في عيدهم الخامس بعد الثورة.. 3 رؤساء يتعاقبون والعمال ''لا تراجع ولا استسلام''
كتبت - نورا ممدوح:
''الشعب العامل، هو مجتمع الأسياد، لا مجتمع السادة والعبيد، كل واحد بيكون سيد في بلده، العامل لا يشعر أنه عبد للآلة ولا يشعر أنه عبد لرأس المال، العامل لا يشعر أن جهده يأخذ منه القليل علشان بالكاد يقدر يعيش، وباقي جهد عمله يروح للرأسمالي أو للاحتكاري، علشان يجمع الملايين وعلشان يستثمر من جديد ليجمع من جديد الملايين''، هكذا كان يرى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الشعب العامل الذي توجه لهم بحديثه في إحدى خطاباته في عيد العمال، قائلا '' أنتم القوة التي تستطيع أن تحول الأرقام والتفكير والتخطيط العلمي إلى واقع وإنتاج وأجور وخدمات و مدخرات، يعاد استثمارها بعد ذلك أيضاً؛ لنعيد تشكيل الحياة فوق أرضنا''.
لم يكن يعلم الرئيس الراحل أنه بعد مرور عشرات السنوات من إلقائه لهذه الكلمات سيصبح رأس المال متحكماً في العمال أو ''الشعب العامل'' مثلما كان يُعرفهم، وأنه سيتم تطبيق الخصخصة على عدد كبير من شركات القطاع العام بداية من عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، والتي أثرت على النهوض بالشركات وتطويرها وأضحت الخصخصة شبح يطارد العمال يهددهم بالتشريد والفصل من ناحية، وتوقف العمل وإغلاق الشركات من ناحية أخرى، وفقاً لسياسة ورغبة المستثمر، لتتحول حياة العامل إلى مطاردة مع هذا الشبح لا يعرف لها نهاية.
مايو 2015 هو عيد العمال الخامس بعد ثورة 25 يناير، والتي كانت الانطلاقة الأقوى لهم للمطالبة بحقوقهم التي وصفوها بالمشروعة، وكان على رأس هذه المطالب تحقيق العدالة الاجتماعية وإلغاء الخصخصة وحمايتهم من الفصل التعسفي وتطهير الشركات من الفساد، إلا أنه بعد مرور خمس سنوات على الثورة هل تغير شيء أو تحققت مطالبهم التي طالما بحت حناجرهم بالهتاف بها؟.
مطالبهم لم تتحقق فخرجوا ضده وعزلوه
مع إجراء أول انتخابات رئاسية والإعلان عن محمد مرسي رئيسا للجمهورية، تولى خالد الأزهري وزارة القوى العاملة في حكومة هشام قنديل، وشهدت هذه الفترة مئات الاعتصامات والاضرابات العمالية، واتهمته القيادات العمالية بالتسبب في إغلاق عدد كبير من المصانع، وهو ما أدي إلى تشريد وفصل عدد كبير من العمال.
تعرض العمال على مدار العام الأول من حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي، لأزمات عديدة ومشاكل ممتدة، وفقاً لتقارير صادرة عن مراكز ونقابات عمالية وحقوقية عديدة، فإن هذه الفترة كانت الأسوأ في تاريخ الحركة العمالية والنقابية .
وفي تقرير صادر عن دار الخدمات النقابية والعمالية، رصدت الدار 151 حالة فصل لعمال من القطاع العام، و152 حالة تحقيق لعمال أمام النيابة العامة، بتهم الدعوة لإضرابات أو اعتصامات، فضلاً عن 33 حالة نقل تعسفي بسبب ممارسة أنشطة نقابية، وإغلاق نحو 2500 مصنع خلال هذه الفترة.
كما أثار اعتماد الدستور الذي تم وضعه حينها، غضب القيادات العمالية ، لما أكدوه بأنه لم يكن هناك تمثيل للعمال في اللجنة التأسيسية للدستور، وهو ما جعلهم يرفضونه لما يحتويه على مواد قالوا عنها أنها تُقر عداء واضحاً للحريات النقابية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعمال.
وفي هذه الفترة أيضا تم إدراج مصر في يونيو 2013 ضمن قائمة الحالات الفردية لمنظمة العمل الدولية والمعروفة بـ'' القائمة السوداء'' للدول الأشد انتهاكاً في مجال الحريات النقابية وحقوق العمال، لتصبح مصر ضمن أسوأ 25 دولة شملتها القائمة لا تحترم الاتفاقيات الدولية الخاصة بالحريات النقابية..
خرج العمال في وقفات احتجاجية واعتصامات ومسيرات كثيرة، للمطالبة بوضع قانون للحد الأدنى والحد الأقصى للأجور، وإصدار قانون الحريات النقابية الذي يضمن للعمال حريتهم النقابية، ووقف التعسف ضد العمال ، وإلغاء كل أحكام الحبس ضد العمال بسبب ممارسة حقهم في الإضراب، وإعادة كل المفصولين إلى أعمالهم، وتثبيت كل العمالة المؤقتة، وتعديل كل التشريعات الاجتماعية وإسقاط كل قوانين تجريم الاعتصام والإضراب والتظاهر، وتنفيذ أحكام القضاء الخاصة بعودة الشركات المخصخصة بالفساد للقطاع العام، وضخ الأموال فيها وتشغيلها.
''خيبة أمل'' تسببت في إقالة حكومته
خرج الملايين في 30 يونيو ضد الرئيس الأسبق محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، ونجحوا في الإطاحة بهم من كرسي السلطة، ومن ثم تولى المستشار عدلى منصور الفترة الانتقالية لحكم البلاد، لحين إجراء انتخابات رئاسية جديدة، وتم تكليف حازم الببلاوي بتشكيل الحكومة التي وقع الاختيار فيها على نصير العمال و''المناضل سابقا'' كمال أبو عيطة وزيرا للقوى العاملة والهجرة، وكان هذا الاختيار بمثابة شعاع النور الذي بثته الحكومة في قلوب العمال لثقتهم بأنه سوف يكون الأصلح لهذا المنصب لمعرفته جيدا بمطالبهم التي ينادون بها على مدار السنوات والتي هتف بها معهم في وقفاتهم الاحتجاجية.
قطع أبو عيطة على نفسه فور توليه كرسي الوزارة 4 وعود، وكان دائم التأكيد على أنه لن يهدأ له بال إلا بتنفيذها، وهي وضع حد أدني للأجور، وعودة العمال المفصولين، وإعادة تشغيل المصانع والشركات المتوقفة وإصدار قانون الحريات العمالية، فعلى الرغم من أنه كان يدرك أهمية هذه المطالبة بالنسبة للعمال، إلا أنه لم يتمكن من تنفيذهم على عكس المتوقع.
فبعد مرور شهور قليلة على تولي الحكومة التي أمر بتشكيلها منصور، بدأت حركة الإضرابات والاعتصامات العمالية في التصاعد بشكل كبير في شركات وقطاعات مختلفة في جميع، المحافظات، لمطالبة الحكومة بتنفيذ وعودها التي أطلقتها على نفسها، إضافة إلى رفضهم الشديد لإلغاء نسبة الـ50 % عمال وفلاحين والتي تعتبر حق من حقوق العمال التي كانوا يحصلون عليها على مدار السنوات الماضية، وهو ما أشعل غضب الطبقة العاملة..
وعلى الرغم من أن شعار هذه المرحلة ولا يزال '' محاربة الإرهاب'' والذي تسبب في صدور قانون التظاهر الذي سلب من العمال حق أصيل من حقوقهم على مدار السنوات الماضية، فهذا القانون يجبرهم بإخطار وزارة الداخلية بموعد ومكان التظاهرة التي يرغبون في تنظيمها، إلا أنه لم ينعهم من المطالبة بحقوقهم.
فشهدت هذه الفترة إعلان الألاف العمال الإضراب عن العمل والدخول في اعتصامات مفتوحة وسط إصرار وتعنت منهم لحين حصولهم على مطالبهم التي لطالما تمثلت في صرف مستحقات مالية متأخرة أو صرف نسب الارباح، أو تطهير الشركات من إدارات فاسدة، وإعادة من تم فصلهم إلى عملهم وإعادة تشغيل الشركات، وعلى رأس هذه المطالب كان المطلب الذي قامت من أجله الثورة وهو تطبيق الحد الأدنى للأجور.
لم تتمكن الحكومة من الصمود أمام إضرابات العمال التي اجتاحت جميع المحافظات، فتقدمت باستقالتها بعد مرور 8 شهور فقط على تشكيلها، ليتم تكليف إبراهيم محلب بتشكيل الحكومة بعد أن خاب أمل الكثير من العمال في الوزير '' المناضل'' كمال أبو عيطة، فجاءت ناهد عشري خليفة له.
مع السيسي ''هل هناك أمل؟''
وبعد تشكيل حكومة إبراهيم محلب، وتكليف ناهد عشري بمنصب وزيرة القوى العاملة، اصطدمت بموجة غضب عارمة من قبل العمال، فكثير منهم يعرفونها جيداً وتعاملوا معها عندما كانت تشغل منصب وكيل عام المفاوضة الجماعية بالوزارة، واتهمتها القيادات العمالية بالانحياز إلى رجال الأعمال، إلا أنها حرصت في أول تصريح لها على التأكيد أنها مع العامل أولا وأخيراً.
استمرت في منصبها حتى إجراء الانتخابات الرئاسية وفوز الرئيس عبد الفتاح السيسي، وعقب ذلك تقديم الحكومة لاستقالتها، ولكن جاء اسمها مرة ثانية في التشكيل الجديد للحكومة.
الأوساط العمالية لم تهدأ، فجميعهم يبحثون عن قوت يومهم، يحاولون الحفاظ على عملهم بكافة الطرق إلا أنهم يواجهون الكثير من العقبات التي تقف في طريقهم، فيلجأون إلى سلاحهم الأول والأخير وهو الإضراب والاعتصام .
في محاولة من وزيرة القوى العاملة لإثبات حسن نواياها، أجرت الوزيرة جلسات حوار مجتمعي حول مناقشة مسودة قانون العمل بحضور ممثلين عن رجال الاعمال والعمال، إلا أنها لم تسير كما كانت ترغب الوزيرة، فاتخذ ممثلو العمال قرار بالانسحاب من الجلسات متهمينها بأنها لم تعطي لهم فرصة في إبداء الرأي في بندود المسودة.
لم تستسلم العمال لهذه المسودة ، وقاموا بعمل مسودة للقانون من خلال حملة '' نحو قانون عادل للعمل'' بعد لقاءات ومؤتمرات ومناقشات دارت بين مؤسسي الحملة والعمال حتى الاعلان عن الانتهاء منها وأنهم سوف يتقدموا بها لمجلس الوزراء والرئاسة ويتبعون كل أشكال الضغط من أجل قبولها.
كما شكلت عشري لجنة للمفصولين، لم يتم الإعلان عن مهامها بشكل واضح، إلا أنها اكتفت بحصر أعداد المفصولين في مصر عقب ثورة 25 يناير، وأعلنت أعدادهم 15 الف عامل مفصول، ولكنها لم تُسهم في إعادة أي منهم إلى عمله مرة أخرى.
ومع الاحتفال بعيد العمال الخامس عقب الثورة، وعلى الرغم من أن اعتصامات واضرابات العمال لم تتوقف في عدد كبير من الشركات والقطاعات، إلا أن رئيس اتحاد العمال تقدم للرئيس عبد الفتاح السيسي بوثيقة شرف لوقف الإضرابات والاعتصامات وزيادة الإنتاج، وهو ما أثار غضب بعض العمال والذين أكدوا أن الإضراب حق مكفول نص عليه الدستور والقانون والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها مصر ولن يستطيع أحد منعهم منه إلى أن يحصلوا على حقوقهم كاملة عاجلاً أم أجلاً، إلا أن البعض الأخر يرى أنه مازال هناك أمل مع السيسي.
فيديو قد يعجبك: