إعلان

د. هشام الليثي يكتب: هل رد الفرنسيون للإنجليز الصاع صاعين بعد 120 عامًا من معركة ابو قير البحرية عندما كانوا مسئولين عن مصلحة الآثار؟

02:59 م الأربعاء 07 فبراير 2024

د. هشام الليثي، رئيس قطاع حفظ وتسجيل الآثار بالمج

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

دور المصريين في الكشف عن مقبرة توت عنخ امون ودورهم في بقاء كنوز الملك الشاب في مصر

مر على اكتشاف مقبرة الملك توت عنخ أمون رقم 64 بوادي الملوك بالبر الغربي بالأقصر101 عام، حيث تم الكشف عن كنوز الملك الشاب التى تبلغ حوالي 5339 قطعة في 4 نوفمبر 1922 ولعل أشهرها القناع الذهبي وكرسي العرش الذي يعرض حاليا بالدور الثاني بالمتحف المصري بالتحرير لحين نقله ليعرض في المتحف المصري الكبير الذي سيفتتح ليستقبل زواره خلال الشهور القليلة القادمة، في هذا المقال أود أن أشير إلى دور المصريين في هذا الكشف وأيضا الدور الهام الذي لعبوه لابقاء هذه الكنوز داخل مصر.

اكتشاف أذهل العالم.. وكنوز لا تقدر بثمن.. وفرعون شاب يرقد في مقبرة أثارت الجدل، هذا ما نحن بصدد رؤيته في ثمرة اكتشافات وادي الملوك، ذلك الوادي الذي اختاره حكام الدولة الحديثة ليكون نقطة انطلاق رحلتهم إلى العالم الآخر.

في صباح الرابع من نوفمبر عام ألف وتسعمائة واثنين وعشرين، كان العمل يجري كالعادة على قدم وساق لاكتشاف مقبرة الملك توت عنخ آمون، تحت رعاية إيرل كارنارفون الخامس الإنجليزي "جورج إدوارد هربرت"، الذي موّل عمليات استكشاف بوادي الملوك بالبر الغربي في الأقصر، بمساعدة عالم المصريات الإنجليزي "هوارد كارتر"، والذي آمن بوجود مقبرة الملك توت في مكان ما بالوادي، حيث كان الوحيد من ملوك الأسرة الثامنة عشر الذي لم يتمكن المستكشفون من إيجاد مقبرته، حتى اعتقد بعضهم في عدم وجودها بالوادي، ولكن بعد عمليات بحث متقطعة على مدار ثمان سنوات، عثر "كارتر" وفريقه من العمال المصريين في اليوم المنشود، على أول درجة من السلم.. الهابط إلى مقبرة الفرعون الأبرز في تاريخ الاستكتشافات الأثرية

لقد لعب المصريون أدوارًا مختلفة في هذا الكشف. وهنا نسترجع بعد الحقائق المثبتة عنه بداية من توقيع عقد الحفائر مع اللورد كارنرفون وهيوارد كارتر

الأشخاص الأربعة هم: أحمد جرير، جاد حسن، حسين أبو عوض، وحسين أحمد سعيد وأشهرهم حسين عبد الرسول صاحب الصورة الشهيرة وهو يحمل قلادة الملك توت عنخ آمون. وهذا الصبي هو الذي اكتشف الحفرة التي أدت إلى 16 درجة تؤدي إلى المقبرة. كلنا نعرف قصة الاكتشاف. شخص آخر يدعى الدكتور صالح بك حمدي الذي كان مع كارتر وبيير لاكو يفحصان مومياء توت عنخ آمون.

1

حسين عبد الرسول يحمل قلادة الملك توت عنخ أمون

أود أن أشير إلى مادة أرشيفية مهمة محفوظة في معهد جريفيث في جامعة أكسفورد وهي رسالة من اللورد كارنارفون إلى آلان جاردنر بتاريخ 28 نوفمبر 1922 يذكر فيها شيئًا مثيرًا للاهتمام للغاية وأقتبسه "هناك أشياء كافية لتعرض بالقسم المصري بأكمله في الطابق العلوي من المتحف البريطاني" ومن المرجح أنه تم نقل جميع كنوز توت عنخ آمون إلى متحف القاهرة وعرض 122 قطعة في الطابق الثاني بمتحف القاهرة، وذلك بفضل جهود بيير لاكاو (نوفمبر 1873 – 26 مارس 1963) عالم مصريات فرنسي ومدير مصلحة الآثار المصرية في الفترة من 1914- 1936)، و جورج إميل جول دارسي Georges Daressy (19 مارس 1864 - 28 فبراير 1938) عالم مصريات فرنسي، ومرقص باشا حنا (وزير الأشغال العامة في حكومة سعد زغلول) الذي لعب دورًا مهمًا في الحفاظ على الكنوز في مصر.

في عام 1919، ذكرت بعثة ميلنر أن مصلحة الآثار كان بها سبعة أوروبيين في المناصب العليا، وتسعة مفتشين مصريين، وعدد من الحراس المصريين. وبعد بضعة أشهر، تم تعديل تقرير ميلنر لينص على أن الإدارة الفرنسية للمصلحة يجب أن تستمر. وفي فبراير 1922، بدأت الساعة تدق على تقاعد مئات الأوروبيين من مصلحة الآثار، وحكومة عدلي يكن أنشأ بكل هدوء منظمتين جديدتين في المتحف المصري مخصصة للأوروبيين بشكل صريح - واحدة فرنسية والأخرى بريطانية. وكان المبرر هو أن الوظائف تتطلب "تدريبًا علميًا خاصًا" "وهو ما لا يمتلكه المفتشون المصريون الموجودون الآن في مصلحة الآثار". وكان مساعد بيير لاكاو، جورج دارسي، صريحًا: "لم يكن هناك أي [مصري] قادر على إجراء العمليات". عملية تنقيب واسعة النطاق بطريقة علمية”. وأضاف دارسي كفكرة لاحقة: "في الوقت نفسه تدرس مصلحة الآثار مشروعًا لإعداد الشباب المصريين للمناصب العلمية بالمتحف".

تجربة الدكتور صالح بك حمدي، الاستثناء لغياب المتخصصين المصريين المحترفين في فريق كارتر، لم تؤكد إلا الإقصاء الاستعماري. حمدي كان مديرًا للخدمات الصحية بالإسكندرية ورئيسًا سابقًا لكلية الطب بالقاهرة. تمت دعوته للانضمام إلى الدكتور دوجلاس ديري، أستاذ التشريح بكلية الطب بالقاهرة، في تشريح مومياء الملك. وفي كتاب عن "مقبرة توت عنخ آمون"، شكر كارتر كلاً من ديري وحمدي. ومع ذلك، لم تتضمن صفحة عنوان الكتاب ولا التقرير الملحق عن العمل التشريحي اسم حمدي إلى جانب اسم ديري. وتم ذكر اسم ديري في الصفحة السادسة من التقرير.

2

صورة التشريح التي التقطها هاري بيرتون تظهر ديري وكارتر كمحققين نشطين. مع وجود المدير العام بيير لاكو إلى جانبه، يحدق كارتر باهتمام من خلال عدسة مكبرة بينما يقوم ديري بإجراء الشق الأول. على الرغم من أن حمدي في المقدمة، إلا أنه يبدو مجرد متفرج، وقد تم التقاطه وهو ينظر بحرج إلى الكاميرا بدلاً من المهمة التي بين يديه.

أدى مطالبة السياح والصحفيين والمسؤولين وعلماء الآثار لإلقاء نظرة على القبر إلى إبطاء عمل كارتر الساخن والمضجر إلى حد الزحف. وتحت ضغط من الرأي العام المصري والحكومة، تدخل لاكو في الأمور المتعلقة بجدول كارتر وتدفق الزوار إلى المقبرة. في يناير 1924، أرسل اثنان من علماء المصريات البريطانيين واثنان من علماء المصريات الأمريكيين المرتبطين بكارتر توبيخًا إلى لاكو: ما لم يتم تخفيف الصعوبات غير الضرورية التي تعرقل العمل في مقبرة توت عنخ آمون الآن... فأنت، كمدير عام للآثار، تفشل تمامًا في تنفيذ الالتزامات من مكتبكم الرفيع لحماية الإجراء العلمي لهذه المهمة بالغة الأهمية. ليس من الضروري بالنسبة لنا أن نلفت الانتباه إلى التأثير المؤسف لمثل هذا الفشل من جانب إدارتكم على الجمهور والعالم العلمي العظيم الذي يتابع الآن بفارغ الصبر تقدم المهمة.

وفي 13 فبراير 1924، وصل الخلاف بين كارتر والحكومة المصرية إلى ذروته. وفي اليوم السابق، وبحضور كبار الشخصيات، قام برفع الغطاء الحجري للتابوت. والآن، خطط لعرض القبر أولاً للصحافة العالمية، ثم لزوجات زملائه في العمل. إلا أن وزارة الأشغال العامة منعت المشاهدة الخاصة للزوجات. أغلق كارتر المقبرة بغضب ونشر إشعارًا في الأقصر في فندق وينتر بالاس: نظرًا للقيود المستحيلة والفظاظة من جانب إدارة الأشغال العامة ومصلحة الآثار التابعة لها، رفض جميع المتعاونين معي احتجاجًا على العمل أكثر من ذلك. التحقيقات العلمية لاكتشاف مقبرة توت.عنخ.آمن. … سيتم إغلاق المقبرة، ولن يكون من الممكن القيام بأي عمل آخر. قلل كارتر بشدة من تقدير حكومة سعد زغلول الوفدية الجديدة، والتي كانت لتوها قد فازت في أول انتخابات برلمانية بموجب دستور عام 1923. وهاجمت الصحف والمجلات العربية ذات الطيف السياسي الواسع كارتر. وحثت المحروسة مجلس الوزراء على الوقوف بسرعة "حتى يعرف السيد كارتر أن لدينا حكومة حقيقية". وقالت البلاغ إن الحكومة "يجب أن تضع حداً للطموحات التي سمح ضعف الوزارات السابقة للسيد كارتر بتغذيتها" وإلغاء الامتياز: لقد عانت مصر بما فيه الكفاية من هذا الأجنبي، الذي، تحت أنظار الجمهور المصري وأنظار الشعب المصري ومسؤول كبير في الحكومة يغلق قبر فرعون وكأنه قبر أبيه.

وبفضل جهود كل من بيير لاكاو (نوفمبر 1873 – 26 مارس 1963) عالم مصريات فرنسي ومدير مصلحة الآثار المصرية في الفترة من 1914- 1936)، و جورج إميل جول دارسي Georges Daressy (19 مارس 1864 - 28 فبراير 1938) عالم مصريات فرنسي، عمل في المتحف المصري بالقاهرة عام 1887 وكان من بين مسؤولياته نقل المتحف من بولاق إلى الجيزة عام 1891 ثم إلى مقره الحالي في التحرير عام 1901) ومرقص باشا حنا (وزير الأشغال العامة في حكومة سعد زغلول) الذي لعب دورًا مهمًا في الحفاظ على الكنوز في مصر. وقع جورج داريسي في غياب بيير لاكو، على امتياز كارنارفون لوادي الملوك في 18 أبريل 1915. ويجدد سنويا بعد ذلك، بشروط واضحة ومهمة وهي أن مصر ستحتفظ بالمومياوات والتوابيت وتوابيت الملوك والأمراء وكبار الكهنة. وكذلك جميع محتويات أي مقبرة يتم العثور عليها سليمة. قبل أقل من ثلاثة أسابيع من اكتشاف توت عنخ آمون، أعلن بيير لاكو عن نيته استبدال نسبة القسمة المتعارف عليها في ذلك الوقت وهي الفرقة خمسين وخمسين؛ وبدلاً من ذلك، ستطالب مصلحة الآثار بكل ما تم العثور عليه، وستكون أي قطع أثرية بمثابة هدايا تُمنح للبعثات الأجنبية وفقًا لتقديرها. وأعلن لاكو أيضًا أنه في المستقبل، يجب منح امتيازات التنقيب للمؤسسات فقط، وليس للأفراد.

3

وبهذا التصرف فقد رد الفرنسيون للانجليز الصاع صاعين بعد هزيمة الفرنسيين في معركة أبو قير البحرية واستيلاء القوات الانجليزية وفقا لبنود معاهدة الإسكندرية عام 1801 على حجر رشيد الذي يعرض حاليا في المتحف البريطاني بأمر من الملك جورج الثالث عام 1802، وبعد 20 عامًا وتحديدًا في 27 سبتمير 1822 استطاع جيان فرانسوا شامبليون التوصل النهائي لفك رموز حجر رشيد بعد عدة محاولات سابقة له من علماء من جنسيات مختلفة وهواة إلى أن اهتدى إلى فك رموز الكتابة المصرية القديمة نظرًا لاجادته اللغة االيونانية. والجدير بالذكر أن هذا الحجر يحمل مرسومًا ملكيًا صدر في منف عام 196ق.م ، وقد أصدره الكهان كرسالة شكر لبطليموس الخامس لأنه رفع الضرائب عنهم، وعليه لغتين هي اللغة المصرية القديمة (الكتابة الهيروغليفية والديموطقية) واللغة اليونانية، وكان وقت اكتشافه لغزا لغويا لا يفسر منذ مئات السنين، لأن اللغات الاثنتين كانت وقتها من اللغات الميتة، حتى جاء العالم الفرنسي جيان فرانسوا شامبليون فسر هذه اللغات بعد مضاهاتها بالنص اليوناني ونصوص مصرية قديمة أخرى، وهذا يدل على أن هذه اللغات كانت سائدة إبان حكم البطالمة لمصر لأكثر من 150 عاما، وكانت المصرية القديمة هى اللغة الدينية المقدسة متداولة في المعابد، واللغة الديموطيقية كانت لغة الكتابة الشعبية (العامية المصرية)، واليونانية القديمة كانت لغة الحكام الإغريق، وكان قد ترجم إلى اللغة اليونانية لكي يفهموه. وكان محتوى الكتابة تمجيدا لفرعون مصر وإنجازاته الطيبة للكهنة وشعب مصر، وقد كتبه الكهنة ليقرأه العامة والخاصة من كبار المصريين والطبقة الحاكمة. تمكن العلماء العرب من اكتشاف اثنين من المبادئ الأساسية في الموضوع، أولهما أن بعض الرموز تعبر عن أصوات، والثاني أن الرموز الأخرى تعبر عن معنى الكلمة بطريقة تصويرية.

***

د. هشام الليثي، رئيس قطاع حفظ وتسجيل الآثار بالمجلس الأعلى للآثار

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان