"الجماعة" تتهاوى.. صراع بين الحرس القديم والقيادة الشابة داخل أروقة الإخوان
كتب- محمد سعيد:
"إصلاحية شاملة".. هكذا تصف جماعة الإخوان المسلمين المُصنفة بـ"الإرهابية" منذ الخامس والعشرين من ديسمبر 2013 نفسها، فمنذ نشأتها على يد حسن البنا في مصر عام 1928 وهي تحلم بالوصول إلى سدة الحكم، اعتقالات واغتيالات وتظاهرات هي حصيلة عمل الجماعة في مصر التي وصل نشاطها أكثر من 80 عامًا منذ أن بدأت نشاطها كجماعة إسلامية في مصر وسريعًا ما انخرطت في الشئون السياسية، إلى أن انتشرت في أكثر من 72 دولة.
دائمًا ما تتحدث الجماعة عن أنها أكثر الفصائل الموجودة على الساحة السياسية تنظيمًا وصلابة، وهي النظرية التي بدأت يثبت عكسها عقب سقوط الإخوان بعد ثورة 30 يونيو 2013، وانهيار الجماعة وبنيتها الأساسية بعد أن دخل معظم قياداتها خلف القضبان الحديدية، أو هروب الباقي خارج مصر حتي لا يكون مصيرهم كإخوانهم.
بداية الأزمة
ظل مختفيًا منذ فض اعتصام رابعة العدوية في أغسطس 2013، ليعود ويطل علينا مرة أخرى، محمود غزلان المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان، قال إن "السلمية ونبذ العنف من ثوابتنا والتي لن نحيد عنها أو نفرط فيها، وهي الخيار الأصعب لكنه الأوفق، وأنها كانت أحد أسباب بقائنا وقوتنا طيلة ما يقرب من تسعين عامًا، وكانت من أسباب التفاف الناس حول دعوتنا وتعاطفهم معنا".
عبد الرحمن البر، الملقب بـ"مفتي الإخوان" قال إن "اختيار الثوار للسلمية المبدعة ليس تكتيكا ولا مناورة، بل اختيار أساسي مبني على فقه شرعي، ووعي واقعي، وقراءة صحيحة للتاريخ ولتجارب الأمم والشعوب"، هكذا جاءت تصريحات غزلان لتؤكد ما قاله البر.
جاءت هذه التصريحات بعد سلسلة من البيانات من محمد منتصر ـ أحد الوجوه الشابة ـ المتحدث الإعلامي باسم الجماعة منذ تعيينه في يناير الماضي، والتي أعلن فيها اتخاذ الجماعة نهجا وصفه بـ"الثوري"، ومطالبًا بـ"قصاص يشفي الصدور"، لا صوت يعلو فوق صوت القصاص، لا صوت يعلو فوق صوت دماء الشهداء التي سالت ظلمًا وفجورًا من قتلة لا يجدي معهم سوى القصاص" ــ هكذا وصف منتصر نهج قد يبدو جديدًا من حيث تصديره مباشرة إلى الرأي العام، فدائمًا ما كانت الجماعة تتبنى العنف ولكن دون إشارة إليه.
في 7 مارس الماضي، قال منتصر ــ تعقيبا على إعدام متهم الأسكندرية الذي أدين باتهامات إلقاء صبي من أعلى بناية ــ رسالة الإعدام مرفوضة، ولن يقبلها الثوار الماضون في طريقهم حتى يقتصوا ويقطعوا رقاب كل فاجر قاتل شارك في الدماء".
ومن قبلها وبالتحديد 26 فبراير الماضي، قال منتصر، "أيها الثوار في شتى ربوع الوطن، إنكم تسطرون بنضالكم الذي يكلفكم حرياتكم ودمائكم ملحمة ثورية سيذكرها التاريخ إلى يوم القيامة في مقاومة الظلم ومناهضة الطغيان، فلتواصلوا زحفكم الثوري المتنامي".
حرب بيانات
محمود حسين، الأمين العام لجماعة الاخوان المسلمين، قال في بيان له مؤخرًا، إن "محمود عزت نائب المرشد، وفقا للائحة الداخلية للجماعة، يقوم بمهام المرشد العام، إلى أن يفرج الله عن محمد بديع المرشد"، مضيفًا أن مكتب الإرشاد وهي أعلى سلطة تنفيذية بالجماعة، هو الذي يدير عمل الجماعة في الوقت الراهن".
إن "الجماعة تعمل بأجهزتها ومؤسساتها وفقا للوائحها وبأعضاء مكتب الإرشاد، ودعمت عملها بعدد من المعاونين وفقا لهذه اللوائح ولقرارات مؤسساتها"، هكذا يؤكد حسين في بيانه.
من جانبه، رد منتصر، في بيان نشره على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، قال فيه: "لقد مرت الجماعة بظروف عصيبة منذ الانقلاب الدموي الغاشم على الرئيس الشرعي، وهو ما دفع الجماعة إلى تطوير هياكلها وآليات عملها للتناسب مع العمل الثوري للقضاء على الانقلاب"- على حد وصفه.
وأكد منتصر ــ ويبدو أنه يذكر محمود حسين ــ أن الجماعة أجرت انتخابات داخلية في فبراير 2014 الماضي، وقامت بانتخاب لجنة لإدارة الأزمة، مارست مهامها وقادت صمود الجماعة ضد الآليات العسكرية حتى الآن، وكانت نتيجة هذه الانتخابات استمرار الدكتور محمد بديع في منصب المرشد العام للجماعة، وتعيين رئيس للجنة إدارة الأزمة وتعيين أمين عام للجماعة لتسيير أمورها، كما قامت الجماعة بانتخاب مكتب إداري لإدارة شؤون الإخوان في الخارج برئاسة الدكتور أحمد عبد الرحمن، وقامت الجماعة بتصعيد قيادات شابة في هياكلها ولجان عملها الثورية ليتصدروا إدارة العمل الميداني للجماعة، "مواكبة للروح الثورية".
"مواكبة للروح الثورية"، هكذا وصّف منتصر الأزمة، مؤكدًا أن الخلاف بين الحرس القديم للجماعة، لم يعد يصلح لإدارة شؤونها، وأن القيادات الشابة هي الأصلح في الوقت الراهن، مع ارتفاع نبرة وحدة التعامل مع الدولة في محاولة لتصدير العنف بشكل مباشر.
ويقطع منتصر الطريق على القيادات القديمة للجماعة معلنًا نفيهم داخل الجماعة، حيث قال إن "مؤسسات الجماعة التي انتخبتها قواعدها في فبراير العام الماضي تدير شؤونها، وأن المتحدث باسم الجماعة ونوافذها الرسمية فقط هم الذين يعبرون عن الجماعة ورأيها".
نزاع القيادة
تقرير نُشر مؤخرًا يفيد بأن اجتماع عقد حضره الدكتور محمود عزت ومحمود غزلان وآخرين من أعضاء مكتب الإرشاد ــ الحرس القديم لمهندس خيرت الشاطر والمرشد محمد بديع ــ وأن الاجتماع انتهى إلى إلغاء أي انتخابات أجريت لاختيار القيادات الشبابية الحالية، وأن مكتب الإرشاد القديم هو المسئول أولا وأخيرا عن أي عمل تنظيمي.
لذا كان لابد على محمد منتصر الرد، حيث قال "نحن إذ نؤكد أننا أجرينا تلك الانتخابات ـ في إشارة إلى الانتخابات الداخلية التي أجريت فبراير العام الماضي ـ برغم الملاحقات الأمنية، بمشاركة وعلم جميع أعضاء مكتب الإرشاد ومجلس الشورى العام للجماعة دون استبعاد أحد، التزامًا باللوائح المنظمة لعمل الجماعة ومؤسسية اتخاذ القرار، والعمل على بناء جسم وتشكيل ثوري قوي للجماعة لتحقيق الهدف، ونؤكد أن مؤسسات الجماعة التي انتخبتها قواعدها تدير شؤونها، وأن المتحدث باسم الجماعة ونوافذها الرسمية فقط هم الذين يعبرون عن الجماعة ورأيها".
محاصرة الإخوان فكريًا
من جانبه، يقول سامح عيد، الخبير في شئون الجماعات الإسلامية، إن ما يحدث حاليًا داخل أروقة الإخوان قد حدث من قبل بهذا الشكل وقد يكون أعنف، مدللًا على ذكر بتجربة الدكتور أبو العلا الماضي وعصام سلطان اللذان انفصلا عن الحزب عام 1996، بالإضافة إلى تجربة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح عام 2012، مؤكدًا أن الجماعة لديها القدرة على لفظ أي متمرد داخلها والحفاظ على تماسك الكيان.
وأضاف عيد، لـ"مصراوي"، أن محمد بديع وخيرت الشاطر ومحمود عزت قادرون على تسوية الأمور حتى وهم داخل السجن، مؤكدًا أن ما سيقررونه في هذا الشأن هو ما سيتم تطبيقه، قائلًا: "من المؤكد أن يؤكد الثلاثي القوي محمود عزت من محبسهم معلنين انتهاء الأزمة".
وطالب عيد، بضرورة محاصرة الجماعة فكريًا لمنع ما وصفه بـ"تجنيد" الشباب، مؤكدًا ان الحل الوحيد لإعلان انتهاء هذا التنظيم هو فصل قياداتهم عن الأجيال الجديدة حتى نتمكن من التخلص من هذا التنظيم.
فيديو قد يعجبك: