكن إلقاء اللوم على الإخوان.. اللوم على الصحفيين، كبار الصحفيين.
 
نأتي بعد ذلك إلى العيب في الذات الرئاسية، ''إهانة الرئيس''.. في رأيي فإن تهمة إهانة الرئيس كرئيس يجب أن تلغى في أي مجتمع يمكن وصفه بأنه مجتمع ديمقراطي، خاصة أن هذه التهمة عادة ما تقترن بتهم أخرى مثل إشاعة الأخبار المغرضة، وإثارة الفتن وزعزعة الاستقرار، وتهديد السلم الاجتماعي، وما إلى ذلك.. ولعل الرئيس مرسى يبادر بنفسه باقتراح إلغاء هذه التهمة.. الرئيس في المجتمع الديمقراطي يجب انتقاده حتى إذا كان الانتقاد عنيفاً بأقسى الألفاظ، لكنه إذا تم سبه وقذفه فلابد عندئذ من تقديم الجاني للمحاكمة.. والواقع أن هناك عددا من الصحف والقنوات التليفزيونية تنضح بالحماقات والسخافات في حق الرئيس بحيث تندرج بلا تردد تحت طائلة قوانين السب والقذف، لكن توصيف التهمة إذا ما ثبتت يجب أن يكون سب وقذف ''المواطن'' محمد مرسى، لا ''الرئيس'' محمد مرسى.. بالإضافة للسب والقذف، هناك التحريض والإثارة وتضليل الرأي العام.. ليلة وقوع الاعتداء على جنودنا في رفح استضاف برنامج في إحدى القنوات الخاصة الجديدة المسؤول الفلسطيني السابق محمد دحلان، والفريق شفيق، ولواء من لواءات التحليل ''الاستراتيجي''، وواحداً من الصحفيين من أعمدة نظام المخلوع ليعلقوا على الحادث، ولكم أن تتصوروا كم المغالطات التي بثت السموم ليلتها.
 
أما قناة ''الفراعين'' لصاحبها ''عكاشة'' فتلك حكاية أخرى.. فرغم أنها قناة قائمة بتصريح من مؤسسات حكومية أو شبه حكومية، مثل هيئة الاستثمار ومدينة الإنتاج الإعلامي وشركة نايل سات، فإن اعتبارها وسيلة إعلامية لا يمكن أن يكون إلا سُبّة في جبين الإعلام والإعلاميين.. ''الفراعين'' ليست سوى مزبلة للبذاءات يمكن إيقاف إرسالها إذا ما تم تفعيل أي ميثاق للشرف الإعلامي صادر عن أي جهة، وما أذاعته القناة منذ قيام الثورة كان من الممكن أن يكون سبباً في إغلاقها، لولا مساندة المجلس العسكري لها ''تداولت شبكات التواصل الإلكتروني وثيقة لرئيس شعبة العمليات الجوية يطالب فيها الضباط والجنود بمتابعة القناة''.. إلا أن ما بثته ''الفراعين'' مؤخراً لا يدخل فقط تحت باب السب والقذف، لكنه بلطجة وتحريض مباشر على القتل، وهى تهمة جنائية توجب عند ثبوتها إغلاق القناة.. أما أن يوقف إرسال القناة أو أن يوجه إليها تحذير أو إنذار من جهة إدارية فهذا ما يجب أن نرفضه.. لنطبق القانون إذن على ''عكاشة'' حتى لو كان قد احتقر كل قانون.
 
في الأسبوع الماضي كان الصديق الأستاذ جمال فهمي واحدا ممن دعوا إلى تشكيل لجنة دائمة للدفاع عن حرية التعبير بعد الهجمة المسماة بـ''أخونة الإعلام''، واتصل بي لأشارك في اجتماع تأسيس اللجنة.. لم أتمكن من الحضور رغم أنه ليس لدى بالطبع أي تحفظات إزاء أي جهد للدفاع عن الحريات.. مع ذلك فرأيي أن يتوازى هذا الجهد مع حل جذري طويل المدى، حل مؤسسي لمشكلة الإعلام عموماً، هو أن تقيم الدولة كياناً يديره الإعلاميون أنفسهم لتنظيم العمل الإعلامي.. من بين مهام هذا الكيان الذى يمكن أن يسمى ''المجلس الوطني للإعلام''، أو غير ذلك، أن يمنح التراخيص للمؤسسات الإعلامية، وأن يحاسبها بالإنذار أو الغرامة أو الإيقاف عندما تخطئ في حق المستهلكين، أي القراء والمشاهدين والمستمعين.. بل إن هذا الحل يجب أن يسبق أي جهد آخر.
 
الحق أنني لا أستطيع بحال أن أضع نفسى في موقف يشتبه أن فيه دفاعاً عن الفراعين أو الثعابين.. مثل هذه الكائنات، صحفا كانت أم قنوات، سُبّة في جبين الإعلام.. الإعلام قد يكون الآن عرضة للأخونة.. لكنني على يقين من أنه لا الإخوان أو غيرهم من التيارات السياسية قادر على ابتلاع الإعلام، طالما ارتقت المهنة وتمسكت بمواثيقها.. الخطر ينبع من داخل المهنة نفسها قبل أن يكون من خارجها.. الخطر ممن خانوا رسالة الإعلام وقيمه العليا.. الخطر من خونة الإعلام قبل أن يكون من أخونة الإعلام.

إعلان

إعلان

إعلان