إعلان

حقوقي: لدينا أقوى بناء تشريعي يخدم الطفل ولابد من إعادة هيكلة "الطفولة والأمومة"(حوار)

08:00 م الأحد 12 أبريل 2015

حوار ـ هاجر حسني:

تصوير- علاء القصاص:

"الخروج بره الصندوق" كان ذلك الحل الذي اقترحه محمود البدوي، رئيس الجمعية المصرية لمساعدة الأحداث، في حديثه لمصراوي، والذي أكد خلاله على ضرورة إعادة هيكلة المجلس القومي للطفولة والأمومة بالإضافة إلى ضرورة وجود إرادة سياسية قوية تجمع الجهات العاملة في مجال حقوق الطفل لخلق تجربة مصرية خالصة تتبعها الدول العربية والأفريقية، فكان لنا هذا الحوار.

ما هو تقييمك لوضع الطفل المصري؟

لدينا حوالي 37% أو 40% من جملة سكان مصر أطفال قضاياهم مهمشة وضائعة، ورغم التشريعات التي نتفخر بهذا البناء في المحافل الدولية يظهر لدينا توربيني وزنى محارم واستغلال أطفال في العمل السياسي والعنف ضدهم، وهذا يؤكد وجود بعض الاشكاليات وأنا ضد اختزال قضية الأطفال في مشكلة الأطفال بلا مأوى فقط، ولكن الاشكالية من الممكن أن تمتد إلى الطفل الذي يحظى بحياة سوية وتعليم خاص، ويكون ذلك أكثر عرضه للانحراف وأسهل من غيره، وأكبر مثال على ذلك قضية إسلام يكن.

كيف ترى البناء التشريعي الخاص بالطفل؟

إذا تحدثنا عن الورق، فنحن لدينا أقوى بناء تشريعي يخدم الطفل على مستوى العالم كله، ولكن عندما نُسقط هذه التشريعات على أرض الواقع نجد الوضع مختلفا، فمصر عندما صدقت على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل في عام 1990 كان عليها أن تؤسس بناء تشريعي يُحقق بنود المعاهدة، وظلت الجهات المعنية بإصدار القانون تعمل طوال 6 سنوات حتى أصدرت قانون 12 لعام 96، ووقتها لم شتات القوانين المُبعثرة في قوانين العقوبات والأحوال الشخصية وبدأوا يعملوا على روح الاتفاقية وهو "تحقيق المصلحة الفضلى للطفل".

وماذا عن التعديلات التي أُدخلت عليه؟

قانون الطفل وقتها كان جيدا ولكن التغييرات السياسية والاجتماعية التي طرأت على المجتمع أظهرت الحاجة إلى إدخال بعض التعديلات عليه، وبالفعل تم ادخال حزمة من القوانين وبعض المواد المُعدلة، وصدر قانون الطفل المُعدل 126 لعام 2008، وكان أهمها المادة 2 من قانون الطفل والتي حددت سن الطفولة بـ 18 عام وهو ما يتفق مع الاتفاقية الدولية، بالإضافة إلى المادة 80 من الدستور والتي تُعد أطول مادة معنية بحقوق الطفل اكتمل البناء التشريعي بها وتعتبر إطار حمائي دستوري والتي تؤكد في آخرها على على الالتزام بتحقيق المصلحة الفضلى للطفل أيضا بحيث تتواءم مع الاتفاقية الدولية، التي انتقلت من مجرد كونها حبر على ورق لتشريعات وقوانين.

إذن لماذا لا نستطيع حماية الطفل رغم وجود تشريعات؟

رغم وجود بناء تشريعي قوي لدينا إلا أننا مازلنا لا نستطيع حماية الطفل، لأن هناك أطراف في تماس وثيق مع القضية مثل الأسرة والحكومة والمجتمع المدني والمجالس المتخصصة، وهنا يأتي السؤال هل تقوم هذه الأطراف بدورها بناء على الاتفاقية التي وقعت عليها مصرى لتكتمل أركان المنظومة؟، أنا أشك في ذلك.

في رأيك.. ما الذي ينقص الأطراف المتصلة بقضية الطفل لتؤدي دورها الصحيح؟

إذا حاولنا جمع هذه الأطراف وطلبنا منهم التعاون مع بعضهم البعض لإنجاز أي مهمة لن يستطيعوا، الحكومة تعمل في اتجاه وحدها وكذلك المنظمات المستقلة والمجلس القومي لحقوق الإنسان، فما ينقصهم فعليا هو وجود إرادة سياسية، وهي أيضا مسئولية صانع القرار أو واضعي السياسيات والتي تُكلف هذه الأطراف بما تقوم به، فلابد أن يعي تماما أهمية أن يكون هناك تكليفات جادة لخدمة الطفل وليست مجرد الاحتفال بيوم اليتيم ويوم الطفل وانشاء مجالس لا تقوم بدورها.

وماذا عن الجهات التي تعمل على قضايا الطفل المصري؟

قضايا الأطفال أصبحت مصدر ثراء لبعض الشخصيات من خلال استغلالها لاستجلاب بعض التمويلات بالملايين، وهذه الأموال لا نعلم مصيرها لن نجد طفل تم تعليمه أو عاد لأسرته أو تعلم حرفة ما بهذه الأموال، ومنذ سنتين أو ثلاثة كان هناك تعاون بين المجلس القومي للطفولة والأمومة وهيئة اتقاذ الطفولة لوضع استراتيجية لمعالجة قضايا أطفال الشوارع على الرغم من وجود استراتيجيتان تم وضعهما 2005 و2009، وظلت الاجتماعات منعقدة لمدة 6 أيام في أحد الفنادق، وتقدمت وقتها ببلاغ للنائب العام ضدهم اتهمهم فيها باهدار المال العام وأحد أشكال الاتجار بالقضية.

الأسرة كأحد أطراف منظومة حماية الطفل، هل تقوم بدورها الصحيح؟

الأسرة هي العنصر الأهم في منظومة الطفل وفي غيابه لن تُحل القضية أبدا، لأن الأسرة هي المصدر الأول الذي يستقي الطفل منها خبراته الأولى وتساؤلاته، فتعامل الأب مع الأم وتعاملهم مع الجيران، كل ذلك يكسبهم الخبرات التي يعيشوا بها طوال حياتهم، فمثلا إذا وجد الطفل أن والده يكذب سيسلك نفس السلوك، كما أن عدم الرد على أسئلة الأطفال تجعلهم يلجئون لطرق أخرى للمعرفة قد تكون صديق أو الانترنت وفي كلتا الحالتين لا نستطيع تقنين المعلومات التي يحصلون عليها، بالإضافة إلى أن القيود التي تفرضها الأسرة على الأطفال تكون الدافع الأول لخروجهم إلى الشارع حيث مساحة حرية أكبر من المنزل، ولكنهم وقتها لا يقدرون حجم المخاطر التي تكون أيضا أكبر من المنزل، ولذلك فالأسرة خط الدفاع الأول عن الطفل وهي الدائرة الحمائية الأولى.

أما عن قيامها بدورها بشكل جيد، نستطيع هنا أن نقول لا، لأنها إذا كانت تقوم به ستحميه من أية مخاطر ممكن أن يتعرض لها، فالطبع ليست كل الأسر تفتقد لهذه الميزة ولكن بعضها، كما أن الانتهاكات التي تحدث داخل الأسرة وعدم معالجة بعض الأمور بتروي هي ما تجعل الطفل يخرج عن اطارها.

ما هو الاختلاف بين المجتمع المصري والغربي من حيث الاهتمام بالطفل؟

في الدول الأوروربية لديهم خطة تتضمن خلق مجتمع جدير بالطفل في كل ممارساته، هم يفكرون أن لديهم طفل ولابد من الحفاظ عليه وتوجيه مسارة بطريقة صحيحة، كذلك في اليابان لديهم مركز استشاري مستعد في أي وقت لأن يأخذ أي طفل من أهله بمجرد أن يستعين بهم أحد الجيران ويؤكد أن الأم والأب يسيئون معاملة طفلهم، ومن وقتها يُصبح ابنا للدولة يتم رعايته حتى سن 18 عام ومن ثم يتم فصله عن الأطفال ويعيش برفقة أشخاص آخرون في نفس عمره في أماكن لدعم الاستقلالية ليدرس أو يعمل.

وبمقارنة ذلك بما لدينا في مصر سنجد أن المجتمع لا يملك ثقافة الإبلاغ، فشاهدت في مقطع فيديو عقب واقعة دار أيتام مكة المكرمة، كان المراسل يسأل أحد المقيمين في محيط الدار وكان الرد أن هذا الشخص رأى مدير الدار أكثر من مرة يتعامل بشكل سئ مع الأطفال ويعتدي عليهم بالضرب ولكنه لم يفكر في الإبلاغ عنه لدى أي جهة عاملة في هذا المجال، لم يخطر بباله أن يصور مقطع فيديو يوثق هذا الانتهاك ويضعه على مواقع التواصل الاجتماعي والتي لها تأثير قوي في توعية الرأي العام، ولكن الناس ترى فقط وتصمت من منطلق أنها غير مهتمة.

وهل يمكن الاستفادة من هذه التجارب وتطبيقها على قضايا الطفل المصري؟

ذهب وفد من قبل إلى اليابان لنقل الخبرات التي تم تنفيذها هناك لمصر ولكن كان الأمر صعب جدا، فبالرغم من أن المشكلات واحدة ولكن الفكر وطبيعة الحياة مختلفة، ولكن هذا لا يعني أن قضايا الطفل المصري قابلة للحل، ولكن لابد من التعامل معها على أنها قضايا طفل مصري وبالتالي نضع حلول من منطلق الخصوصية المجتمعية للبلد، ثم مراعاة الخصوصية المجتمعية وفقا للطبيعة الجغرافية فالطفل القاهري يختلف عن الطفل الذي تربى في مجتمع الفلاحين، وكذلك الاختلاف بين الطفل السيناوي والطفل الصعيدي.

وكيف لنا صنع تجربة مصرية خالصة؟

نحن بصدد تقديم تجربة مصرية جديدة فيما يخص التعامل مع قضايا الأطفال بشكل عام ، وده هيترجم خلال الأيام القادمة من خلال إعلان مشروع قومي للتعامل مع الأطفال بلا مأوى وهو ما تمثل في تخصيص 100 مليون جنيه من صندوق تحيا مصر و48 مليون من صندوق دعم الجمعيات الأهلية ليصبح 148 مليون جنيه سيتم تقديمها للجمعيات الأهلية التي تعمل في مجال الأطفال، وبالطبع سيختلف التطبيق وآليات التنفيذ عن الماضي فلن يكون مجرد نسخة مشروع تُقدم للجهات المانحة لمجرد الحصول على الأموال وتنفيذ بعض الأنشطة الغير فعالة، ولكن سيكون من خلال بحث أفكار جديدة لتقديم تجربة مصرية تستفيد منها دول كثيرة على المستوى العربي والأفريقي لأن مصر بمثابة مصدر اشعاع لهذه الدول وستكون حافزا لنقل التجربة.

بالحديث عن المجتمع، كيف يسهم المجتمع في خلق طفل بلا مأوى؟

الطفل ليس عدواني بطبعه فهو مجني عليه والمجتمع لم يعطه حقه بالكامل، فالبتبعية بدأت نتائج هذا التقصير تظهر عليه ولدينا نظرية هامة جدا في علم الاجتماع تسمى "الوصم الاجتماعي" وهو أن يظل المجتمع يلاحق الطفل بجريمة أو خطأ فعله طوال حياته حتى بعد قضاء مدة عقوبته، ويوصمه دائما بالخطأ الذي فعله، فلا يجد مكان يعمل به أو يُقيم به، وبالتالي احنا محتاجين نعود المجتمع على رفض فكرة الوصم الاجتماعي.

الأحداث السياسية كان لها تأثير على قضية الطفل، كيف ترى ذلك؟

الأحداث السياسية جعلت من الطفل وسيلة للاستغلال، وخاصة في ظل الحاجة المادية لديه، ففي أحد المحافظات على سبيل المثال هناك شخص أعطى طفل جنيه واحد ليضع قنبلة في مكان ما، ولأن الأطفال تكلفتهم أقل يستغلهم المرشحين في الانتخابات لتوزيع الدعاية الانتخابية، فبدلا من أن يستأجر المرشح 5 أشخاص يحصل كلا منهم على 50 جنيه يستغل 10 أطفال بدلا منهم، بالإضافة إلى استغلال الأطفال في اعتصام الإخوان لحمل الجثث، واستغلال الأطفال للتجارة عبر الحدود بين مصر واسرائيل وهو ما نتج عنه حالة الثلاث أطفال الذي تم القبض عليهم في اسرائيل وتم استبدالهم في صفقة الجاسوس الاسرائيلي رابيل.

هناك اشكالية أيضا متعلقة بعمالة الأطفال، ما رأيك؟

هناك باب كامل في قانون الطفل حوالي 14 مادة يتحدث عن عمالة الأطفال، ويؤكد ضرورة وجود ضمانات تُقدم للطفل في حالة تدريبه أوعمله وأبسطها ألا يعمل ساعات اضافية أو التعرض لأعمال خطيرة وأن يكون هناك علاقة عمل واضحة بالإضافة إلى التأمين الصحي وبالطبع كل ذلك غير موجود في الشارع ولذلك فالطفل يكون سهل الاستغلال في أعمال أخرى.

هل الدولة تتعامل بشكل جيد مع قضايا الطفل؟

مؤخرا بدأ يكون هناك شكل من التعاون الجيد من قبل الدولة تثرجم في بعض التعديلات التشريعية التي تم ادخالها على قانون الطفل من قبل الرئاسة ووزارة التضامن الاجتماعي لابد أن نُشيد بها وكذلك الجهود التي تبذلها غادة والي وزير التضامن والتي لم تأخذ حقها في التغطية الإعلامية، بالإضافة إلى رئيس مجلس الوزراء وهو دائم الاهتمام بالقضية.

هناك أيضا اشكالية خاصة بدور الرعاية والرقابة عليها، كيف ترى ذلك؟

لابد أن نسأل أنفسنا هل مؤسسات الرعاية تقوم بدورها، وهل العاملين بها لديهم من الخبرة ما يؤهلهم للتعامل مع الأطفال، وهل هم على القدر الكافي علميا ونفسيا للتواجد في هذا المكان، وبتطبيق ذلك على الموجود حاليا سنجده غير متوفر وسنجدهم أيضا لم يحصلوا على حقوقهم داخل المكان الذي يعملون به وهذا يضطرهم للتعامل بشكل سيء مع الأطفال وهذه هي المشكلة الأساسية، ولذلك فلابد من عمل قياسات نفسية دورية للأشخاص أصحاب التعامل المباشر مع الأطفال في دور الرعاية.

كيف تُقيم عمل المجلس القومي للطفولة والأمومة؟

مازالت المجالس القومية المتخصصة غير فاعلة ومازالت تعمل بنهج الموظفين وإن كان في القلب منها المجلس القومي للطفولة والأمومة، والذي خالفت قياداته الحالية جميع التوقعات، فهو لا يريد أن يغير نهجه ويُصر على التعاون مع جهات بعينها ويهمش منظمات المجتمع المدني، أنا لا أشعر أنه يقوم بدوره ولو سألنا أي شخص يعمل في مجال الطفل سيكون له نفس الرأي.

وماذا عن إعادة هيكلته؟

لابد من إعادة الننظر في تشكيل المجلس وأنا طالبت بذلك كثيرا، فمن الممكن أن يكون له مجلس إدارة كتشكيل المجلس القومي لحقوق الإنسان من خلال أشخاص مستقلين يعملون في مجال حقوق الطفل، فالمجلس تم انشاءه كآلية تحقق الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي صدقت عليها مصر، وكان له مجموعة من النجاحات والاخفاقات لا يستطيع أحد أن ينكرها، فالكثير من المجالس المتخصصة كان العمل بها مجاملات ووسائط، كما أن معظم ردود أفعال المجلس هي بيانات استنكارية عاجزة.

أنت مع أم ضد اقتراح انشاء وزارة خاصة بالطفل؟

بالطبع ضد، فهذه مطالبة "غبية" ولم تكن بنية حسنة فهي تطالب بتقسيم المجلس إلى قسمين أحدهما خاص بالطفولة وجزء آخر للأمومة، وهو اقتراح طرحه أحد المتاجرين بالقضية وكان صديق شخصي للوزير زياد بهاء الدين، وهو بالتأكيد لا يعي الاتصال الوثيق بين قضايا الطفل وقضايا الأم، فلا يمكن حل أحدهما بمعزل عن الآخر وهذه مطالبات من شأنها العودة بمصر خطوات للوراء.

في وجهة نظرك، ما هو الحل لقضية الطفل؟

الفكرة تكمن في الخروج "بره الصندوق الغبي" الذي يتمثل في عقد الندوات وورش العمل واستراحة الغذاء وبدل السفر دون نتائج في النهاية، ولا وسائل تنفيذ، وبالتالي فالإشكالية في خلق آليات لتنفيذ الوسائل الحمائية للواقع الذي نعيشه، وهو ما ينفذه المايسترو سليم سحاب بمبادرة تعليم الأطفال بلا مأوى للموسيقى وأيضا دوري الأطفال الذي يستغل الأطفال الذين لديهم موهبة في ممارسة كرة القدم.

بالإضافة إلى ضرورة وجود الإرادة السياسية مع توحيد الجهود لجميع الأطراف الفاعلة إلى جانب مواقع التواصل الاجتماعي التي من الممكن استغلالها، واستغلال فرص النجاح وهي مجموعة الشباب المؤمنة بالقضية، وكنا من قبل في اجتماع مع وزارة التضامن الاجتماعي وكان هناك حديث حول دور المنظمات المستقلة باعتبار أنها لها تعامل مباشر مع الشارع.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان