إعلان

سد النهضة| ماذا لو استمر التعنت الإثيوبي ونُفذ الملء الثاني دون اتفاق؟ وزير الري الأسبق يجيب

09:31 ص الثلاثاء 29 يونيو 2021

الدكتور محمد نصر علام

كتب- أحمد مسعد:

قال الدكتور محمد نصر علام، وزير الموارد المائية والري، إن إثيوبيا هي من أشرفت وحدها على الدراسات الإنشائية للسد، ورغم معارضة مصر والسودان على ذلك؛ فإنه تم الاتفاق على الاستعانة بمكتب استشاري دولي، موضحًا أن إثيوبيا عارضت، وطلبت من مصر تحمل التكاليف؛ ما يشير إلى أن التعنت واضح منذ البداية.

وأضاف علام، في حوار خاص مع "مصراوي"، أن الاتحاد الأفريقي فشل في تحقيق أي توافق بين الأطراف الثلاثة، لافتًا إلى أن الحديث عن استفادة مصر من النهر وحدها حديث لا يقبله عقل.

وأشار وزير الري الأسبق إلى أن حجز أي نقطة في السد الإثيوبي تمثل خصمًا من حصتَي مياه مصر والسودان السنويتَين من النيل الأزرق، اللتين يعتمد عليهما 150 مليون مواطن في: "الشرب، الزراعة، الصناعة، توليد الكهرباء، والنقل النهري"، مضيفًا أن الملء الثاني وحده يمثل نحو 19% من حصتَي الدولتَين أو ما يقارب كمية مياه الشرب.

وإلى نص الحوار:

- بداية، ما خطورة بناء سد النهضة دون اتفاق على الملء والتشغيل؟

عند بناء أي منشأ على نهر دولي مشترك، طالب القانون الدولي -وكما جاء في اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997-، بأنه يجب على الدولة صاحبة المنشأ تقديم التصميمات والدراسات البيئية بالآثار السلبية المحتملة على الدول المحتمل تأثرها بهذا المنشأ، وأنه يحق للدول المحتمل تضررها الاعتراض على المنشأ؛ لإلغائه أو إعادة تصميمه إذا كانت أضراره جسيمة.

وقدمت إثيوبيا دراسات مبدئية للتصميمات الإنشائية والدراسات البيئية، (مائية وبيئية واقتصادية واجتماعية)، وتمت دراستها وتقييمها من لجنة دولية بحضور ممثلين للدول الثلاث؛ "مصر والسودان وإثيوبيا، مايو 2013- مايو 2014".

وأفادت اللجنة الدولية بأن الدراسات الإثيوبية المبدئية؛ سواء الإنشائية أو البيئية، لا ترقى إلى مستوى وحجم السد، وطالبت بقيام شركة استشارية كبرى بتقويم وتصحيح هذه الدراسات والتصميمات.

وطالبت إثيوبيا بأن تشرف وحدها على الدراسات الإنشائية، ووافقت مصر والسودان على ذلك، وتم الاتفاق على الاستعانة بمكتب استشاري دولي؛ للقيام بالدراسات البيئية. واعترضت إثيوبيا على الاستعانة بأي خبير أجنبي للإشراف على الدراسات البيئية، ورغم المعارضة المصرية لهذا التوجه؛ فإنها أصرت على ذلك، وإن توقفت المباحثات؛ وأخيرًا اضطرت مصر إلى القبول.

واستمرت الاجتماعات إلى ما يقرب من سنتَين؛ لاختيار الاستشاري نتيجة التعنت الإثيوبي. وعند إعداد الاستشاري التقرير المبدئي، اعترضت إثيوبيا عليه، وأصرت على عدم الاستعانة به، والاكتفاء بتشكيل لجنة استشارية من خبراء من الدول الثلاث؛ لإعداد سياسة وقواعد ملء وتشغيل السد الإثيوبي. واستمر إهدار الوقت المقصود حتى عام 2018، فتم عقد اجتماعات حضرها وزراء الري والخارجية والمخابرات من الدول الثلاث، ولم تحقق أي تقدم في التوصل إلى السياسات المطلوبة.

وحتى بدايات عام 2019 لم تتحقق أي إنجازات؛ فلم يتم تسليم مصر أي مراجعة، وتقويم لتصميمات السد، أو دراسات بيئية، أو قواعد للملء والتشغيل التي تقلل أضرار السد على دولتي المصب.

وفي الاجتماع السنوي للأمم المتحدة طالب الرئيس السيسي بتدخل المجتمع الدولي؛ فطالبت أمريكا بالتدخل مراقبًا مع البنك الدولي، وتم الانتهاء من مسودة لاتفاق قانوني لقواعد ملء وتشغيل السد، ورفضت إثيوبيا حضور الجلسة النهائية، فوقعت مصر بالحروف الأولى. وبعدها حاول السودان عقد مفاوضات انتهت بالفشل، وبعدها تقدمت مصر والسودان بشكوى إلى مجلس الأمن، وتم عقد جلسة تم فيها مطالبة جنوب أفريقيا وإثيوبيا بمعالجة الأمر عن طريق الاتحاد الأفريقي.

استمرت المفاوضات تحت رئاسة جنوب أفريقيا، ثم الكونغو كرئيسة للاتحاد، وانتهت بفشل ذريع، والهدف من المفاوضات كما ذكرنا أعلاه هو الاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد، وبما يضمن تقليل الأضرار على دولتَي المصب. ودون مثل هذا الاتفاق، تكون إثيوبيا قد بنت وملأت وشغلت السد دون الالتزام بقواعد القانون الدولي، ودون مراعاة للأضرار الواقعة على دولتَي المصب.

- ما تقييمك للمفاوضات تحت مظلة الاتحاد الأفريقي خلال الفترة الماضية؟

مفاوضات للأسف فاشلة تمامًا؛ فلا أجندة صريحة بموضوعات التفاوض، ولا جدول زمني، ولا إدارة مسؤولة عن إدارة المفاوضات ومحاسبة المقصر، ولا بيانات أو تقارير رسمية تحدد نقاط الاختلاف وموقعها من القانون الدولي، ولا تسهيلات بتدخلات من المراقبين أو الرئاسة للتغلب على عقبات التفاوض.

- يدَّعي الجانب الإثيوبي أن مصر هي الدولة الوحيدة المستفيدة من نهر النيل.. فما رأيكم؟

يسقط على حوض نهر النيل ما يقرب من 1800 مليار متر مكعب من الأمطار سنويًّا، يصل منها إلى مصر والسودان 84 مليار متر مكعب سنويًّا؛ أي أقل من 5% من كميات الأمطار السنوية التي تغذي مساحات هائلة في دول المنبع من عشرات الملايين من هكتارات الزراعات المطيرة والمراعي والغابات الممتدة.

وتنتشر بدول المنبع العديد من البحيرات العذبة؛ مثل: "فيكتوريا، كيوجي، إدوارد، جورج، ألبرت في المنطقة الاستوائية، وتانا في إثيوبيا".

وللتوضيح كمثال نجد أن مساحة بحيرة فيكتوريا وحدها تبلغ نحو 69 ألف كيلو متر مربع، ويسقط عليها 100 مليار متر مكعب من الأمطار سنويًّا، ولا يخرج منها إلا نحو 5 مليارات متر مكعب سنويًّا، والباقي يفقد في مياه شرب وزراعة وبخر من البحيرة.

وجميع هذه البحيرات تمثل مصدر المياه الرئيسي لمناطقها، وتستخدم في جميع الاستخدامات مباشرة من السكان المقيمين.

وهناك العديد من السدود المقامة لتوليد الكهرباء؛ منها: "سد أوين، وسد أوجاجالي في أوغندا"، وجار إنشاء سدين آخرين، و"تانا بليس، شارا شارا، فينشا، تاكيزي، النهضة في إثيوبيا، مروة، الروصيرص، سنار، جبل الأولياء، وخشم القربة"...، وغيرها في السودان، كل هذه السدود لها بحيرات من المياه تستخدم محليًّا، وبعضها عليه استخدامات زراعية مكثفة.

وهناك مياه مهدرة في مناطق عديدة من الحوض تمتد من رواندا جنوبًا إلى السودان شمالًا على شكل برك ومستنقعات دائمة تفقد منها عشرات المليارات من الأمتار المكعبة من المياه. نذكر منها على سبيل المثال، منطقة السدود في جنوب السودان، فإنه يمكن توفير 20 مليار متر مكعب من الفواقد مقاسة عند أسوان، ومنطقة بحر الغزال في جنوب السودان يمكن توفير نحو 12 مليار متر مكعب مقاسة عند أسوان، ومنطقة مستنقعات مشار في إثيوبيا يمكن توفير نحو 5 مليارات متر مكعب مقاسة عند أسوان، وغيرها العديد من المناطق التي يمكن تطويرها، وتنميتها وتحسين الظروف البيئية المحيطة.

- كيف ترى الخلافات بين القاهرة والخرطوم وإثيوبيا.. هل فنية أم سياسية؟

الخلافات بينهما فنية وقانونية وسياسية؛ مثال للخلافات الفنية تدور حول تصرفات سد النهضة فى مواسم الجفاف، مصر والسودان يريدان رد السلفة المائية التي تحتجزها إثيوبيا في السد أثناء فترة الملء، وذلك أثناء مواسم الجفاف، وإثيوبيا ما زالت تعارض ذلك، وهناك خلافات حول كمية هذه التصرفات أثناء الجفاف الممتد (لعدة سنوات)، أو الجفاف المتقطع لمدة سنة أو سنتين.

الخلافات القانونية كثيرة؛ فإثيوبيا ترفض أن يكون الاتفاق قانونيًّا وملزمًا، ومصر والسودان يريدانه اتفاقًا قانونيًّا ملزمًا، كما ينص القانون الدولي، ومصر والسودان يريدان بنداً لحل أي نزاع أو خلاف قانوني يظهر حول تفسير أو تنفيذ أي من بنود الاتفاق، وإثيوبيا ترفض ذلك.

وهناك خلاف سياسي حول إلزامية اتفاقية 1902 للدول الثلاث، وإثيوبيا تتهرب من ذلك، وتريد الحصول على حصة مائية لها خصمًا من حصتَي مصر والسودان. والخوف أيضًا من استخدام السد كقنبلة مائية لتهديد السودان في قضايا قائمة؛ مثل أرض الفشقة والأراضي الأخرى المحتلة من السودان أو في أي نزاعات مستقبلية.

- هل مصر دولة شحيحة الموارد المائية؟ وكيف تقيِّم خطوات الدولة لمواجهة ذلك؟

المورد المائي المتجدد في مصر يتمثل فقط في حصتنا من مياه النيل والتي تبلغ 55.5 مليار متر مكعب، وبقية المورد المائي في مصر يتمثل في مخزون مائي جوفي غير متجدد في الصحراء الغربية، تم تقدير عمره الافتراضي بـ100 عام بمعدل 3-5 و3 مليارات متر مكعب سنويًّا، يتم استخدامها حاليًّا بالكامل.

وتعداد السكان في مصر يبلغ 105 ملايين نسمة، ونصيب الفرد من المياه المتجددة في حدود 550 مترًا مكعبًا في السنة، أي نصف معدل نصيب الفرد في دول الفقر المائي.

ونتيجة لهذا الشح المائي الكبير تعاني الدولة عجزًا متناميًا في ميزان الغذاء لا يقل عن 11 مليار دولار سنويًّا (أكثر من 160 مليار جنيه)، وتعاني نقصًا كبيرًا في إمدادات مياه الشرب، تتم تغظيتها بالمياه المحلاة في المدن الساحلية على البحرَين الأحمر والمتوسط، ويتم بذل استثمارات ضخمة في معالجة مياه الصرف الصحي والصناعي والزراعي؛ لإعادة استخدامها في توسعات زراعية؛ للحد من التنامي في العجز في ميزان الغذاء، إضافة إلى مشروعات متنوعة؛ لرفع كفاءة الاستخدامات المائية من تبطين للترع والتوسع في وسائل الري الحديث حتى في الأراضي الثقيلة في الوادي والدلتا. والكفاءة المائية الكلية في مصر نتيجة؛ لإعادة الاستخدام والري الحديث تقارب نحو 80%، كواحدة ضمن الأعلى عالميًّا مقارنة بنحو 30% في معظم الدول الأفريقية.

- ما آلية عمل التوربينات بالسد الإثيوبي، ولماذا تم تقليص عددها؟

توربينات السد الإثيوبى تحول الطاقة المائية إلى كهربائية، كما هي الحال مع نظيرتها في السدود التخزينية الضخمة. والطاقة المائية تتمثل في ارتفاع المياه فوق التوربينات (المياه المخزنة في السد)، وفي كمية المياه المنصرفة خلال أنفاق التوربينات، والكهرباء المولدة تتناسب طرديًّا مع كل منهما. وللأسف تصميم السد (سعة كبيرة مع موسمية إيراد النهر)، والمبالغة الإعلامية لكمية الكهرباء منه لأغراض داخلية وللدعاية المضللة أن السد سيحل مشاكل الكهرباء فى إثيوبيا، تم التضخيم المبدئى لسعة محطة الكهرباء 6000 ميجاوات من 16 توربينة، وبكفاءة أقل من 30%، ثم تم خفض عدد التوربينات إلى 13 توربينة، وحاليًّا يُشاع أنها 12 توربينة بسعة إجمالية 4500 ميجاوات، والبعض يقول 5000 ميجاوات، وحسب معلوماتي ليس هناك معلومات مؤكدة على العدد النهائي للتوربينات والسعة الإجمالية لمحطة الكهرباء.

- كيف تراقب مصر والسودان مناسيب نهر النيل وأعمال بناء السد الإثيوبي؟

مناسيب المياه في مصر والسودان يتم قياسها بصفة منتظمة لعشرات السنين عن طريق محطات يقف عليها سودانيون ومصريون بصفة مستمرة؛ ولكن إثيوبيا بياناتها غير متوفرة إلا في المشروعات الدولية المعلنة، وهي لا تتعاون في تبادل البيانات والقياسات للأسف.

أما كيف تتعامل مصر مع هذا النقص في البيانات الإثيوبية؛ فهناك طرق عديدة تلجأ إليها مصر بشكل يمكنها من حسن إدارة مياه النهر

- لماذا تخشى القاهرة والخرطوم من عملية الملء الثاني للسد الإثيوبي المقدرة بـ13،50 مليار متر مكعب؟

أي نقطة مياه تحجز في السد الإثيوبي تمثل خصمًا من مياه مصر والسودان السنوي من النيل الأزرق، أي خصمًا من حصتيهما اللتين يعتمد عليهما 150 مليون مواطن في: "الشرب، الزراعة، الصناعة، توليد الكهرباء، والنقل النهري".

والملء الثاني وحده يمثل نحو 19% من حصتَي الدولتَين، أو ما يقارب كمية مياه الشرب؛ فهل ذلك لا يكفي كي تخشى الدولتان على حياة واستقرار شعبيهما.

- ماذا لو استمرت إثيوبيا في عنادها وقامت بالملء الثاني دون اتفاق؟

هذا سؤال مهم وحيوي ويشغل معظم دول العالم حاليًّا، والكل يترقب الأحداث القادمة، وكلنا ثقة في قيادتنا السياسية في المحافظة على الموارد المائية للدولة بكل السبل المتاحة.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان