سيد حجاب.. "فيلسوف الشعراء" صديق البحر
كتب- محمد عاطف:
"إن شطر بيت من شعر العامية قد يعدل قصيدة فصحى"، هكذا كان يرى الأديب الراحل عباس العقاد أهمية شعر العامية، بينما كان يقول أمير الشعراء أحمد شوقي، "لا أخشى على اللغة إلا من بيرم التونسي"، رأيان متناقضان حول الصراع الأزلي بين شعر العامية والفصحى.
لم تقف ميادين الصراع بين هذين الرأيين عند ساحات النقاد والأوساط الأدبية، وإنما ظل يعتمل نفس الصراع، في عقل الشاعر الراحل سيد حجاب، أحد أشهر وأهم شعراء العصر الحديث في مصر والعالم العربي، إلى أن انتصر شعر العامية بالضربة القاضية، بعدما وصفه بالمأساة، ونجح "حجاب" في إصدار ديوانه الأول "صياد وجنيه" إلا أنه لم يصل إلى أهله من الصيادين الذين كتبه لهم، فاتجه إلى شعر العامية باعتباره الوسيط الذي يستطيع التأثير في الجماهير والجموع.
لم يكن "حجاب" مجرد شاعر نجح في أن يضع نفسه في مصاف كبار المبدعين فقط؛ وإنما أحد الفلاسفة العظام الذين تركوا أثرا عميقا في الوجدان العربي، يصعب تجاهله على مدار عقود، وربما قرون قادمة.
"من انكسار الروح في دوح الوطن
يجي احتضار الشوق في سجن البدن
من اختمار الحلم يجي النهار
يعود غريب الدار لـ أهل وسكن"
استغل حجاب موهبته في أن ينسج عشرات من تترات الأعمال الدرامية الخالدة التي حققت نجاحا كبيرا، حتى أنه حقق معادلة لم تتحقق من قبله، وكانت كلماته سببًا في نجاح الكثير من هذه المسلسلات، وليس العكس، وفي ثمانينيات القرن الماضي كون ثنائيا مبهرًا مع الموسيقار عمار الشريعي، امتدت لتقدم العديد من التحف الفنية النادرة، وعلى رأسها مسلسل "الأيام" التي غناها على الحجار، و"الشهد والدموع"، "بتغنى لمين"، "ليلة القبض على فاطمة"، و"عصفور النار لحنها وغناها"، "حلم الجنوب"، "سامحونى ماكنش قصدي" و"جحا المصرى".
"وينفلت من بين إدينا الزمان،
كإنه سحبه قوس فى أوتار كمان،
وتنفرط الأيام عود كهرمان،
يتفرفط النور والحنان والأمان"
وارتبط صاحب "الطوفان" بالشعر منذ نعومة أظافره، وكان والده بمثابة المعلم الأول له لأنه كان يشاهده في جلسات المصطبة الشعرية حول الموقد في ليالى الشتاء الباردة وهو يلقي الشعر للصيادين، إلا أن أعباء الحياة المعيشية للوالد دفعته في اتجاه ينافي مجال الشعر، ومن هنا حرص الولد الصغير على أن يحقق أمنية والده كشاعر كبير، وكان يدون كل ما يقوله الصيادون ويحاول محاكاتهم، حتى دخل المدرسة وصادق المعلم الثاني شحاته سليم نصر مدرس الرسم والمشرف على النشاط الرياضي والذي علمه كيف يكتب عن مشاعر الناس في قريته.
"ولسه فوق نفس الطريق بتمد وتخطي،
وكل من له فيها شيء بحنانها متغطي،
مهما السنين عدت هوا وشابت،
لساها جوه الارض عود ثابت"
حصل "حجاب"، على العديد من الجوائز، أهمها جائزة "كفافيس" الدولية لعام 2005 في الشعر عن مجمل أعماله، كما كرمه معرض تونس الدولي للكتاب في دورته السادسة والعشرين، باعتباره أحد رموز الشعر، كما فاز بجائزة الدولة التقديرية للآداب، ورحل حجاب عن عالمنا 25 يناير 2017، بعد صراع مع المرض عن عمر ناهز 77 عامًا.
فيديو قد يعجبك: