صلاة الاستسقاء.. يوم اجتمع فيه المسلمون والمسيحيون بمسجد عمرو بن العاص
كتب– عبدالله قدري:
كان العلماء وأهل الأزهر ملاذ العامة إذا ما اشتد الفقر وارتفعت الأسعار وزاد عليهم جور السلطان، إذ كانت الحكومة كلما احتاجت إلى مال تفرض الضرائب والاتاوات على الشعب على الأطيان والمتاجر، وهو ما أثقل كاهل الفقراء والضعفاء بصفة خاصة، فساءت الحالة الاقتصادية، فقرروا اللجوء إلى ملاذهم وهم الزعامة الشعبية والعلماء في عهد الباشا محمد علي.
ومما زاد الحال حرجًا نقصان منسوب مياه النيل في فيضان أغسطس من عام 1808، فارتفت الأسعار واشتد الغلاء، فلجأ الأهالي إلى العلماء ليخطبوا ود محمد علي باشا في رفع تلك الضرائب والإتاوات. اتفق العلماء على الذهاب لمحمد علي، وطلبوا منه تخفيف الضرائب عن كاهل الشعب، فنسب إليهم الباشا تسببهم في ظلم الأهالي، إذ أنه كان يعفيهم من ضرائب أطيانهم.
كان العلماء بموجب قرار من محمد علي باشا معافون من الضريبة على الأطيان، فكانوا يقتضونها من الفلاحين، وهو ما كان سرًا بين الباشا والعلماء، فعندما لجؤا إليه في وقت المحنة، طالبهم بمراجعتها، فقبلوا ذلك، واتفقوا على إقامة صلاة الاستسقاء، وهي صلاة تُقام إذا ما امتنع المطر أو قل منسوب المياه وهو ما يمنع الخير عن البلاد.
قال الجبرتي في كتاب "تاريخ مصر": "فلما كان يوم سبت 27 جمادى الثانية سنة 1223 وخامس عشر مسرى القبطي نقص النيل نحو خمس أصابع وانكشف الحجر الراقد الذي عند فم الخليج تحت الحجر القائم، فضج الناس ورفعوا الغلال والعرصات والسواحل، وانزعجت الخلائق بسبب شح النيل في العام الماضي وهيفان الزرع وتنوع المظالم وخراب الريف وجلاء أهله واجتمع في ذلك اليوم المشايخ عند الباشا فقال لهم اعملوا استسقاء وأمروا الفقراء والضعفاء والأطفال بالخروج الى الصحراء ودعوا الله، فقال له الشيخ الشرقاوي ينبغي أن ترفقوا بالناس وترفعوا الظلم، فقال أنا لست الظالم وحدي، وأنتم أظلم مني، فاني رفعت عن حصتكم الفرض والمغارم اكراما لكم وأنتم تأخذونها من الفلاحين، وعندي دفتر محرر فيه ما تحت أيديكم من الحصص يبلغ ألفي كيس، ولابد أني أفحص ذلك، وكل ما وجدته يأخذ الفرضة المرفوعة عن فلاحيه أرفع الحصة عنه، فقالوا له لك ذلك، ثم اتفقوا على الخروج والسقيا في صحبها بجامع عمرو بن العاص لكونه محل الصحابة والسلف الصالح يصلون به صلاة الاستسقاء ويدعون الله ويستغفرونه ويتضرعون اليه في زيادة النيل".
أضاف الجبرتي" وبالجملة ركب السيد عمر مكرم والمشايخ وأهل الأزهر وغيرهم والاطفال واجتمع عالم كثير وذهبوا الى الجامع المذكور بمصر القديمة، فلما كان في صحبها وتكامل الجمع صعد الشيخ جاد المولى على المنبر وخطب به بعد أن صلى صلاة الاستسقاء، ودعا الله وأمن الناس على دعائه وحول رداءه، ورجع الناس بعد صلاة الظهر وبات السيد عمر هناك، وفي تلك الليلة رجع الماء الى محل الزيادة الأولى واستتر الحجر الراقد بالماء وفي يوم الاثنين خرجوا أيضا".
تابع" وأشار بعض الناس باحتضار النصارى أيضا، فحضروا وحضر المعلم غالي ومن يصحبه من الكتبة الأقباط، وجلسوا في ناحية من المسجد يشربون الدخان، وانفض الجمع أيضا، وفي تلك الليلة التي هي ليلة الثلاثاء، زاد الماء ونودي بالوفاء وفرح الناس، وطفق النصارى يقولون إن الزيادة لم يتحصل إلا بخروجنا، فلما كانت ليلة الأربعاء طاف المنادون بالرايات الحمر ونادوا بالوفاء، وعمل الشنك والوقدة تلك الليلة على العادة، وفي صبحها حضر الباشا والقاضي واجتمع الناس وكسروا السد وجرى الماء في الخليج جريانا ضعيفا".
فيديو قد يعجبك: