مصر توطن التكنولوجيا والاستثمارات في أفريقيا لوقف خطر "الانفجار السكاني"
القاهرة- (أ ش أ):
يشكل النمو السكاني غير المنضبط، التحدي الأكبر أمام التنمية في إفريقيا إذ يلتهم ارتفاع تعداد السكان في القارة كل ما تبذله الحكومات من جهد للإنماء الاقتصادي وتحسين جودة الحياة، ووفقا لتقديرات البنك الدولى سيكون 600 مليون طفل إفريقى ممن ولدوا في مطلع الألفية هم قوة العمل الشابة الرئيسية في إفريقيا فى غضون الأعوام الخمسة عشرة القادمة ومن هنا تشكل قضية التعليم بعدا رئيسيا في عملية بناء الإنسان الإفريقي وتأهيل شباب القارة لتحمل أعباء المستقبل.
وتؤكد دراسات بنك التنمية الإفريقي أن القارة تحتاج إلى تعزيز استثماراتها في بناء المدارس والمعاهد التدريبية والجامعات ومؤسسات التعليم قبل الجامعي، وتكشف البيانات الصادرة عن البنك الدولي عن حقيقة ذلك بتأكيد أن 3ر5 مليون شاب في منطقة جنوب الصحراء هم فقط من استكمل دراسته قبل الجامعية في العام 2010 ما يشكل نسبة لا تتعدى 23 في المائة من إجمالي المستهدف التحاقهم بمراحل التعليم قبل الجامعي في هذه المنطقة من القارة.
وتلتهم الزيادة السكانية تقريبا كل ما أمكن للبلدان الإفريقية من تحقيقه من نجاحات على ضوء إعلان مابوتو 2003 ففي حين شكلت الزراعة قاطرة النمو الاقتصادي الإفريقي الذي يصل معدله الحالي إلى 6 في المائة لا يزال من بين سكان إفريقيا مليون إنسان يفترسهم الجوع، وستزداد هذه المشكلة تفاقما بحلول العام 2050 عندما يتجاوز عدد سكان إفريقيا ملياري نسمة بحلول هذا التاريخ، كما تلعب التغيرات المناخية دورا معرقلا لدفع العمل في برامج الإنماء الزراعي الإفريقية وبخاصة مشكلة التصحر وارتفاع حرارة القارة والتلوث البيئي الناتج عن الانبعاثات الغازية وتراجع مساحات الغابات والانتشار العمراني العشوائي في مناطق الزراعة.
تكشف تقارير بنك التنمية الإفريقي أن القارة تشهد بسبب الانفجار السكاني حالة غريبة من التناقض التنموي، فبينما تشهد إفريقيا واحدا من أعلى وأسرع معدلات النمو الاقتصادي بين أقاليم العالم، تشهد فى الوقت ذاته أعلى معدلات للفقر في العالم وانعدام الاستفادة المتكافئة من عمليات التنمية الاقتصادية بما ينتج عن ذلك من آثار سلبية على أوضاع المرأة والشباب في مختلف دول القارة بسبب زيادة السكان.
وبحلول العام 2050 سيصل عدد الشباب في إفريقيا إلى ما يتعدى المليار بينما تتفاقم مشكلات التسرب من الدراسة أو عدم تكافؤ الاستثمار في المؤسسات التعليمية مع التسارع الرهيب فى معدلات زيادة السكان فى دول القارة التي تضم 90 مليون شخص يتركون دراستهم بحثا عن فرص للعمل في القطاعات الاقتصادية العشوائية بكل ما يعنيه ذلك من ضعف في الأجور وافتقادات لضمانات العمل الآمن.
ويعد تحسن الخدمات الصحية وتراجع تفشي الاوبئة الفتاكة وكذلك تراجع عدد الوفيات أحد العوامل المسببة لزيادة متوسطات أعمار الأفارقة ومن ثم ارتفاع عدد السكان، فخلال الأعوام العشرة المنصرمة تحسنت أوضاع الخدمات الصحية في إفريقيا وبخاصة الرعاية الصحية الأولية للأطفال بفضل الدعم المقدم من المؤسسات الدولية والهيئات الأممية لحكومات القارة، وبلغت نسبة التحسن 12 فى المائة مقارنة بالعقد قبل المنصرم وأسفر ذلك التحسن عن تراجع معدلات وفاة المواليد من 83 في المائة إلى 47 في المائة وتراجع معدلات الإصابة بالأمراض القاتلة الخطرة مثل السل والتدرن الرئوي من 406 إلى 313 إصابة بين كل مائة ألف شخص.
وتتبنى دول القارة مبادرات كبيرة لتحسين الحالة الصحية لمواطنيها من أبرزها برنامج المسح الصحي الشامل في مصر "100 مليون صحة" وبرامج مكافحة الأيدز والملاريا والسل لمنطقة غرب إفريقيا الذي تقوده نيجيريا، ولفتت تقارير منظمة الصحة العالمية إلى اقتران التحسن الصحي للاطفال الأفارقة بتراجع معدلات التسرب من مراحل التعليم الأساسي والأولي على مستوى دول القارة خلال العقد الماضي اذ ارتفعت نسب الالتحاق المنتظم بمراحل التعليم الأساسي على مستوى القارة من 76 في المائة الى 5ر83 فى المائة.
كما أعلنت مصر عند تسلمها رئاسة الاتحاد الإفريقي في العاشر من فبراير الجاري عن مبادرة "إفريقيا خالية من فيروس سى والملاريا" اللذين يشكلان أخطر تهديدين لصحة وسلامة الإنسان الإفريقي.
وخلال الفترة بين 2004 و2014 دخل سوق العمل الإفريقي 100 مليون فرد تتراوح أعمارهم بين 20 و59 عاما وبرغم ذلك التهمت مشكلة تسارع النمو السكاني في إفريقيا تمتع الداخلين الجدد إلى اسواق العمل ولو بقدر يسير من ثمار عرق جبينهم لارتفاع أعباء الحياة عليهم بسبب الإنجاب وعادات الزواج المبكر المسيطرة على عقلية المجتمعات الإفريقية.
وعلى صعيد بناء الإنسان الإفريقي وتحسين قدراته للإسهام في إنماء بلاده وحمل مسئولية وأمانة المستقبل، أطلقت مصر مبادرة شباب إفريقيا من أصحاب الأعمال كآلية لتحفيز شباب القارة على البحث عن حلول غير تقليدية لمشكلات قارتهم وخلق الشراكات مع رجال الصناعة والاستثمار وتحقيق الإنماء المستمر لقدرات الشباب وتعبئة طاقاتهم صوب البناء، كما تعمل مصر على دعم وتمكين المرأة فى البلدان الإفريقية من خلال تكثيف برامج التدريب وزيارات الوفود الإفريقية لمراكز البحث والتدريب والأكاديميات العلمية في مصر ومعاهد التمويل والإدارة ودعم المشاركة السياسية للمرأة.
وبحسب تقرير التنافسية الدولية الصادر عن العام 2017 فمن المنتظر بحلول العام 2035 بلوغ حجم من هم في سن العمل في إفريقيا 450 مليون نسمة ما يعادل تقريبا 70 في المائة من تعداد سكان القارة، ويعتبر التقرير أن إفساح مجالات الاستثمار وبناء المشروعات هما الشئ المطلوب على وجه السرعة لضمان الوظائف وفرص العيش الكريم لتلك الملايين من الشباب الإفريقي بحلول هذا التاريخ ومن قبل ذلك يتعين تطوير برامج التدريب والتعليم وبخاصة التعليم الفني والمهاري والزراعي لتأهيل الشباب الإفريقي للالتحاق بالأعمال في قطاعات التصنيع والزراعة وقطاعات الإنتاج ذات القيمة المضافة.
ويعد ضعف الاستثمار في مجال الإنماء البشري في إفريقيا أحد العوامل المغذية لظاهرة الهجرة غير الشرعية لمواطني القارة فوفقا لتقارير التنافسية الدولية للعام 2017 جاءت ساحل العاج وإثيوبيا وكينيا ونيجيريا وجنوب إفريقيا على رأس قائمة الدول الإفريقية المصدرة للمهاجرين، بالإضافة إلى جنوب السودان. وهي دول في مجموعها يشكل مواطنوها نسبة ثلثي عدد المهاجرين على مستوى القارة -4ر16 مليون مهاجر- فيما يتدفق ثلث سكان إفريقيا المهاجرين -2ر9 مليون فرد- إلى أسواق العمل الأوروبية وحدها.
بالنظر إلى أن إفريقيا تشكل عمقا استراتيجيا لمصر بالقدر ذاته الذي تشكل فيه مصر منفذا استراتيجيا لإفريقيا تجاه الاتحاد الأوروبي، تعمل مصر من خلال دعم التنمية ومكافحة الإرهاب إلى خلق المناخ الجاذب لشعوب القارة بعيدا عن فكرة الهجرة إلى الخارج. وتأمل مصر بذلك أن تكون سواحل شمال إفريقيا منصة انطلاق لصادرات إفريقيا ذات القيمة المضافة إلى أسواق الغرب لا أن تكون سواحل القارة منصات انطلاق للمهاجرين. وتلعب مصر دورا كبيرا في مكافحة الهجرة غير الشرعية من إفريقيا إلى العالم الخارجي من خلال تكثيف التعاون الإفريقى/ الإفريقى والإفريقي/ الدولي لتحقيق هذا الهدف.
كما تعمل مصر على بناء آليات جيدة للتنمية المخططة والمستدامة على مستوى القارة كوسيلة لخلق مجالات العيش الكريم لأبناء إفريقيا بدلا من أن تتلاطمهم أمواج الهجرة في بحار الموت بحثا عن فرص للعمل والعيش خارج القارة. وتعمل مصر على إقناع دول العالم بنقل التكنولوجيا والاستثمارات إلى إفريقيا ومساعدة حكومات القارة على تنمية الاقتصاد وتحقيق الأمن والاستقرار اللازمين وتطوير التعليم والتدريب الفني ونقل الخبرة إلى الأفارقة.
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: