إعلان

مرحلة انتقالية ثانية ونظام بثلاثة رؤوس

مرحلة انتقالية ثانية ونظام بثلاثة رؤوس

11:12 ص الأحد 08 يوليه 2012

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - حسن نافعة :

كان يفترض أن تكون الانتخابات الرئاسية هى آخر خطوة فى مرحلة انتقالية بدأت بسقوط رأس النظام القديم فى 11 فبراير من العام الماضى، وكان مقررا لها أن تنتهى بتنصيب الرئيس المنتخب فى 30 يونيو من هذا العام. غير أن الانتكاسة المفاجئة، والمتعمدة، لعملية بناء مؤسسات النظام الجديد ـ عقب حكم المحكمة الدستورية العليا، وحل مجلس الشعب، وصدور إعلان دستورى مكمل يخول المجلس الأعلى للقوات المسلحة صلاحية ممارسة سلطة التشريع ـ أعادت خلط الأوراق من جديد، ووضعت مصر على مشارف ''مرحلة انتقالية ثانية''، لا يعلم إلا الله وحده كيف تدار ولا متى تنتهى.

يستشف من نص الإعلان الدستورى المكمل أن هذه المرحلة ستدار من خلال نظام تقوده ثلاثة رؤوس: رئيس الدولة المنتخب، الذى كان مرشحا عن حزب الحرية والعدالة، الناطق باسم جماعة الإخوان المسلمين، ورئيس الحكومة، الذى لم يعين بعد وينتظر أن يكون شخصية وطنية مستقلة، ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، المفروض بسلطة الأمر الواقع، والذى ينفرد بإدارة المؤسسة العسكرية وممارسة سلطة التشريع فى غياب مجلس الشعب. ولأن الانتخابات البرلمانية المقبلة مشروطة ـ وفقا للإعلان الدستورى المكمل ـ بالانتهاء من صياغة دستور جديد ودخوله حيز التنفيذ بعد الاستفتاء عليه، وهو أمر يصعب التنبؤ بموعد حدوثه على وجه الدقة، فليس بوسع أحد أن يحدد بدقة متى تنتهى ''المرحلة الانتقالية الثانية''.

فإذا أضفنا إلى ما سبق أن رئيس الجمهورية المنتخب لا يعترف رسميا لا بإعلان دستورى يقلص كثيرا من صلاحياته ويحد من سلطاته، رغم اضطراره للاعتراف به ضمنيا بإقدامه على أداء القسم أمام الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا، ولا بقرار حل مجلس الشعب، رغم اعترافه بعدم دستورية بعض نصوص قانون مجلس الشعب، يبدو واضحا أن مصر باتت مقبلة على مرحلة انتقالية جديدة من المتوقع أن تندلع فيها صراعات سياسية حادة سوف تختلف وسائل وآليات إدارتها اختلافا كبيرا عن وسائل وآليات إدارة الصراعات السياسية التى اتسمت بها المرحلة الانتقالية الأولى.

فبعض القوى والتيارات السياسية ترى أن صلاحية الإعلان الدستورى المكمل تنتهى بمجرد أداء المرشح الفائز فى الانتخابات اليمين الدستورية. ولأن الرئيس المنتخب هو الشخص الوحيد فى النظام السياسى الراهن الذى يستمد وجوده من إرادة شعبية واضحة، فمن الطبيعى أن يصبح مفوضا باتخاذ جميع الإجراءات القانونية اللازمة لتصحيح مسار المرحلة الانتقالية، بما فى ذلك صلاحية إلغاء الإعلان الدستورى المكمل نفسه، باعتباره صادرا من سلطة غير منتخبة وفى توقيت غير مناسب.

غير أن هناك قوى وتيارات سياسية أخرى ترفض استخدام أى نهج تصادمى مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتفضل اللجوء إلى وسائل سلمية هادئة لتصحيح المسار والانطلاق نحو المستقبل. ويعتقد هؤلاء أن اللجوء إلى القضاء الإدارى، بل إلى المحكمة الدستورية نفسها، يمكن أن يسفر عن حلول مرضية للإشكاليات الراهنة تغنينا عن المواجهات أو استعراض القوة. إذ يمكن الحصول من جهات قضائية متعددة على تفسيرات للحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا، تفضى إلى قصر حكم البطلان على الأعضاء المنتمين إلى أحزاب رشحتهم دون وجه حق على مقاعد مخصصة للمستقلين. ولأن مجلس الشعب سيصبح بعد صدور هذه التفسيرات أو الأحكام الجديدة فى وضع يسمح له بالعودة فورا لممارسة وظائفه الطبيعية، دونما حاجة لانتظار نتائج الانتخابات التكميلية اللازمة لاستبدال الأعضاء الذين ينطبق عليهم حكم البطلان، فمن الطبيعى أن يسقط الإعلان الدستورى المكمل تلقائيا وتنتهى المهمة السياسية للمجلس الأعلى للقوات المسلحة وتنتفى الحاجة إلى مرحلة انتقالية ثانية.

ومع ذلك فإن احتمال نجاح مثل هذا النهج القانونى فى إيجاد حل لكل المعضلات التى يطرحها الإعلان الدستورى المكمل يبدو ضئيلا. فإذا أضفنا إلى ذلك أن خشية العديد من القوى والتيارات السياسية من هيمنة التيار الإسلامى على مقاليد الدولة والمجتمع تدفعها للترحيب بالإعلان الدستورى المكمل، لتبين لنا أن الوضع السياسى فى مصر يبدو أكثر تعقيدا مما هو ظاهر على السطح، وهو ما سوف ينعكس بالضرورة على تطور نمط العلاقة بين الرؤوس الثلاثة فى المرحلة المقبلة.

من المتوقع أن تبدأ معضلات إدارة المرحلة الانتقالية الثانية فى الانكشاف تباعا بمجرد شروع الرئيس المنتخب فى تشكيل حكومته. ولأن الإعلان الدستورى المكمل يبقى على المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بتشكيله الحالى، وبرئاسة وزير الدفاع، فسوف يكتشف الرئيس المنتخب على الفور أنه مضطر للتسليم بضرورة بقاء المشير طنطاوى، وزيرا للدفاع، ورئيسا للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، إلى أجل غير مسمى. ومعنى ذلك أن صيغة العلاقة بين رئيس الدولة المنتخب ووزير دفاعه تبدو محكومة منذ البداية بسلطة الأمر الواقع.

على صعيد آخر، يبدو واضحا أن وزير الدفاع المفروض بسلطة الأمر الواقع سيكون فى الوقت نفسه، وهذا هو أهم وأغرب ما تنطوى عليه الصيغة الراهنة من مفارقات، رئيسا لسلطة التشريع التى ستتولى إقرار ميزانية الدولة، بما فيها مخصصات القوات المسلحة. ولأن هذه المخصصات لا تقتصر على التسليح والشؤون العسكرية، وإنما تمتد لتشمل أيضا الأنشطة الاقتصادية للمؤسسة العسكرية، فمن الطبيعى أن يثير هذا الوضع تحفظات وتناقضات كثيرة تتعلق بالصلاحيات وبالمصالح أيضا، خصوصا أن الجهة المنوطة بها سلطة التشريع وإقرار الميزانية، وفقا للإعلان الدستورى المكمل، ليست جهة تداول ونقاش، وإنما جهاز عسكرى يتلقى أوامر واجب عليه إطاعتها وفق منطق التسلسل الهرمى للسلطة.

فإذا أدخلنا بعد العلاقة الشخصية فى الاعتبار، فسوف تبدو لنا الأمور أكثر تعقيدا. فسوف يكون على المشير طنطاوى، الذى كان حتى وقت قريب رئيسا فعليا للدولة، حضور جلسات مجلس الوزراء، بصفته وزيرا للدفاع وتلقى تعليماته مباشرة من رئيس حكومة لم يعينه ولا يملك حق محاسبته، ناهيك عن إقالته. وسوف يتعين على رئيس الدولة المنتخب من الشعب أن يتعامل مع المشير طنطاوى، مرة بصفته وزيرا يتعين أن يؤدى القسم أمامه، ومرة أخرى بصفته رئيسا لسلطة تشريعية تملك صلاحية اعتماد ميزانية الدولة، التى يفترض أن تتولى حكومته مسؤولية إعداد مشروعها، كما تملك مراقبة أداء السلطة التنفيذية التى يتولى رئاستها!!!

قد يرى البعض فائدة ترجى من دور سياسى يتعين على المؤسسة العسكرية المصرية أن تلعبه فى مرحلة دقيقة من مراحل تطور النظام المصرى، تفاديا لمخاطر قد تنجم عن سعى التيار الإسلامى المهيمن إلى ''أدلجة'' الأجهزة الإدارية والخدمية للدولة، خاصة الأمنية منها. ورغم أن لبعض هذه المخاوف ما يبررها، فإنها لا تتطلب بالضرورة أن تمارس المؤسسة العسكرية دورها المطلوب من خلال التشكيلة الحالية للمجلس الأعلى للقوات المسلحة. فالمشير طنطاوى يبلغ من العمر الآن 77 عاما، ويتولى منصب وزير الدفاع منذ أكثر من واحد وعشرين عاما متواصلة، أما أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة فقد تجاوز معظمهم سن الستين وظلوا فى مواقعهم القيادية كأعضاء فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة لسنوات طويلة أكثر من المعتاد. وهذا وضع نادر الحدوث فى أى دولة حديثة، ناهيك عن أن تكون ديمقراطية.

من حق المؤسسة العسكرية المصرية علينا، بحكم تاريخها الوطنى المشرف، أن يضعها الجميع فى حدقات الأعين. ورغم صعوبة الفصل بين المؤسسة العسكرية وقيادتها العليا، فإن منطق دولة المؤسسات يفرض على الجميع ضرورة احترام قواعد العمل المؤسسى، ضمانا لتدوير أفضل للنخبة وانتقاء الكفاءات على أسس مهنية ووطنية صرف. لذا أعتقد أنه ربما يكون من المناسب أن يقدم المجلس الأعلى للقوات المسلحة استقالة جماعية لرئيس الدولة المنتخب قبل تشكيل الحكومة. فاستمرارية المؤسسة العسكرية المصرية ودورها السياسى المطلوب، بصرف النظر عن رأينا فيه، لا يتوقفان بالضرورة على استمرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتشكيله الراهن، على العكس فهذا التشكيل يعد جزءاً من الأزمة وليس من الحل.

اختيار وتعيين قيادات عسكرية وطنية جديدة، بمن فيهم وزير الدفاع، لعضوية ورئاسة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، سوف يتيح الفرصة للتعرف بشكل أفضل على وجهة النظر الحقيقية للمؤسسة العسكرية المصرية فى الدور الذى يمكن أن تلعبه فى النظام السياسى المصرى فى المرحلة المقبلة، والذى لا يمكن إلا أن يكون دورا وطنيا ولصالح الجميع.

اقرأ ايضا:

سلطات وصلاحيات الرئيس المنتخب

إعلان

إعلان

إعلان