صائمون خلف أسوار السجون.. "رمضان يفرَقهم"
كتبت ـ هاجر حسني:
ربما تكون أيام السجن قاسية، ليست فقط على السجين، ولكن على ذويه أيضًا، وما يزيد هذه الأيام قسوة، هو مرور مناسبات اعتاد كلا منهما على قضاءها سويًا.
وبقدوم شهر رمضان يقضي السجناء أوقاتهم في وحدة داخل زنزانة، لا يشعرون بنفحاته ولا يعرفون للطعام مذاق، فتغلف الأيام بفقدان رفقة الأحبة والأوقات الطيبة.
أول مرة
اعتاد أحمد سعيد، على زيارة أهله بين حين وآخر، منذ أن أقام بألمانيا، وخلال المرة الأخيرة أثناء زيارته لمصر شارك الطبيب في وقفة قصيرة لإحياء ذكرى أحداث محمد محمود، وعقب انتهاء الوقفة السلمية بعدة ساعات تم القبض عليه بتهمة التظاهر بدون تصريح، وصدر ضده حكم بالحبس عامين، يقضيهم حاليًا بالسجن شديد الحراسة.
7 شهور قضاها الطبيب الثلاثيني، منذ أن تم القبض عليه، وبقدوم شهر رمضان، اختبر أحمد هذه المرة قضاء الشهر ليس فقط بمفرده ولكن داخل السجن، وبحلول موعد الزيارة ذهب الأهل لرؤيته في ثاني أيام رمضان، ولكنهم لم يتمكنوا "حصل تعسف من القائمين على السجن ومعرفناش نزوره اليوم ده، بس قاللونا نروح تاني يوم وبالفعل روحنا" تقول لمياء شقيقة سعيد، ورغم أن الأيام جميعها متشابهة داخل السجن، إلا أن أيام رمضان تختلف "المساجين كلهم حالاتهم سيئة جدًا مش أحمد بس، لأنهم بيبقوا متعودين يكونوا في وسطنا".
ومن خلال محاولات بسيطة حاولت لمياء أن تهون الأمر على شقيقها بشراء فانوس وكارت للمعايدة، ولكن كان هناك تعنت من إدارة السجن في توصيل هذه الأشياء للسجناء، "اكتشفت إن نص أهالي المساجين جايبين فوانيس، بس طبعًا إدارة السجن مدخلتش كل الفوانيس"، وتتابع "رغم ده الدنيا جحيم جوه، 30 أو 40 واحد في زنزانة واحدة والجو حر والمراوح قليلة وهما صايمين، وهو مبيقولش أي حاجة مضيقاه ولا بيحكيلنا أي حاجة عن أوضاعه".
ولما يتميز به شهر رمضان من موائد عامرة، كان من الطبيعي أن يفتقد السجناء هذه الميزة "مفيش أكل بيتقدم جوه غير عيش أو فول، واحنا بنحاول نوديله الأكل اللي يكفيه أسبوع، وطبعًا لأن مفيش جوه حاجة تحفظ الأكل بنوديه متجمد وهما بيسخنوه بطرق معينة ابتكروها، ولو الأكل راح وهو مش متجمد بيقعد يا دوب يومين تلاتة ويبوظ".
الزيارة أيضًا ليست أمر سهل على الأهالي في رمضان، فانتظار الموعد في الشمس والحرارة العالية أثناء الصيام أمر شاق عليهم "بنفضل في الشمس 5 أو 6 ساعات وأحيانًا كنا بنطلب يعملوا مظلة علشان نقدر نستنى تحتها"، وتستطرد شقيقة الطبيب "كنا بنتمنى نفطر معاهم يوم حتى بس لما قلت الكلام ده قالولي انتي بتحلمي ده عمره ما هيتحقق".
رمضان في الانفرادي
بخلاف الطبيب أحمد سعيد، يقضي الصحفي إبراهيم الدراوي، عامه الثالث في السجن، بعد اتهامه بالتخابر مع حماس، وصدور حكم ضده بالمؤبد وانتقاله لسجن طره، فاختبر قسوة أن تمر عليه أيام الشهر الكريم بمفرده داخل الحبس الانفرادي.. "نفسيًا مش مبسوط، بيفطر لوحده لتالت سنه، بعيد عن أولاده اللي هما كمان بيفطروا لوحدهم بعيد عنه"، تقول رضا جمال زوجة الصحفي.
وكأي طفل يتمنى أبناء الدراوي، أن يقضي والدهم معهم أيام رمضان "دايمًا بيقولوا إن نفسهم باباهم يكون معاهم، هما حتى مأجلين كل حاجة لحد باباهم ما يخرج، اتحرموا من فرحتهم بوجود باباهم في حفلة المدرسة والنجاح وكل حاجة".
العام الماضي كان الوضع أسوأ فلم يتمكن أهل الصحفي من زيارته خلال شهر رمضان، ولكن هذا العام كان مختلف "السنة اللي فاتت الزيارة كانت ممنوعة ومعرفناش نشوفه لا في رمضان ولا العيد، مكنش في فرحة، بس السنة دي زورناه مرة واحدة كانت امبارح"، خلال الزيارة كان للدراوي حديث قصير مع أبنائه حثهم فيه على التمسك بالصوم "هما أطفال وكانوا تعبانين من الحر أثناء الزيارة، فهو كان بيحاول يصبرهم على الصيام ووصاهم بالصيام طول الشهر".
ورغم أنه يُخيل للبعض أنه ربما اعتاد الدراوي على الأمر داخل السجن بسبب المدة التي قضاها، إلا أن هذه الأيام تختلف والشعور بالوحدة يسيطر عليه "هو بقاله فترة طويلة في الحبس الانفرادي تقريبا سنتين، الأكل ملوش طعم ومعندوش نفس لأي حاجة، بس وصاني أخد بالي من الأولاد واني أعينهم على الصيام، أنا عندي 5 أبناء أصغرهم 5 سنين بس الباقيين كلهم صايمين".
فرحة غائبة
تواجد عُمر محمد القليل على طاولة الطعام في رمضان هو أمر افتقدته السيدة آمال والدته للعام الثاني، بعد القبض عليه بتهمة إفشاء أسرار عسكرية، والحكم عليه بالمؤبد، تقول "هو اتقبض عليه قبل رمضان السنة اللي فاتت بأسبوع، حالته النفسية طبعًا سيئة من ساعة ما صدر الحكم وبيزيد عليه قدوم رمضان".
حديث عمر عن أحواله داخل السجن دائمًا قليل فهو يخشى حدوث مكروه لوالدته نتيجة كلامه، "هو عارف إني بتعب علشان كده مبيرضاش يقولي على حاجة، بس بعرف من زمايله في السجن أحواله ومن أهاليهم وبيقولولي إيه اللي مضايقه".
وحال باقي السجناء يفتقد الشاب العشريني روحانيات الشهر الكريم، فلا يجد اختلاف لأيام رمضان عن أيام السنة الأخرى، "هما مش حاسين بحاجة، بيصحوا كل يوم ممتنعين عن الطعام ووقت الآذان بياكلوا من غير نفس"، وفي موعد الزيارة الأربعاء الماضي ألحت والدته عليه بالسؤال عن سبب حزنه إلا أنه رفض البوح به "قلتله أنا عارفاك مالك في حاجة مضيقاك بس مرضيش يقول"، وترجح الأم بأن سبب الضيق هو حركة عمر خلال شهر رمضان التي كان تتوزع ما بين الإفطار في دور المسنين والأيتام والتي كانت تؤثر على حالته النفسية بالإيجاب وتجعله سعيدًا "كان مقسم الأيام ما بين كبار السن والأطفال، وكان بيفطر معانا بس قليل ومعظم الأيام بره، أنا كنت ببقى سعيدة بده جدًا ومكنتش بمنعه، وبعد ما يرجع كنا نقعد مع بعض وممكن ناكل تاني وده طبعًا كان بيخليه فرحان فلما يلاقي نفسه فجأة محبوس أكيد ده هيأثر عليه".
شعور الوحدة مثلما يسيطر على عمر يسيطر أيضًا على والدته وجدته، فأسرتهم الصغيرة لا تحتمل أن تفقد طرف هو الأهم بالنسبة لهم "أنا وحيدة مليش إخوات ووالد عمر متوفي وكمان والدي، عمر ابني الوحيد وكل حاجة بالنسبالي وبالنسبة لجدته"، وتستطرد "كل اللي بتمناه إنهم بس يتأكدوا من التهم اللي متوجهه لعمر، هيعرفوا إنه ملوش في حاجة".
فيديو قد يعجبك: