إعلان

خبير آثار يرصد الرعد والبرق في الحضارات القديمة وكيف دمرت قوم عاد

02:16 ص الأربعاء 13 أكتوبر 2021

الدكتور عبد الرحيم ريحان

كتب - مصراوي:

قال خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي لجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار، إن الحضارات الإنسانية قديمًا تعاملت مع الظواهر الطبيعية ومنها البرق والرعد على أنها أحداث مقدسة مرتبطة بالآلهة.

وأكد خبير الآثار: "اعتبر الإغريق الإله زيوس هو إله البرق، أو صانع البرق وصوروه على إنه رجل ضخم يمسك بيده عصا تنطلق منها صواعق البرق، يصعق بها كل من يعصى أوامره، وحتى عهد قريب كان الناس في أوروبا يعتقدون بوجود هذا الإله بالفعل، وكانوا يطلقون علية اسم صانع البرق، وفي الحضارة الرومانية أطلق عليه الإله "جوبيتر"، واعتبروه أفضل وأعظم الآلهة، وقد صوره الرومان كرجل عجوز ملتح، تنم ملامحه على الحكمة، يمسك بيده اليسرى عصا البرق ويرافقه نسره المفضل".

وتابع: "أما الصينيون فأطلقوا عليه لي غونغ - كامي - سوسانو عند اليابانيين، وأطلق عليه السكان الأصليين فى أميركا اسم "عصفور الرعد"، وأطلق عليه الجرمانيون القدماء الإله "دونار"، وسمي بـ"تشاك" عند شعب المايا في أمريكا اللاتينية، و"كوسيجو" في الأسطورة المكسيكية، وأطلقت عليه قبائل يوروبا فى إفريقيا "شانغو"، وفي المحيط الجنوبي سمي "هايكيلي"، و"ناماركون" عند الشعوب الأصلية في استراليا، وكانت بعض الشعوب تعتقد بوجود ثور يركب عربة ويخترق السحب وفي يده مطرقة كلما طرق بها تولد البرق، أو أن هنالك طائر كلما رفرف بجناحيه تولد صوت الرعد، أما البرق فهو عبارة عن الريش اللامع لهذا الطائر".

ونوه "ريحان" إلى أن العلم الحديث كشف أن البرق هو تفريغ هائل للشحنات الكهربائيّة التي تحملها الغيوم ما يتسبب بتوليد حرارة عاليّة تعمل على تسخين الهواء الذي حولها لما يقارب 30,000 درجة مئوية فيتمدد الهواء وينتج عن ذلك موجات صوتيّة ودويّ هائل يُعرف باسم الرعد، وتعد العواصف الرعدية واحدة من الظواهر الطبيعية تتشكل معظمها بالسُحب أو غيوم المزن الركامي الضخمة بفعل اضطرابات في الغلاف الجوي والجو، إذ تنقل هذه السُحب الماء على ارتفاعات عالية في الغلاف الجوي من خلال التيارات الصاعدة، فتصحب العواصف الرعدية ظاهرتي الرعد والبرق نتيجة لعدة عوامل، بالإضافة إلى عدد من الظروف الجوية مثل الرياح الشديدة والأمطار الغزيرة. وتساقط الثلوج أو البَرد.

كما رصد الدكتور ريحان، كيف تم تدمير أعظم حضارة في التاريخ والتي لم يخلق مثلها في البلاد وهى حضارة "عاد" بالصواعق الرعدية، وقوم عاد من العرب العاربة، وقد كانوا في زمانهم أقوى الأُمَم وأعظمها ممّا دفع بهم نحو الطغيان والتجبّر وعبادة الأصنام، كما جاء في القرآن الكريم: "فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً"، سورة فصلت آية 15 ويُنسَبون إلى عاد بن إرَم بن عوص بن سام بن نوح عليه السلام وكان مقرهم بمنطقة إرم، "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ*إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ* الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ" الفجر من 6 إلى 8.

وأكمل: كان قوم عاد على درجة عالية من التقدم في العمارة وكانوا يرفعون بنيانهم ويتباهون به دون الحاجة إليه وإنما من أجل التفاخر والتطاول وانتشر فيهم الظلم والبطش، فأرسل الله إليهم نبى الله هود عليه السلام ليدعوهم إلى عبادة الله والواحد وترك ما كانوا عليه من عبادة الأصنام، لكنهم جحدوا "وتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ"، فكان عذابهم بالرّيح التي أرسلها الله عز وجل عليهم، حيث أمسك الله تعالى المطر عنهم فترة من الزمن حتّى أجدبت أرضهم وصاروا ينتظرون المطر ويترقّبونه، حينها ساق الله إليهم سحابةً أخذت بالاقتراب منهم، فلما رأوها ظنّوا أنّ المطر قد أقبل، وفرحوا واستبشروا بذلك لكنها كانت العذاب "بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ" سورة الأحقاف آية 24.

وواصل ريحان: نزلت بهم تلك الريح فسلّطها الله عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيامٍ حسومًا فلم تنقطع عنهم لحظةً وكانت كلها ريحًا عقيمًا ليس فيها شيء من الخير أو البركة، وكان صوتها مفزعًا مرعبًا، حيث أهلكت كلّ شيء، وقُتِلوا جميعًا، فلم يبقَ منهم أحد وأصبحت مساكنهم خاويةً، لا يُرى من أثارهم غيرها.

ولفت ريحان إلى تحليل العلماء للريح العقيم على أنها تنتج عن عاصفة رعدية كبيرة تدعى Supercell بحيث يصعد الهواء الدافئ إلى أعلى بشدة ويشكل دوامة ويلتف بسبب سرعة الرياح التي يجب أن تكون أكثر من119 كيلومتر في الساعة وبسبب الحركة المضطربة للرياح يتشكل الإعصار.

وحسب وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، فإن الرياح الدافئة تأتي من المحيطات والبحار الدافئة وتندفع باتجاه اليابسة وبسبب اختلاف درجات الحرارة تنشأ الدوامات التي تتطور وتشكل إعصارًا يمكن أن يترافق مع الأمطار أحيانًا، والذي يميز إعصار النار عن غيره وجود النار بداخله مما يضاعف من قوته التدميرية، حيث يتميز هذا الإعصار بقدرته على إتلاف المحاصيل والممتلكات و إحراق كل شيء يقع أمامه كما قال تعالى في وصف قوم عاد بعد نزول العقاب "فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية" سورة الحاقة آية 7.

وتابع: كانت الريح تقلع رؤوسهم فتبقى أجسادًا وجثثًا بلا رؤوس ويزيد هذا التشبيه حسنًا بأنهم كانوا ذوي جثث عظام طوال وفى الآية "مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ" سورة الذاريات آية 42، والرميم في كلام العرب ما يبس من نبات الأرض أى قضت على البشر والشجر والحجر فهلك كل شيء، ولم يكن هلاك قوم عاد بنيزك سقط من السماء كما ادعى بعض العلماء في اكتشاف الربع الخالي إنما هو إعصار فيه نار وهذا ماحدث حين قطع الله عنهم الأمطار لمدة من الزمن فارتفعت درجة الحرارة فحل العذاب بالريح العقيم.

وأشار ريحان إلى أن النطاق الجغرافي الذي عاش به قوم عاد لم يحسم حتى الآن فقيل الأحقاف (جمع حقف أي كثبان الرمال المرتفعة)، مما يجعل جميع أحقاف العالم العربي خيارات محتملة مثل التي في مصر وشمال ووسط وجنوب شبه الجزيرة العربية كما تُشير الأدلة الآثارية إلى شمال الجزيرة العربية ما بين صحراء النفود الكبير شرقًا حتى دلتا النيل غربًا.

كما ورد في الكتابات "النبطية" التي عثر عليها في خرائب معبد اكتشف بالقرب من جبل رم أن اسم الموضع هو "إرم"، ذلك أن هذا الموضع حافظ على اسمه القديم، غير أنه صار يُعرف أخيرًا ب"رم" بدلا من "إرم"، كما عثر على نقش ثمودي بنفس الموضع يذكر " آل عاد".

واستكمل ريحان: في سنة 1932 قام "هورسفيلد" من دائرة الآثار في الأردن بحفريات في موضع جبل "رم"، ويقع على مسافة "25" ميل إلى الشرق من العقبة ووجد في جانب الجبل آثارًا أشارت إلى أن هذا المكان هو موضع "إرم" الوارد ذكره في القرآن الكريم وفي عام 1978 تم العثور على ألواح صلصالية في إبلا سورية يعود تاريخها إلى منتصف الألفية الثالثة قبل الميلاد ورد فيها لفظ "إرم"، وفي العام الذي يليه نشر الأمريكيين حاييم بيرمانت وميخائيل فيتزمان كتابًا بعنوان (إبلا: فتح في مجال علم الآثار القديمة) تحدثا فيه عن تلك الألواح المكتشفة، وذكرا أن الأسماء الثلاثة التي وردت في الألواح وكانت تمثل سجلات تجارية ) هي (شاماتو) و(عاد) و(إرم).​​

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: