مبادرة واشنطن.. هل تخلت جماعة الإخوان عن "الشريعة والشرعية"؟
كتب - مصطفى ياقوت:
على مدار ثلاثة أيام، عقد منتمون لجماعة الإخوان المسلمين، وممثلي حركات معارضة أخرى، جلسات عمل بالعاصمة الأمريكية واشنطن؛ تحت مسمى "ملتقى الحوار الوطني"، خرجوا عنه بتوصيات مبادرة حملت عنوان "وطن للجميع (تهدف لتوحد ثوار مصر)"، وأكد الموقعون على الوثيقة، أن موافقتهم جاءت بـ"صفتهم الشخصية"، بهدف "بلورة مبادئ أساسية للتوافق الوطني بين مختلف القوى الوطنية للوصول إلى ديمقراطية حقيقية وليست شكلية، وضمان بناء آلية عملية تضمن التنافس السلمي والعادل بين مختلف التوجهات في إطار العملية السياسية".
وأثار البند الخامس من المبادرة والذي ينص على "عدم تدخل الدولة في الدين وعدم تدخل المؤسسات والمنظمات الدينية في الدولة، سواء كانت مثل هذه المؤسسات والمنظمات رسمية، مع تجريم استغلال الدين بغرض الحصول على أي مكاسب سياسية أو حزبية، ولا تتدخل الدولة في حق الفرد في حرية العبادة وتقف على مسافة واحدة من جميع الأديان"، أثار ذلك البند جدلًا سياسيًا وانقسامًا أصاب داعمي المبادرة أنفسهم، وبعض الموقعين عليها.
أزمة الهوية
وتحمل المبادرة في طياتها، اعترافًا ضمنيًا بهوية الدولة المدنية، والتأكيد على ضرورة صياغة دستور مدني يؤسس للديموقراطية، وهو ما يتنافى جملة مع تأكيدات رموز الجماعة وعلى رأسهم المرشد العام السابق، محمد بديع، على أن "مصر إسلامية رغم أنف الجميع".
ويرى الباحث بشئون الحركات الإسلامية، أحمد بان، أن محور اهتمام الجماعة ما زال هو "الشريعة والشرعية"، وأن احتواء الوثيقة المزعومة على بنود تمثل دعوة ضمنية لعلمانية الدولة، هو شكل من أشكال تقديم التنازلات، ضمن مسلسل من المراوغات السياسية التي تسعى الجماعة من خلاله للدخول لحيز العمل العام مرة أخرى.
ويؤكد خالد الزعفراني، القيادي المنشق عن جماعة الإخوان المسلمين، أن البند الخامس من المبادرة يهدف لـ"تمويع" مواد الدستور المصري، الذي أقر بالهوية المصرية، وحسمها باستفتاء شعبي ضخم، موضحًا أن كثرة المبادرات التي أطلقتها الجماعة وعناصر محسوبة عليها، يقف ورائها أياد خبيثة تسعى لزعزعة الأمن في مصر.
انقسام
هجمة عنيفة طالت المبادرة عكف عليها رموز الجماعة المحظورة، عقب صدور بنود الوثيقة، حيث قال القيادي الإخواني عمرو دراج عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، "يقوم البعض بالبهتان علينا بأجندة مخابراتية واضحة، بدعم ما يسمى ببيان واشنطن، الذي لا نعلم عنه شيئًا"، وتبرأ كذلك طارق الزمر، القيادي بالجماعة الإسلامية، مما جاء بالمبادرة، عبر تويتر قائلًا "هوية مصر ليست ملكًا لأحد حتى يتنازل عنها وليست منحة من أحد حتى يسحبها"، فضلًا عن صدور بيانين منفصلين من جبهة محمود عزت، مرشد عام الإخوان، وحزب الأصالة المحسوب على التيار، يعلنان فيهما استنكارهما لما ورد في الوثيقة.
كل ذلك دفع فريق عمل مبادرة وطن للجميع (والمحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين) بواشنطن، لإصدار بيان عبر "فيسبوك" تراجع خلاله عما ورد بالوثيقة، وخاصة بندها الخامس، وأكدت "أن النص الذي نشر كان مجرد اقتراح عرض من بعض الأطراف في المؤتمر، لكنه رُفض من بعض المؤتمرين، قبل أن يتم تعديله ليتناسب مع الجميع من أجل الوصول لرأي توافقي بين مختلف الأطراف".
ويُفسر "بان" حالة الجدل التي ضربت صفوف الجماعة عقب إصدار المبادرة، بأنه نتيجة لرغبتها في إظهار صورة مغايرة عبر التواري عن ناظرة الرأي العام، وتصدير أشخاص محسوبة على التيار دون الإخلال بشكلها الرسمي، وسعيها للظهور كما لو كانت ائتلاف وطني واسع يضم قوى معارضة لا تقتصر على التنظيم وحده.
في الوقت الذي يدعم فيه الزعفراني، القول السائد بوجود مزايدات داخل الجماعة، حول المشاركة في الحياة السياسية مرة أخرى من عدمه، موضحًا أن المبادرة مشكوك في صحتها خرجت عن اتجاهات مجهولة، ولا ترضي أي مخلص لوطنه، بحسب قوله.
مناورة مرسي
ولفت انتباه المتابعين، خلو بنود الوثيقة من التأكيد الدائم على شرعية الرئيس الأسبق محمد مرسي، وأحقيته في العودة لسدة الحكم المصري، وهو الأمر الذي دأبت الجماعة وأنصارها على ذكره الدائم في كافة المبادرات السابقة.
"المناورة والاختباء أمر ليس جديد على الجماعة"، يوضح الباحث بشئون الجماعة الإسلامية أحمد بان، مشيرًا إلى أن التنظيم الدولي للإخوان فضل عدم الدفع باسم مرسي ضمن الوثيقة الأخيرة ليبدي مرونة ما قد تتطلبها الفترة الحالية، كما حاول تحريك المياه الراكدة منذ سقوط الرئيس الأسبق محمد مرسي، ولعب دور فاعل في احتواء قوى المعارضة، معربًا عن رفضه لأي حوار وطني ينطلق من خارج القاهرة.
إقحام حجي
وشهدت الجلسات النقاشية بواشنطن، مداخلة عبر "سكايب" لعصام حجي، المستشار العلمي للرئيس السابق، وصاحب مبادرة "الفريق الرئاسي" لخوض انتخابات الرئاسة في 2018، والذي أكد القائمون أنه ليس من ضمن فريق العمل، وكان ضيفا فقط، لمواجهته بأسئلة استفهامية حول مبادرته، التي قالوا إنها ليس لها أي أرضية حقيقية، ولا يملك أدوات تفعليها على أرض الواقع، وفق قولهم.
ويرى أحمد بان، أن الجماعة عمدت لإقحام عصام حجي، بفعاليات ورشة العمل، في محاولة لـ"تعويم الرجل"، الذي يُعد شخصية لافته باعتباره شغل منصبًا رسميًا ضمن الفريق الرئاسي خلال الفترة الانتقالية التي تلت ثورة الـ30 من يونيو، مُستبعدًا في الوقت ذاته إحداث تلك المحاولة لأثر سلبي على مساع الجماعة.
ويقول عمرو عمارة، أحد القيادات الشابة المنشقة عن جماعة الإخوان المسلمين، أن الايديولوجية الفكرية لجماعة الإخوان تغيرت في السنوات الثلاثة الماضية، كما تنازلت الجماعة عن بعض العادات الخاصة، وظهر معاناة قيادتها من "الخلل الفكري"، الذي نتج عن فقدانها لنسبة تقارب الـ80% من قدرتها على الحشد الشعبي.
ويُبرر عمارة ظهور تلك الوثيقة في الوقت الحالي، بأن "الاندماج أصبح الحل الأخير لجماعة الإخوان وتخليها عن نبرة الاستعداء التي انتهجتها طويلًا".
فيديو قد يعجبك: