أسوة بمقبرة طه حسين.. استغاثات من أهالي مقابر التونسي لإنقاذهم
كتب- محمد نصار:
قبل عيد الأضحى الماضي بما يزيد قليلا عن الأسبوع، كانت رحاب شوقي كفافي، ابنة صاحب إحدى مقابر التونسي بحي الخليفة، في زيارة اعتيادية رفقة بعض أفراد الأسرة للمقبرة الخاصة بهم، حسبتها زيارة كغيرها من سابقاتها، لكنها كانت مختلفة كليا، فتم إبلاغها بنقل رفات موتاها إلى مكان آخر، فقد صدر قرار بهدم المقابر لتنفيذ محور جديد.
المحور الجديد الذي تنفذه الحكومة داخل محافظة القاهرة يحمل اسم الكاتب الصحفي الراحل ياسر رزق، وهو المحور الذي أثار أزمة بسبب مدفن الدكتور طه حسين، عميد الأدب العربي الراحل.
تحكي رحاب، لمصراوي، تفاصيل إخبارهم بالقرار: كنا رايحين بالصدفة قبل العيد الكبير نزور المقابر زي كل سنة، وفوجئنا بالمسؤول عن المقابر يبلغنا بوجود قرار بهدم كل المقابر لإنشاء محور جديد.
كان ذلك قبل عيد الأضحى بما يزيد عن الأسبوع بقليل، وأخبرهم حينها المسؤول عن المقابر بضرورة نقل الرفات قبل العيد، وأن المكان البديل سيكون في مدينة 15 مايو، بحسب ما روته رحاب.
تستكمل رحاب أن مقبرتهم التي يمتلكها والدها وشقيقه، تبلغ مساحتها 70 مترا وبها كافة الخدمات من مياه وكهرباء وحراسة بينما البديل المعروض عليهم من المحافظة في 15 مايو مساحته أقل وبلا حراسة ومواصفاته لا تقارن بمقبرتهم فضلا عن بعد المكان الذي يصعب من عملية الانتقال والزيارات الدورية التي تعودت عليها.
حاولت رحاب وأسرتها البحث عن حل للأزمة وإيجاد سبيل لإنقاذ رفات أحبائها، لجأت لمحافظة القاهرة، والتي أبلغتهم أن القرار نهائي ولا رجعة فيه وعليهم نقل الرفات وتدبر أمرهم، رغم تأكيد رحاب: في مكان بديل للمحور بجانب مصنع السلاب، يمكنه إنقاذ عشرات المقابر من الهدم.
أيقنت رحاب أنه لا بديل عن نقل الرفات، وبدأت في البحث عن أحد أقاربها يمكنها نقل رفات أحبائها لديه بدلا من بديل المحافظة في 15 مايو، حتى وافق أحد أقاربها على استقبال رفات موتاها لديه.
اضطرت رحاب إلى جمع رفات موتاها بما فيهم أحدث الراحلين، عمها الذي تُوفي منذ عامين فقط، ونقلت الرفات على نفقتها الخاصة إلى مقبرة أقاربها.
رغم نقل الرفات، مازالت رحاب لا تريد للمقبرة أن تُهدم، فلا القيمة البديلة مناسبة ولا المكان كذلك، ناهيك عن ذكريات عاشت عليها سنوات طويلة وطقوس زيارة الموتى التي اعتادت القيام بها.
تحكي رحاب عن أزمات أخرى تواجه عدد ليس بالقليل من الأسر، تتعلق بوجود ورق ملكية للمقابر، فتشترط المحافظة -بحسب حديثها- إثبات ملكية الأسر للمقابر: لم يكفٍ الاسم المدون على كل مقبرة والدال على ملكيتها، طلبوا من الناس ورق ملكية كشرط للحصول على بديل في مقابر 15 مايو، وهنا من لم يجد أوراق نظرا لقدم تاريخ شراء وإنشاء المقابر وموت عدة أجيال حتى الآن.
تتساءل رحاب: لماذ تم استثناء مدفن الدكتور طه حسين، عميد الأدب العربي، من الهدم، في حين سيتم التنفيذ على المقبرة الخاصة بهم رغم أنها في الشارع الواقع خلف شارع مقبرة عميد الأدب العربي مباشرة.
تقول عزة سليم، أحد ملاك مقبرة: محمد محمد سليم وأنجاله"، إنهم يستغيثون بالحكومة، للتدخل في الأمر وإنقاذ موتاهم من مصير هدم مقابرهم.
وتواصل عزة حديثها، لمصراوي، أنهم خاضوا رحلة كبيرة جدا ومرهقة في إرسال التظلمات لمختلف الجهات من أجل إنقاذ رفات موتاهم ووقف تنفيذ القرار، لكن الرد يأتي دائما، بأن القرار نهائي ولا رجعة فيه.
تستتبع عزة حديثها: بقالنا فترة كبيرة رايحين جايين نقدم تظلمات وشكاوى لكن مصممين على الإزالة وده مأثر علينا نفسيا قبل أي حاجة.
بحسب عزة سليم، أبلغتهم المحافظة أن آخر موعد لهم لنقل رفات موتاهم هو 10 سبتمبر الجاري، لكنها رغم ذلك ترفض التخلي عن مقبرة عائلتها: دي حاجة والدي عاملها بإيده، ومدفون فيها من 3 سنوات، ووالدتي كمان مدفونة فيها من حوالي عام ونصف، واعتدت زيارتهم بشكل دائم.
تصف عزة الأمر بأنه "تخلٍ صعب" لا تقدر عليه، موجهة مناشدة للرئيس السيسي لإنقاذ موتاهم ووقف تنفيذ القرار أو خلق مسار بديل للمحور ينقذ الموتى، أسوة بما حدث في مدفن الدكتور طه حسين.
ترى عزة أن لا شيء إيجابي في تعويضهم، فبمقارنة بسيطة بعيدا عن حسابات المشاعر حرمة الموتى، تقول إن مقبرتهم تبلغ مساحتها حوالي 60 مترا كاملة وبها كافة الخدمات ومكانها قريب ومؤمنة بالكامل، لكن البديل في 15 مايو منعدم الخدمات ومساحتها تبلغ بالكاد 30 مترا وبناؤها ليس جيدا، فلا يوجد فيها أي امتياز.
مشكلة المستشار محمود يوسف إبراهيم الليثي، أحد ورثة مقابر "عائلة الليثي"، ثلاثية حيث تمتلك العائلة 3 مدافن متجاورة في المنطقة بالقرب من المسجد الموجود هناك.
يقول الليثي، المستشار السابق بهيئة قضايا الدولة والمحال إلى المعاش منذ عامين، لمصراوي، إن لديهم 3 مقابر متجاورة باسم "عائلة الليثي" في مكان يحتل موقعا متميزا "على الناصية".
بحسب الليثي، فقد حاولوا الشكوى عدة مرات من بينها مجلس الوزراء، ولكن الرد واحد: لا عدول عن القرار.
آخر ما وصل إلى مسامع المستشار السابق بهيئة قضايا الدولة أن عليهم نقل الرفات قبل تاريخ 10 سبتمبر الجاري إيذانا بتنفيذ الإزالة.
يرى المستشار الليثي أن مواصفات المقابر البديلة التي توفرها المحافظة غير مناسبة لعدة أسباب: مقابرنا تصل إجمالي مساحاتها لـ 200 متر تقريبا، لكن البديل في 15 مايو بمساحة 27 مترا تقريبا للمقبرة، وهو أقل من نصف المساحة الكلية لمقابرنا، إلى جانب انخفاض مستوى سور مقابر 15 مايو بشكل واضح وغياب التأمين عنها.
يقول المستشار السابق بهيئة قضايا الدولة إنهم لم ينقلوا رفات موتاهم إلى الآن: الرفات لسه موجودة، أروح أرميهم في الجبل من غير تأمين!.
ويناشد الليثي القيادة السياسية، بالتدخل لإنقاذ موتاهم، فإن لم يكن ذلك ممكنا من الناحية العملية فعلى الأقل أن يتم توفير بديل مناسب لهم لنقل الرفات بدلا من مقابر 15 مايو غير المناسبة، موجها رسالة للرئيس: بنحبك ونتمنى أن تتدخل في الأمر، بص لينا بعين الرحمة يا ريس، الله يكون في عونك على المشكلات، بس بص لينا بعين الرحمة.
ويصف الأمر بقوله: أنت أخدت مني حاجة اديني، دول آبائنا وأجدادنا، الواحد حزين جدا، إحنا في المكان ده ساعة ما اتعملت المقابر دي، مانجيش في الآخر يتعمل فينا كده.
فيديو قد يعجبك: