لماذا تمنع الأديان الثلاثة تجسيد صورة الرسول؟
كتب - محمد الحكيم:
بعدما استيقظ العالم على حادث "شارلي إبدو"، الشهير، انقسم العالم ما بين مؤيد ومعارض لتناول الأنبياء، فالبعض استند للمادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي نصت على أن "لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار، وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت، دون تقيد بالحدود والجغرافية.
والبعض الآخر رفض تجسيد النبي محمد صلى الله عليه وسلم أو أي نبي آخر في الكاريكاتور المعروف بأنه فن الساخر الذي يستخدم المبالغة في تحريف الملامح الطبيعية، أو مميزات الشخص أو الجسم المراد رسمه بهدف السخرية أو النقد الاجتماعي والسياسي وله تأثير أوقع من المقالات، والتقارير، وأحياناً الصور الصحفية، لكن هل هناك صورة حقاً للنبي محمد حتى تتم السخرية منها أو تجسيدها ولماذا لا توجد صورة له؟
الإسلام
الشيخ عماد طه، عضو هيئة الوعظ بالأزهر الشريف، أجاب عن هذا التساؤل، قائلاً: "لا توجد صورة للنبي صلى الله عليه وسلم لكن له أوصاف فهو ليس بالطويل وليس بالقصير، ووجهه منير، من رآه هابه، ومن خالطه أحبه، وكان حسن الجسم متماسك البدن، ولونه ليس بالأبيض الأمهق ولا بالأسمر، وكان شديد سواد الشعر، ولم يكن شعره مجعداً".
واندهش خلال حديثه مع "مصراوي" من ذهاب فكر رسام الكاريكاتور الأوروبي إلى السخرية من النبي، دون أن يقرأ عنه، ويعرف المعلومات التاريخية عنه، مؤكداً أنه لم يتم العثور على الإطلاق على أي صورة من صور النبي لذلك فرسمه فيه كذب وتضليل على قاريء الصحيفة نفسه.
ورداً على سؤال: "لماذا غير مسموح برسم صورة متخيلة للنبي؟" قال:" تم تحريم ذلك لحكمة، فلو تخيل كل رسام محبّ حتى للنبي أن يرسم صورة له فسنجد هناك صورة للنبي في الهند وأخرى في أوروبا وثالثة في بلاد الشام ..إلخ، ولا توجد حكمة من الرسومات بالأساس فالأصل هو إتّباع هديه وتعاليمه".
وتابع: "الكاريكتور يعبّر عن شيء فيه علاج لمشكلة معينة في المجتمع، أو لتصحيح مسار فكر خاطيء فهذا يرحب به الاسلام، أما الأنبياء أو الذات الإلهية، وأصحاب رسائل السلام فهذا يؤدي إلى الاستهزاء بالرمز الديني، ولو هدمت الرموز الدينية، فهذا يفتح باب فتنة عظيم ويؤدي إلى تدمير الأديان وعبادة الله في الأرض، ولا يصبّ إلا في مصلحة الشيطان وأتباع الهوى".
وعن تصوير "الشيعة" للنبي محمد قال:" إذا كان عندهم صورة فهم سيسئلون عنها، فسنّة النبي لن يتم تنفيذها بصورته بل بعلمه وإتباعه والإيمان في القلب بما جاء به وتطبيقه عملياً" لافتاً أن التصوير كان محرماً في بداية الإسلام خوفاً من عبادة تلك الصور كما يحدث في العصور القديمة، لكن بعد تقدم العلم الحديث، واستخدام الصور فيما ينفع الناس فلا يوجد مانع في ذلك.
المسيحية
القسّ رفعت فكري، راعي الكنيسة الإنجيلية بشبرا، رفض وأدان الاساءة لأي دين من الأديان، مؤكداً على أن الفكر لا يرد عليه إلا بالفكر، واستخدام أسلوب الإرهاب وقتل الصحفيين هذا عمل ارهابي أساء للإسلام أكثر مما أساءت له الصحيفة، بل وأساء للمسيحية واليهودية بصفة عامة.
وأضاف فكري لـ "مصراوي": "الملحدون هم الذين يسعون للإساءة للأديان، لكن العلمانيين لا يسعون لذلك ويؤمنون بحرية اعتناق الأديان، ونحنُ نؤيد العلمانية بهذا الشكل، ولا يجوز أن نمسك أسلحة ونقتل لمحاربة الفكر،".
وتابع: "الكاريكاتور يمكن أن يتناول أي أحد، وفي هذه الحالة نرد عليه بنفس المنطق، حتى أنهم قالوا أن المسيح تزوج مريم المجدلية واتهموها بما ليس فيها، لكن نرد عليهم بالحوار المنطقي العقلاني، وهذا أقوى من السلاح فالكلمة أقوى من السلاح، والرصاص، وعلينا ملاحظة أن شارل ايبدو طبع 3 مليون نسخة بعد ذلك".
وحذر راعي الكنيسة الانجيلية من وجود مسحة سياسية وليس حرية للتعبير على السخرية من النبي محمد، قائلاً: "ما حدث في فرنسا يشبه أحداث 11 سبتمبر في ردود أفعاله، فأمريكا بعد 11 سبتمبر بدأت تتعامل مع العرب كإرهابيين واليوم الشرق الأوسط كله يفتت، والمسلمون في أوروبا الآن وفي الوقت القادم سيعانون من التضييق، وسيواجهون تعليقات كثيرة على وجودهم وأنشطتهم لذلك لابد من الحذر".
وعن رأي المسيحية في صور الأنبياء بوجه عام نفى ذلك، قائلاً: "الأنبياء ليس لهم صور لأنه لم تكن هناك كاميرات أو فيديو، فكلها إبداعات رسّامين، ونسبية، لذلك النسبي لابد التعامل معه بنسبية، فلو رسم الملحدون أحدهم كإرهابي فأنا أرسم واحد إنه مُحب، وأتكلم على نصوص تؤكد المحبة، ونحنُ لا نحظر التعبير عن الرأي فالجميع يعبر عن رأيه بحرية ويقبل الرأي الآخر".
وأنهى حديثه برسالة سلام قائلاً: "احنا في مجتمعاتنا العربية لابد أن ننهي التعامل مع الكلمة بالرصاص".
اليهودية
قال الدكتور سامي الإمام، أستاذ الديانة اليهودية بجامعة الأزهر، إن "حرية التعبير" أو "حرية الرأي" لا تعني الإساءة للمقدسات بأي حال من الأحوال!!، وإصرار الصحيفة على الإساءة للنبي محمد صلى الله عليه وسلّم سيدفع بالمتطرفين والإرهابيين إلى الثأر من تجاهل الصحيفة لمشاعرهم الدينية نحو نبيهم الكريم.
وأوضح أن اليهود عبر الأجيال أحجموا عن أي تعبير فني أو تجسيدي, أو تصوير جداري, وهو موقف متعارض ضمنيًا مع مفهوم "الفن اليهودي" لأنه موقف خاطئ من الأساس ونابع من سوء فهم للوصية الثانية من الوصايا العشر: (لا تنحت لك تمثالاً، ولا تصنع صورة ما مما في السماء من فوق، وما في الأرض من تحت، وما في الماء من أسفل الأرضِ. لا تسجد لهنّ ولا تعبُدهنّ، لأني أنا الرب إلهك، إله غيور).
وأضاف :"فالتوراة لا تحرم الأعمال الفنية في حد ذاتها, وما ورد في الوصية هو تحريم مطلق لأي عمل فني بقصد السجود له وعبادته؛ أي أن ما قصدت إليه الوصيّة هو تحريم عبادة الأوثان, التي كانت شائعة عند الكنعانيين, وكانت مرتبطة بالأشكال المصوّرة والمجسّمة لبني البشر والمخلوقات الأخرى".
واستطردت: "كما أن التراث لم يحرِّم تصوير شخصيات الأنبياء أو تمثيلهم, أو تجسيد شخصياتهم, وإنما الحظر يختص بالله ذاته فلا يجوز رسمه أو تمثيله, أو تجسيده في أية صورة من الصور, كما لا يجوز النطق باسمه صريحًا ولذلك يستبدل باسم آخر! لما لاسم الرب من قداسة ومهابة توجب تجنب النطق به صريحًا".
واندهش قائلاً لـ "مصراوي": وعلى الرغم من ذلك فإننا نجد صورًا ورسومات لله – حاشاه ذلك – على هيئة بشرية تمامًا واضحة المعالم كملاك نازل من السماء يمدّ يديه بألواح التوراة فوق جبل سيناء بينما موسى يقف فوق الجبل يتلقى الألواح من يدي الله!! ومن بين أهم المنحوتات المشهورة للأنبياء في أعمال المثَّال والشاعر الإيطالي "مايكل أنجلو" تمثال النبي موسى, عليه السلام, دون أي اعتراضات عليه سواء من اليهود أو المسيحيين".
وأكمل: "والأكثر من ذلك فداحة هو تمثال داود (داود ليس نبي في التوراة, بل ملك وحسب), لمايكل أنجلو أيضًا, وهو عار تمامًا كيوم ولدته أمه لكن في ريعان قوته وشبابه بأعضاء جسده كاملة بادية للعيان !!".
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: