مظلمة من ديوان مظالم القبة
كتب – عمر الناغي :
بعد فتح منفذ آخر عبر الإنترنت والهواتف، غرق العشرات عرقاً ضحية للإنتظار أمام البوابة المغلقة لقصر القبة ''ديوان المظالم''، وآخرين في الحديقة المجاورة للبوابة، بين إنتظار تقديم المظلمة، بين إنتظار الحصول على رقم مسلسل لها، بعد أن كان العدد يصل للمئات احياناً.
المهنة ''كاتب مظالم''
أول ما تلحظه أمام الديوان هو رجلان يجلسا داخل الحديقة وأمام كل منهم ''نصبة'' عليها أظرف وورق فلوسكاب، ودباسة وأقلام، وصف يجلس أمام كل منهما، كلٍ بدوره، الرجلان يبيعا الأوراق، ويكتبا تظلمات المواطنين الأميين بمقابل مادي، لم يرد أي منهم ذكر إسمه، لكن بينهما قاسم مشترك ومصلحة واحدة، فهم يبيعا الورقة بـ 25 قرشاً، ويتراوح سعر كتابة المظلمة بين جنيهان وسبعة، حسب نوع المظلمة ووقت الكتابة - على حد قولهما - وقد إتفقا على توحيد الأسعار، ويقول أحدهم: ''لكل مظلمة صيغة وإسلوب في عرضها وايضاً وقت في كتابتها وعدد الورق، وذلك ما يحدد سعر المظلمة''.
علاج مسكن عمل
يتحدث المواطن ''عبد الرازق حسن محمد'' عن عودته للمرة الثالثة أمام الديوان، بعد أول مرة قدم فيها مظلمته، منذ قرابة العشرة أيام ولم يجيبه أحد بعد فيقول: ''قدمت الشكوى وقالوا سيتم الرد بعد ثلاث أيام وكل ثلاث أيام أقف هنا أنتظر الرد ولم يجيبني أحد''، وكانت شكوته عبارة عن طلب لعلاج أمه المريضة بالفشل الكلوي ولا يملك ثمن علاجها.
آخرين كثيرين مثله يتقدموا بشكاوى يطلبوا فيها العلاج المجاني على نفقة الدولة، وآخرين يطلبوا فقط صرف العلاج لهم مجاناً، نظراً لغلاء أسعار الدواء.
عدد كبير من النساء، بين مطلقات وأرامل وعائلات لأسرهم، ورجال أقل، جميعهم تقدموا بطلبات للحصول على مسكن، لنيل القدر الأقل من العيش الكريم، والبعض لا يريد مسكن يتملكه، فقط يريد سكن بإيجار زهيد وكتب في شكواه ''خفض سعر الإيجارات ياريس عشان نعرف ندفع''، والغريب في الأمر أن طلبات العلاج أو المسكن غالبيتهم يتشابه، جميعهم لم يحددوا مساحة أو مكان السكن، ايضاً جميعهم لديهم أسر عددها يزيد عن الخمسة أفراد، وغالبيتهم عمال يومية بين أرزقية وسريحة.
ليسوا شباباً، فمعظمهم بدأ عقده الرابع، وقليلين منهم هم من دون الثلاثين عاماً، لكنهم قرروا طلب الحصول على عمل ثابت من رئيس الدولة محمد مرسي، بين أنصاف متعلمين وأميين يتقدم العشرات رجالاً ونساءً بطلبات للحصول على عمل، بعضهم طلب عقود في الخارج، خاصة الدول العربية.
وكان الملفت للنظر أن أغلب من يتقدموا بشكاوى هم مغتربين، من محافظات شتى وليسوا من قاطني القاهرة، وايضاً غالبية المتواجدين نساء، فهم يفوقوا الرجال ضعفين العدد تقريباً، ايضاً تعددت مظالم أخرى يتقدم بها المواطنين، ولكن ليس عليها إجماع، فمثلاً السيدة ''أم عادل'' تتقدم بشكوى للرئيس حول إبنها المسجون في سجن طرة على بتهمة السرقة منذ أوائل 2007، ولم يخرج بعد نصف المدة والتي إنقضت منذ قرابة العام ونصف، رغم حسن سيره وسلوكة داخل السجن –على حد قولها-، رغم خروج عدد كبير من زملائه في الفترات السابقة.
مظلمة من المظالم
شاب في أوائل العشرينيات، أرهقه العرق، يستظل بشجرة يجلس تحتها القرفصاء ويكتب مظلمته، والتي دارت حول تظلمه من ديوان المظالم، وكتب نصاً ''دقيقة الشكوى مظلمة في حد ذاتها''، حيث أنه تفاجأ حين قرر الإبلاغ عن شكواه عبر الهاتف أن سعر الدقيقة لديوان المظالم تساوي ثلاث جنيهات، فقرر التنازل عن شكواه والتقدم بشكوى ضد الديوان ذاته .
فيديو قد يعجبك: