ضرب عصفوري عيد الأم و"كورونا" بهدايا كمامات ومطهرات وشيكات آجلة الدفع
أمينة خيري
"إحمي ست الحبايب بكمامة واقية من كل الفيروسات".. "كحول وكلور وكمان كولونيا لست الحبايب ونقول باي باي للكورونا".. "قفازات تايلاندي بلون الكمامة لست الحبايب".
مسكينة "ست الحبايب". تارة يشترون لها الهدايا التي تساعد على تحقيق شهواتهم لأكل المحشي في هدية طقم "حلل" (أواني طبخ) أو رغباتهم لتذوق الحلوى عبر هدية قوالب لا يلتصق بها العجين. التصقت هدايا المنفعة العامة والخدمة الأسرية بعيد الأم على مدى عقود طويلة. ففي مثل تلك الأيام من كل عام، تنشط إعلانات ترويج هدايا عيد الأم الموافق 21 مارس (آذار) على كل منصات التواصل والاتصال والإعلام وما من شأنه أن يقع في مرمى بصر الأبناء والبنات وأيضاً الأزواج من ممولي عملية الشراء.
شراء محموم
عملية الشراء المحموم في هذا الشهر من كل عام ظلت تتمركز وتتمحور حول أواني الطهي حيث تعد "ست الحبايب" أشهى الأطعمة وأطيبها لمن اشتري الأواني، وكذلك الأجهزة الكهربائية من غسالات لغسل ملابس الأولاد والمبردات لحفظ أكل الأولاد والمواقد لتجهيز غذاء الأولاد والمدافئ لتدفئة الأولاد ومضارب البيض لتجهيز الأومليت للأولاد وشوايات لشي اللحوم للأولاد.
حتى في السنوات القليلة الماضية، وحين بدأ قطاع من الأمهات في الزمجرة الناجمة عن عمومية الهدايا، وظهرت أفكار حجز يوم لـ "ست الحبايب" في المركز الصحي حيث تخضع للتدليك والتقشير والتصفيف فإن الغرض يكون لإعادة شحن قوتها وشحذ أعصابها حتى تتمكن من الاستمرار في تحمل الأولاد وأبيهم.
هدايا المنفعة العامة
وقد أبى عيد الأم في عام 2020 أن يمر دون أن يلقي بظل وخيم على منظومة هدايا الأم في عيدها. وبعد ما كان عدد ضئيل فقط من الأمهات يفلت من مفهوم المنفعة العامة في هدايا عيد الأم، حيث عقد ذهبي أو حذاء فضي أو جهاز مشي رياضي، وجدت الغالبية المطلقة من الأمهات أنفسهن في إحدى خانتين: إما "رب وردة وقبلة في عيدها خير من ألف هدية"، أو باقات مطهرات وتعقيمات أو إنترنت واتصالات أو شيكات على بياض لشراء الهدايا بعد انقشاع أزمة فيروس "كورونا".
فيروس "كورونا" أو "كوفيد – 2019" فرض نفسه دون سابق إنذار أو استئذان أو معرفة في أجواء الاستعداد والاحتفال بعيد الأم هذا العام. فروق جوهرية ومخاوف منطقية فرضت نفسها على الأسواق المصرية التي تنتظر موسم عيد الأم كل عام. شوارع وسط القاهرة – موقع التسوق التقليدي على مدار عقود في أزمنة ما قبل المولات- تنضح بواجهات محلات متربة ومحتويات لا تعكس المحتوى الكلاسيكي للعيد. فلا أثر للورود البلاستيكية المكتوب عليها "أمي" أو ملصقات المحبة والمودة "أحبك يا أمي" و"أمي حياتي" أو "ست الحبايب" تزين الواجهات. حتى الباعة الذين يفترشون الأرصفة المواجهة للمحلات عارضين هدايا عيد الأم الأرخص سعرًا من "إيشاربات" رأس وأطقم أكواب زجاجية وباقات ورود بلاستيكية ليس لها أثر.
هدايا شعبية
صحيح أن الآثار باقية في بعض الأسواق والمناطق الشعبية، لكن المشترين غارقين في مخاوف الفيروس. "عزة" عاملة في ناد رياضي شهير. تسكن في منطقة الكيلو 4.5 القريبة من شارع الثورة في مصر الجديدة. تقول: "شارعنا فيه عدد محدود من الباعة يحاولون بيع هدايا عيد الأم. لكن غالبية الناس إما خائفة من شراء منتجات مرصوصة على الأرض، أو أعادت ترتيب أولويات الشراء حيث السلع الغذائية والمنظفات والمطهرات تستهلك الميزانية المحدودة المتاحة". تخرج من جيبها زجاحة صغيرة ملفوفة في ورقة هدايا وتقول: "أبنائي اشتروا لي هذه". "هذه" عبارة عن تركيبة مطهرات يتم تجهيزها وتعبئتها دون إسم أو مصدر لكن مكتوب عليها بالقلم "مطهر برائحة الورد لست الحبايب".
هدايا المواد المطهرة والمعقمة باتت "ترند" عيد الأم هذا العام. الهجوم الشعبي الضاري الذي تعرضت له أرفف أقسام المنظفات والمطهرات في سلاسل محلات السوبر ماركت الكبرى والصغرى والصيدليات وحتى محطات الوقود لم يكن كله بغرض شراء هدية مناسبة لأجواء "كورونا" للأمهات. لكن جانباً من المنتصرين ممن تمكنوا من اكتناز عدد لا بأس به منها قرروا أن يضربوا عصفورين بمطهر واحد. زجاجة مطهر ملفوفة في ورق مبهج مع بطاقة تحمل قلباً وكلمات معسولة للأم في عيدها وتمنيات أن تبقى آمنة بعيداً عن الفيروسات والأوبئة، وفي الوقت نفسه ضمان بأن تعم منفعة المطهر على الجميع.
كورونا وركود
جميع محلات الهدايا والسلع التي تصلح هدايا متضرر بشدة. محمد عتمان (صاحب محل ملابس في وسط القاهرة) يقول: حركة البيع والشراء منذ بداية يناير الماضي ضعيفة جداً رغم التخفيضات. وجاء كورونا ليزيد طين الركود بلة الخوف من الشراء سواء لعدم الاختلاط بالناس أو خوفاً من تطور الأوضاع والإبقاء على ما لدى الناس من أموال على سبيل الاحتياط". ويقول عتمان أنه متفهم لهذه المخاوف، لأنه وأسرته لديهم المشاعر نفسها، وربما هذا ما جعله لا يبذل أية جهود إضافية في محاولة لجذب الزبائن الراغبين في شراء هدايا عيد الأم، فـ "أي مجهود في هذا الصدد ليس له قيمة في ظل الظرف الراهن".
لكن الظرف الراهن نفسه فرض واقعاً مغايراً على الرصيف المواجه. محل عتيق قديم ظن الجميع أن زمنه قد ذهب وعهده قد ولى، فإذ بمصائب فيروس عند قوم فوائد. لسان حال محل "قسمة والشبراويشي" يقول "سبحان غير الأحوال ومبدلها". المحل الصغير الواقع عند ناصية شارعي شريف وقصر النيل ظل يئن لسنوات تحت وطأة هجمتين متضادتين شرستين. الأولى ظهور طبقة قادرة على شراء أرقى العطور الفرنسية من منشأها، والثانية توسع طبقة قادرة على تصنيع تقليد العطور الفرنسية في "بئر السلم"، وهو ما أطاح بأشهر العطور المصرية التي كانت تقتنيها نساء مصر ويتم تصديرها في أربعينات وخمسينات وستينات القرن الماضي.
قسمة والشبراويشي
وها هو فيروس "كورونا" المرعب يعطي قبلة حياة لمنتجات "قسمة والشبراويشي". صحيح أن جموع المصطفين أمام المحل لا يعنيها كثيراً كون عطر "سيكريه" العتيق هو "عطر المرأة التي تعشق الأصالة والزمن الجميل بلمسات عصرية تزيدها جمالا وجاذبية"، كما أنهم لم يتوقفوا طويلاً أمام "فام شيك" باعتبارها "عطر لإطلالة رقيقة ساحرة ورائحت تدوم طويلاً". حتى "انتعاش الليمون" الملكتوبة بالحجم الكبير على "كولونيا 555" الأشهر في مصر في زمن الأصالة لم تستوقفهم كثيراً. الهم الأكبر والغرض الأسمةى هو اقتناء الحد الأقصى من هذه الزجاجات التي باتت البديل الأفضل في زمن "كورونا" الذي اختفت فيه المطهرات من الصيدليات، "ومنها أيضاً هدية لست الحبايب تفكرها بالزمن الجميل، ومن ما قبل كورونا" كما أكدت إحدى المصطفات في طابور السيدات.
طوابير وأفكار
طابور السيدات في أي مكان من الأماكن التي يصطف فيها المصريون هذه الأيام هو المكان الأمثل لاستنباط واستشفاف حال "عيد الأم" في زمن "كوفيد – 2019". مقترحات وأفكار ونصائح لا أول لها أو آخر. هذه الطوابير المصطفة تتعلق بسلع استراتيجية يمليها "تسوق الهلع" الذي يجتاح العالم. مأكولات، مطهرات، مخبوزات، خضروات، مياه، وغيرها من المشتروات البعيدة عن مفهوم هدية "ست الحبايب"، حتى وإن طوعها البعض لتوفي بالغرض. لكنها عامرة بنصيحة تصفح موقع كذا الإلكتروني الذي مازال قادراً على توصيل هدايا عيد الأم للمنزل والسداد "أون لاين"، أو تطبيق كذا على الهاتف المحمول حيث إمكانية اختيار الهدية وإرسالها من خلال شركة توصيل تعتمد على موظفين يركبون الدراجات الهوائية، أو مجموعة "واتس آب" تديرها صديقة ضالعة في شركة مستحضرات تجميل حيث تجمع الطلبات ثم تتسلمها من الشركة وترسلها بسبل مختلفة إلى الصديقات، وهلم جرا.
رياح كورونا
وقد جرت رياح كورونا بما لا يشتهي العيد والأم والأبناء والأزواج والباعة والمشترين. وبينما أمهات على "جروبات الماميز" يعبرن عن بهجة انتقامية بأن حفل عيد الأم في المدرسة قد ألغي بعد تعليق الدراسة، ما يعني أن مئات الجنيهات التي كانت تستنفد لشراء المأكولات والزينات وهدايا المعلمات قد تم توفيرها، فترد أخرى بأن ما توفيره سينفق على إيجاد بدائل تعليمية وترفيهية للأبناء في البيت، وتكرهن ثالثة بأن الضرر واقع على الجميع، وأولهن الأمهات اللاتي ستخضع هداياهن لإجراءات التقشف وتدابير التضييق.
التضييق على الأمهات في عيدهن يقابل بردود فعل مختلفة، فبينما كثيرات يرددن كلاسيكيات أن "أكبر هدية هي نجاح الأبناء بتفوق حتى لو كانت الدراسة في البيت" أو أن "الهدية الحقيقية هي الإبن البار والإبنة المطيعة" وغيرهما، إلا أن أخريات يلمحن بإثبات حسن نوايا عبر تحرير شيكات آجلة الدفع بعد انتهاء أزمة الفيروس أو كتابة تعهدات بتعويض ما فات بهدايا مضاعفة تكافئ الأم في عيدها مع "أوفر تايم" الرعاية المزدوجة للمقيمين في البيت بفعل تعطيل الدراسة وتطبيق مبدأ العمل من البيت وما يتبعه ذلك من إرهاق جسدي زائد وتوتر أعصاب مضاعف.
فيديو قد يعجبك: