الجامعات تتوسع في إنشاء "البرامج الخاصة".. هل تؤثر على مجانية التعليم؟
كتب - محمد قاسم:
مع اقتراب العام الدراسي الجديد بدأ عدد من الجامعات الحكومية التوسع في إنشاء برامج "خاصة" بكلياتها، آخرها جامعة القاهرة التي أعلنت تطبيق 23 برنامجًا جديدًا من البرامج الخاصة بنظام الساعات المعتمدة في المرحلة الجامعية الأولى بالكليات للعام الدراسي المقبل.
وتباينت آراء الخبراء حول البرامج الخاصة أو المتميزة التي تقدمها كثير من كليات الجامعات الحكومية، بعدما أثيرت تساؤلات حول مدى مراعاتها لمبدأ تكافؤ الفرص بين الطلاب.
وتصل مصروفات تلك البرامج لعشرات الآلاف من الجنيهات، مثل برامج كلية الهندسة جامعة القاهرة التي تعمل بنظام ساعات معتمدة في تخصصات (هندسة وتكنولوجيا العمارة، هندسة الاتصالات والحاسبات، هندسة وإدارة التشييد، هندسة الطاقة الكهربية، هندسة التصميم الميكانيكي، هندسة البترول والبتروكيماويات، هندسة الإنشاءات، هندسة المياه والبيئة)، وتتراوح أسعار تلك البرامج بين 10 آلاف إلى نحو 20 ألف جنيه.
وتستقطب تلك البرامج الطلاب المرشحين من مكتب تنسيق الجامعات؛ إذ تضيف الكليات برامج مميزة بنظام يعرف بـ "الساعات المعتمدة" بتخصصات مختلفة جديدة عن التخصصات الأساسية التي تدّرس للراغبين بالالتحاق بها بمقابل مادي.
وأعلنت جامعة القاهرة للمرة الأولى استحداث برنامج "التمريض المكثف" بكلية التمريض، واستحداث برنامجين بكلية الآثار، هما برنامجي الإرشاد الأثري ونظم المعلومات الأثرية، وكذلك 7 برامج جديدة خاصة بنظام الساعات المعتمدة بكلية الآداب بالجامعة، منها 5 برامج للترجمة التخصصية، وبرنامج للكتابة الإبداعية باللغة الإنجليزية، وبرنامج للمساحة ونظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد، بما يعد نقلة تعليمية مهمة لكلية الآداب وللجامعة في العملية التعليمية.
الدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة، قال إن البرامج الجديدة تكرس التحول لجامعة الجيل الثالث التي ينافش التعليم فيها مع البرامج المناظرة لها بالجامعات المحلية والدولية، واستقطاب الطلاب الوافدين، وإتاحة المزيد من التوافق مع الأنظمة التعليمية المتطورة، مشيرًا إلى أن تلك البرامج الجديدة ستقدم خدمة تعليمية مميزة لقطاع كبير من الطلاب الذين يتطلعون لدراسة الترجمة التخصصية، ونظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد، والتي يزداد الطلب عليها، حيث جرى تحديد مجالاتها في ضوء احتياجات سوق العمل.
وأضاف الخشت، لمصراوي، أن تطوير التعليم ركن أساسي في تطوير العقل المصري، للتحول من نظرية التعليم بالتلقين إلى نظرية التعلم القائم على التفاعل والبناء المشترك للحقيقة، وربط التعليم بحركة التطور العالمي، وتخريج طالب بمواصفات دولية.
وأوضح، أن الجامعة تدخل منعطفًا جديدًا في الاستجابة للحراك التعليمي لمواكبة المسارات الجديدة للاحتياجات المجتمعية بتطبيق تلك البرامج، متابعًا: "قريبًا الإعلان عن برامج جديدة في الكليات الأخرى للدخول في عصر جامعة الجيل الثالث".
الدكتور خالد سمير، الأستاذ بجامعة عين شمس، يرى أن الجامعات الحكومية تستخدم "البرامج الخاصة" للتحايل لتمويل مصادرها لتغطية العجز المادي الذي تواجهه في ظل نقص الإنفاق الحكومي على التعليم الجامعي، موضحًا أن نسبة عجز ميزانية الجامعات يصل لأكثر من 50%.
وقال "سمير"، في تصريحات لمصراوي: "البرامج الخاصة هي إحدى طرق التحايل التي تحاول الجامعات بها تمويل نفسها، والدستور لم ينص صراحة على مجانية التعليم الجامعي".
وأضاف "سمير"، أن الأنظمة الحاكمة منذ الستينات دأبت على استخدام مجانية التعليم في الدعاية السياسية، ولكنها في الوقت نفسه تقلل الإنفاق على المؤسسات التعليمية الحكومية، ما دعا الجامعات لعمل برامج ربحية مثل نظام التعليم المفتوح والدراسات العليا والبرامج المهنية والمتميزة لتدبير موارد مالية وسداد رواتب العاملين بها.
وعما إذا كانت ستؤثر تلك البرامج على التخصصات العادية بالكليات، قال: "لا أظن أنها ستؤثر على البرامج العادية بالجامعات لأنه جرى إنشائها للحفاظ على استمرار تقديم الخدمة للتخصصات العادية"، مضيفًا: "نعاني من أزمة، ولا بد أن نبدأ من التعليم قبل الجامعي لحلها، ونأمل في تأسيس نظام تعليمي جديد توضح الدولة فيه موقفها من تقديم الخدمة كاملة مجانًا أو تدعمها بنسبة معينة".
كان الدكتور يوسف راشد، أمين المجلس الأعلى للجامعات، دافع عن تصريح المجلس بإنشاء برامج خاصة بالكليات، قائلًا إن تلك البرامج ليس لها نظير بالكليات، وتختلف عن البرامج الأساسية التي تدرس بالجامعات، وبالتالي لن يحدث فرقة وتمييز بين الطلاب.
وأضاف، أن تلك البرامج عبارة عن خدمة تقدم للطلاب القادرين الراغبين في الحصول على طريقة تعليم معينة، مشيرًا إلى أن الدولة تكفل التعليم العالي للمواطنين، والجامعات لا تخل بذلك، نافيًا أن تؤثر تلك البرامج على خدمة التعليم المجاني للطلاب.
غير أن الدكتور هاني الحسيني، الأستاذ بكلية علوم القاهرة، قال إن إنشاء البرامج الخاصة بالجامعات الحكومية بدأ في عام 2005 ضمن خطة الحكومة آنذاك من أجل تخفيض الإنفاق الحكومي على الجامعات.
وأوضح "الحسيني"، في تصريحات لمصراوي، أن البرامج بدأت محدودة في كليات معينة إلا أنها توسعت مؤخرًا، مشيرًا إلى أن تلك البرامج لم تضع بصمتها، ولم تضف جديدًا، وفي أغلبها لا تزيد في المستوى عن البرامج المجانية.
وأضاف: "تلك البرامج عبارة عن إتجار في الوهم تستخدمها الجامعات للحصول على أكبر قدر مادي من الطلاب في ظل تقاعس الحكومة عن تمويلها".
فيديو قد يعجبك: