إعلان

مراسل مصراوي شاهدا على إهانة الجيش لمعتقلي مجلس الوزراء

08:48 م الأحد 18 ديسمبر 2011

مأساة عاشها ويرويها - سامي مجدي:

كانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية عشر والنصف ظهرا عندما وصلت إلى الحاجز الذي أقامته قوات الجيش عند أول مبنى مجلس الوزراء في شارع القصر العيني، وبمجرد وصولي وجدت بعض شباب المنطقة يهرولون وراء أحد الشباب الآخرين وأمسكوا به وسلموه لأحد ضباط الجيش (رائد مظلات)، فأخرجت على الفور الكاميرا وبدأت أسجل المشهد وما هي إلا لحظات حتى هجم عليّ أحد الأشخاص بملابس مدنية - أعتقد أنه تابع للقوات الأمن لأنه دخل معنا - وأمسك الكاميرا وحاول انتزاعها مني وهو يصيح بأعلى صوته ''ده معاهم ياباشا وبيصور..''.

عاد الضابط ومعه أحد الجنود وأمسك بي رغم أني أبرزت جواز السفر وبطاقتي الصحفية؛ فاستسلمت ومشيت معه بإرادتي بعد أن أخذ الكاميرا وامسكني من ''قفاي'' في يده اليمنى وكان الشخص الآخر في اليسرى. أحاط بي بضعة جنود من قوات الجيش ''الصاعقة'' واقتادوني إلى مقر مجلس الوزراء وهم يسبونني والشخص الذي معي، وحاول أحدهم ضربي بهرواة كانت معه إلا أن الضابط منعه.

دخلت مجلس الوزراء ووجدت آثار الاشتباكات والطوب والزجاج المحطم وأخذ الضابط يقول لي ''شوف.. شوف'' يشتم المتظاهرين و''يسب لهم الدين''، ساقني الجنود والشاب الذي معي إلى حديقة الموجودة في منتصف المجلس وما أن وقع نظري على المعتقلين الآخرين الموجودين حتى هالني منظرهم الإصابات التي بهم.

نادى ''رائد المظلات'' على أحد المجندين وطلب منه بطانية وفرشها وأجلسنا عليها أنا والشاب الذي امتقع وجهه وبدى عليه الرعب، وفي نفس الوقت كانوا قد اختطفوا أحد الشباب - لم يتجاوز عمره 16 سنة - إلا أن هذا انضم إلى الفريق الآخر الذين كانوا 26 معتقلا، في أسوأ حال، وبعضهم قضى ليلته مكانه في العراء بحديقة مجلس الوزراء، كما قالي لي أحد المجندين.

بعد أن جلسنا وطلب منا أحد أفراد الجيش الهواتف المحمولة وأخرج منها الـ ''SIM cards'' وأعطاها لنا، وعندما عرف أني صحفي أخذ يسب ويلعن في الصحافيين والقنوات التليفزيونية، ولما حاولت مناقشته نهرني وقال محذرا ''لو فتحت بقك هامرمط بيك الأرض''.

جلست صامتا أرقب ما يجري حولي وكان بجواري عشرات من جنود الجيش وعلى مقربة منا بعض أفراد الأمن المركزي – لم يتدخلوا في الأحداث، كانوا فقط يراقبون -، وفي كل مرة يدخل ''رائد المظلات'' بأحد المعتقلين ينادي عليّ ويشير إلى المعتقل شابا كان أم طفلا ويقول ''هما دول الشعب.. دول (لفظ بذئ)'' بينما جندي أو جنديين ورائه بهراواتهم ينهالون على المعتقل ضربا، أشفقت على هؤلاء الأشخاص وحاولت إفهامه أن هذا ضد حقوق الإنسان وأن يعامله كإنسان قبل أن ''يكون بلطجي أو مجرم'' كما يقول، وأن الأساس أن يحيله إلى النيابة وهي التي تقرر إن كان مذنبا أم بريئا.

بقى الوضع هكذا، الضابط يأتي بأحد المعتقلين ووراءه جنوده يوسعونه ضربا، ويشير إلي ''هما دول الشعب..''، ومن بين المعتقلين طفلين أعمارهما تتراوح بين 8 و 14 سنة، وبقيا بعيدا عن المقبوض عليهم الآخرين.

بعد نحو ساعة من احتجازنا انضم إلينا صحفي زميل في اليوم السابع قال إنه يستعد لحفل زفافه بعد ثلاثة أشهر، وبعده ثلاثة آخرين بينهم صحفي ياباني، وهؤلاء جلسوا معنا، وفُعل معم ما تم معي من أخذ الموبايلات والكاميرات وبطاقات الهوية. وبقوا معنا لأكثر من ساعتين وخرجوا قبلنا بنحو نصف ساعة.

كان التعامل وحشيا وبشعا مع مجموعة ''البلطجية''، كما كانوا يسمونهم، وأغلبهم كان مصابا بجروح في رأسه. ولن أنسى الرجل الذي لا يقل عمره بأي حال من الأحوال عن 45 سنة وهو يجلس في آخر المجموعة والجرح برأسه بلا غيار، وأمامه قطن وشاش وبيتادين، ويريد أحد ليغير له على الجرح، ولا أحد يقدر على الاقتراب منه.

قبل إطلاق سراحنا بما يقرب من ساعة، أخذنا الضابط بعيدا عن المعتقلين الآخرين ''مجموعة البلطجية''، وبعدها بدأت ما يسمى ''الحفلة'' ورأيت أحد الجنود يقطع لافتة قماش ويقيد بها أحد المعتقلين من الخلف وهو راكع أمامه ويصرخ وعات صرخات الباقين، فحاولت أن أقترب لأرى ما يصنع بهم إلا أن أحد الجنود منعني وقال لي ''مالك شانت دعوة دول''.

حاولت أن أفهم الضابط والجنود بأن ما يفعلونه ضد حقوق الإنسان حتى وإن كانوا مذنبين مرة أخرى، فقال أحد الضباط إنهم أطلقوا سراح العشرات من المعتقلين بالأمس (يوم الجمعة) إلا أنهم عادوا وقذفوهم بالحجارة مرة أخرى، فقلت لهم ''كان يجب أن تحيلهم للنيابة وتطبق القانون عليهم طالما أنهم بلطجية ومخربون كما تؤكد، لا أن تتركهم مرة أخرى''.

الجنود الذين تحدثت إليهم بعضهم مقتنع تماما بما يفعله والضباط كذلك، ويرون أنهم يؤدون مهمتهم في الحفاظ على المباني والمنشآت العامة، وعندما سألتهم عن الأشخاص الذين اعتلوا سطح مبنى الهيئة العامة للطرق والكباري، غيروا الموضوع وقالو إن ''الاشتباكات كانت بين أهالي المنطقة والمعتصمين، والجيش لم يتدخل''.

كانت قطع البلاط والطوب والحجارة تملئ مدخل مجلس الوزراء والساحة الداخلية، ورأيت الفتحة في السور، والتي أغلقوها بالأسمنت، والزجاج المكسور. طلبت من الضابط أن أصور ما حل بالمبنى من الداخل ورؤية المجندين الذي قال إنهم أصيبوا إلا أنه رفض بشدة وقال ''ليس مصرح لي بذلك''.

بعد أكثر من أربع ساعات أعطونا بطاقات الهوية والموبايلات والكاميرات بعد أن أفرغوها من الصور والفيديوهات التي تحتويها، وأطلقوا سراحنا، وفي طريق الخروج رأيت أحد الضباط يتحدث مع إحدى الناشطات التي كانت تبكي بشدة.

بعد أن خرجت وجدت عربات القمامة واللوادر ترفع آثار الاشتباكات والطوب سيارة نقل ثقيل تابعة للجيش محملة بـ ''البلوكات'' لسد الشارع وعزل المتظاهرين عن الأمن، طلبت من الضابط أن يتركني أصور عمليات التنظيف، فوافق بعد استئذان أحد ضباط الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة، وبدأت أصور وفوجئت بأحد العاملين يمسك بحقنة مضاد حيوي وسيرنجات بقايا آثار العيادة الطبية التي كانت موجودة في الاعتصام، ويشير إليها على أنها ''حقن تعاطي المواد المخدرة''، فقلت له ''دي انتي بيوتك ومكتوب عليها كده.. وكان فيه هنا عيادة طبية فيها أدوية''، فرد ''لأ لأ.. انتش مفتش حاجة''.

صورت عدة مقاطع فيديو وعشرات الصور وأنا خارج وشى بي أحد أمناء الشرطة عند ضابط المظلات وقال ''كان بيصور الباشا وهو قابض على الواد''، فأحد الضابط الكاميرا مرة أخرى ومسح كافة الصور التي بها أي فرد جيش.

شيء آخر أريد أن أوضحه هو أن هذه هي ثاني مرة أعتقل فيها، إلا أن المرة الأولى كانت ظهر يوم 29 يناير على أيدي أمن الدولة السابق، الذي أوسعوني ضربا متواصلا على مدى 14 ساعة، خرجت بعدها مشوه الوجه ومصاب بإصابات جسيمة بالرأس وعشرات الخرطوش في رأسي، وهذا كان شيئا عاديا من قبل أمن الدولة، لكن ما حز بي أن هذه المرة كانت على على أيدي قوات جيشنا المصري الذي كنت أتمنى أن أخدم فيه إلا انه لم يصبني الدور، وإحقاقا للحق لم يتعدى الضابط وجنوده علي جسديا، إنما كان الاعتداء وحشيا على المعتقلين الآخرين ممن يطلقون عليهم ''بلطجية''، دون إحالتهم للنيابة.

اقرأ أيضا:

حرائق القاهرة

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان