لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

ميلاد جديد للبشرية

12:40 م الأحد 09 أكتوبر 2011

بقلم: د. أيمن الجندى

النور، والرضا والسرور، وقبلات الضياء تتسلل لنا بين الغصون. تضحك لنا الشمس بثغرها الذهبى، فنعرف أن الليل المُوحش قد رحل، ورحلت معه المردة والجن والشياطين. تتدحرج الشمس على صفحة الأفق، فنخرج من أكواخنا التى صنعناها من غصون الأشجار وعسف النخيل. نستقبل النهار بفرحة وسرور. ننفق اليوم فى الغناء، نستحم فى الغدير، ننثر الماء على بعضنا البعض، نضحك كما الأطفال، وإذا شعرنا بالجوع نمد أيدينا إلى الثمار المتدلية من الغصون، وحين يقترب الغروب، وتتثاءب الشمس معلنة رغبتها فى النوم، نجلس فى هدوء نتأمل الألوان الجليلة على صفحة النهر، ثم نتسلل رويداً إلى أكواخنا الصغيرة، قبل أن تهبط الشياطين لتحتل وجه الأرض، نتهامس قليلاً على أسرتنا المصنوعة من ورق الشجر، توطئة لأن ننام.

وفى ليالى البدر، حين يكتمل القمر ويستدير، ويرسل أشعته الفضية على صفحة الكون، وبكيميائه الغامضة تتحول الأحجار إلى لآلئ، والرمال إلى ذهب، وظهورنا العارية إلى فضة خالصة. نرقص للقمر، للحب، للخصوبة، للقوى الغامضة التى تحكم العالم! نمارس الحب فى حفل عشق جماعى، وتُنسب الذرية إلى الجميع.

هذه حياتنا كما عشناها، وكما عاشها آباؤنا وأجدادنا، وأجداد أجداد أجدادنا، قبل أن يدهمنا الحدث الجليل. كنا قد اعتدنا - من حين لآخر - أن تهبط علينا من الغابات المجاورة كائنات مفترسة، قد عضها الجوع. هذه الوحوش لا تأكل ثمار الفاكهة مثلنا، لذلك تطبق بفكها على من تريده منا، ثم تجره وسط صراخه وصمتنا، إلى حيث لا نعلم ولا نريد أن نعلم. نرمقه فى هدوء ووجوم، وحين يختفى ننساه تماما ونعاود الغناء.

لكن بالأمس، حين جاء الوحش، غاضبا كالشياطين، وجر «تا» من وسطنا، فوجئنا بشىء لم يحدث من قبل، وليست له أى سابقة عندنا، وجدنا «سا» الفتاة ذات الغدائر المجدولة والقوام البرونزى السمهرى، التى مارست معه الحب فى ليلة القمر، تصطرخنا كى ننقذه من فك الوحش العظيم.

نظرنا إليها فى دهشة، مستغربين من مجرد الفكرة، وفجأة حدث ما لم يحدث من قبل، حينما يئست منا، انحنت فجأة وأمسكت حجرا من الأحجار الضخمة الملقاة على ضفاف النهر، وحجرت نحو الوحش حتى أصبحت أمامه مباشرة، وبشجاعة مذهلة صوّبت الحجر إلى عينه الحمراء التى تسكنها الشياطين.

صرخ الوحش وجرى مبتعداً، تاركاً «تا» غير مصدق بالنجاة، ونحن فى غاية من الدهشة والذهول والاضطراب.

منذ ذلك الحين تغيرت أحوالنا تماماً، لم تعد «سا» مُشاعة لذكور القبيلة كما تعودنا من قبل، وإنما سكنت كوخاً منعزلاً مع «تا»، وأصبح أطفالهما ينسبون إليهما، لا إلى الجميع. كنا نشاهدهما بعين الدهشة، وقد أوى «تا» إلى «سا»، وافترشت «سا» صدر «تا»، تلمع عيونهما ببريق غامض، سميناه «الحب».

هذا الحب، الجوهر السحرى الذى امتدت عدواه فجأة إلى الجميع! سكنت كل أنثى إلى ذكر واحد، واستقلت معه بكوخ منفرد! هذا الحب جعل ذكور القبيلة يتدربون على قذف الحجارة، ويتعاهدون على الوقوف جميعا فى مواجهة الوحوش. هذا الحب الذى جعلنا نفهم أن حياتنا أكبر من مجرد رقص وجمع ثمار وممارسة الحب الجماعى فى ليلة البدر. أحدنا رسم «سا» وهى تقذف بالحجر، ليخلد الذكرى على جدران الكهف، والثانى نظم أغنية شدونا بها فى ليلة البدر، والثالث روى الحكاية للأطفال المجتمعين، والرابع استأنس الحيوانات لزوم الحياة المستقرة، والخامس زرع الحقل من أجل طعام الأطفال.

وهكذا بدأنا بالحب متوالية لا نهاية لها، وعرفنا أن حياتنا لن تعود كسابق عهدها بعد ذلك الحدث الجليل.

اقرأ أيضا: 

النبطى

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان