حوار| خبير اقتصادي: معاناة المصريين من الأزمة الاقتصادية لن تنتهي في 2017
كتب: عبدالقادر رمضان
قال عمر الشنيطي، الخبير الاقتصادي، والمدير التنفيذي لمجموعة مالتيبلز للاستثمار، إن برنامج الإصلاح الحكومي، لم يأخذ في اعتباره الآثار التضخمية التي ستنتج عنه بشكل متكامل.
وأضاف في مقابلة مع مصراوي، أن الإسراع في إنعاش التصنيع والتصدير وإتاحة التمويل البنكي الرخيص للمستثمرين، هو السبيل الوحيد للسيطرة على الأسعار، وزيادة معدل النمو الاقتصادي.
وبدأت الحكومة تنفيذ برنامجا للإصلاح الاقتصادي في الشهور الأخيرة من العام الماضي شمل تحرير سعر صرف الجنيه وزيادة أسعار المواد البترولية، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة.
المستثمر الأجنبي يخاف يدخل بلد التضخم فيها فوق 30%
وقال الشنيطي إن " البرنامج الإصلاحي لم يأخذ في اعتباراته الآثار التراكمية للتضخم الذي سينشأ عنها بشكل متكامل، وأن هذا التضخم "سيقتل" القدرة الشرائية للناس، ويهبط بنسبة كبيرة من المواطنين تحت خط الفقر، وبالتالي يضعف الاستهلاك المحلي المحفز الأساسي للنمو الاقتصادي".
وأضاف أن برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تنفذه مصر بالاتفاق مع صندوق النقد أدخل البلاد في حالة "ركود تضخمي سيستمر على الأقل سنتين أو ثلاثة".
وقال إن معاناة المصريين من أثار التضخم لن تنتهى خلال العام الجاري بسبب "المشكلات التي تعاني منها مصادر نمو البلاد مثل السياحة والاستثمار المحلي أو الأجنبي، والتي لا تبشر بخروج سريع من الأزمة الاقتصادية، خاصة في ظل هذه المعدلات المرتفعة من التضخم".
وأضاف الشنيطي أنه "لا أحد يختلف على أن مصر كانت في حاجة لبرنامج إصلاح اقتصادي، خاصة بعدما وصلت عملتها لمرحلة الانصهار وليس مجرد التراجع، بل إن الإصلاح تأخر جدا، لكن المشكلة في تزامن الإجراءات، وطريقة اتخاذها، وعدم الانتباه لتأثيره على التضخم، وعدم حل مشكلة القروض والاعتمادات المستندية القائمة على الشركات قبل التعويم".
"علاقتنا بصندوق النقد ستكون طويلة وكلها عقبات"
وكان معدل النمو الاقتصادي تراجع في الربع الثاني من العام المالي الجاري (أكتوبر-ديسمبر) إلى 3.8% من 4% في نفس الفترة من العام الماضي، بسبب تراجع الاستهلاك المحلي بشكل أساسي، وتحسن معدل النمو بشكل طفيف في الربع الثالث ليسجل 3.9% مقابل 3.6% في نفس الفترة من العام الماضي.
ويمثل الاستهلاك نحو 80% من الناتج المحلي الإجمالي في مصر وفقا لبنك استثمار برايم.
وفقد الجنيه أكثر من نصف قيمته عقب تحرير سعر الصرف في نوفمبر الماضي، وهو ما ساهم في موجة ارتفاع حادة لأسعار السلع والخدمات المستوردة والمحلية.
وسجل معدل التضخم السنوي في إجمالي الجمهورية 32.9% في أبريل الماضي، وهو أعلى مستوى يسجله منذ عقود، لكن على أساس شهري بدأ معدل التضخم في الانخفاض خلال الشهور الثلاثة الأخيرة، بعدما بلغ ذروته في نوفمبر الماضي بالتزامن مع تعويم الجنيه.
"إنك تبقى عامل برنامج إصلاح متوقع فيه تضخم عند مستوى معين، وبعد كام شهر يصل التضخم لضعف ضعف هذا المستوى، هذه فجوة كبيرة جدا" يقول الشنيطي.
وأثار الارتفاع الكبير في معدلات التضخم مخاوف صندوق النقد الذي أبرمت معه اتفاقا في نوفمبر الماضي من أجل دعم برنامجها لإصلاح الاقتصاد بقرض قيمته 12 مليار دولار تحصل عليه خلال 3 سنوات.
وقال جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط بصندوق النقد الدولي، في مقابلة مع وكالة رويترز، في وقت سابق من هذا الشهر، إن "خفض معدل التضخم في مصر الذي ارتفع لأعلى مستوياته في ثلاثة عقود ضروري لإبقاء برنامج الإصلاح الاقتصادي بالبلاد على المسار الصحيح وتقليص عجز الموازنة".
وكان تحرير سعر الصرف وخفض الإنفاق الحكومي على الدعم والأجور شروطا أساسية في اتفاق صندوق النقد مع مصر، والتي كانت سببا رئيسيا في ارتفاع الأسعار.
كبح السوق السوداء النجاح الوحيد حتى الآن
وقال الشنيطي إن الحكومة لم تنجح حتى الآن إلا في إلغاء السوق السوداء للدولار، بعد تحرير سعر الصرف.
"الجانب الإيجابي الوحيد من برنامج الإصلاح حتى الآن هو إلغاء السوق السوداء، أنت النهاردة أصبح عندك سعر واحد للعملة، وهذا أمر جيد" يقول الشنيطي.
المستثمرون الأجانب في المحافظ المالية المستفيد الأكبر من التعويم حتى الآن
لكنه أضاف أن "الجانب السلبي في ما حدث أن المركزي لم يلغ السوق السوداء على سعر منخفض 12 أو 13 جنيها، نحن نتحدث عن 18 جنيها، وهذا مستوى أعلى كثيرا من توقعات المركزي وصندوق النقد الدولي".
"الإجراءات الحكومية تسببت في موجة تضخمية عنيفة، أضرت بالقدرة الشرائية للمواطنين، وضربت الاستهلاك المحلي في مقتل..وبدى كأن كل هذه الإجراءات هدفها فقط ضبط سعر الصرف، حتى لو ضحينا بالنمو والاستهلاك واستقرار البلد!".
وقال الشنيطي إن "السؤال هل سعر الصرف حاجة مهمة؟ الإجابة نعم طبعا، لكن هل تستحق كل هذه الإجراءات التي اتخذت وما خلفته من آثار؟ لا أعتقد".
تضخم فوق 30% لن يجذب الاستثمار الأجنبي
وقال الشنيطي إن الحكومة عندما نفذت الإصلاحات الأخيرة كانت تضع عيناها على جذب الاستثمار الأجنبي بعد توحيد سعر الصرف، لكن "الحقيقة المؤلمة أن المستثمر الأجنبي لن يأتي قريبا".
وأضاف أن "تضخم فوق 30% يخوف أي مستثمر من دخول مصر، لأنه عايز يجي ويبيع في السوق المحلي في الأساس، لكن بعد هذا التضخم المرتفع، إزاي الأسرة المصرية هتشتري بهذه الأسعار".
وقال إنه "لأول مرة بنشوف شركات بتصنع سلع أساسية بتتراجع، حتى الذي حافظ منهم على أرقام مبيعاته، فهذا نتيجة لإن السعر زاد، لكن الكمية قلت!".
"في شركات بتبيع أكل مبيعاتها قلت في الستة أشهر الماضية، رغم أنه معروف في مصر أن شركات الأكل مش بتخسر".
الإصلاحات الاقتصادية لم تأخذ في اعتبارها الآثار التضخمية التي ضربت النمو في مقتل
وأضاف الشنيطي "إحنا وصلنا لمرحلة إن في ناس من الطبقة فوق المتوسطة بتقسط الحذاء النايكي مع البنوك، يعني مش عارف يدفع 3 آلاف جنيه كاش".
وقال الشنيطي "ليس صحيحا ما كان يقال أن المستثمر الأجنبي ينتظر على الباب لدخول السوق بمجرد تعويم الجنيه، هذا يصح فقط على المستثمرين في المحافظ المالية والأسهم، وهم أكبر مستفيد حتى الآن، لأنهم يقدروا يخرجوا من الباب في 5 دقائق".
لكن المستثمر الأجنبي طويل الأجل يحتاج إلى بيئة تشريعية ومناخ استثماري جاذب ومشجع، وآلية واضحة لحل المنازعات، واستقرار سياسي وأمني، بحسب الشنيطي.
رفع الفائدة ليس حلا لخفض التضخم
وقال الشنيطي إنه ضد توصية صندوق النقد الدولي لمصر برفع أسعار الفائدة من أجل خفض التضخم، موضحا أن التضخم الحالي ناتج عن زيادة تكلفة الإنتاج والاستيراد بعد انخفاض قيمة الجنيه والإجراءات الاقتصادية الأخرى، وليس عن زيادة في الطلب.
وأضاف أن الفائدة البنكية العالية حاليا غير مشجعة وتمثل عائقا كبيرا أمام الاستثمار المحلي، وأن رفعها سيزيد من إضعاف الطلب والنمو، ولن تحل مشكلة ارتفاع الأسعار.
وكان البنك المركزي رفع أسعار الفائدة 3 نقاط مئوية دفعة واحدة في نفس يوم تعويم الجنيه نوفمبر الماضي من أجل دعم الجنيه والحد من الدولرة.
"ليه أعمل شركة وأدخل في مخاطرة وخناقات علشان الشغل، في الوقت اللي ممكن أخد 20% على الوديعة البنكية، يعني أحط العشرة مليون في البنك أخد عليهم 2 مليون في السنة، أصرف 150 ألف جنيه في الشهر، يعني باشا، أقضي الشتاء في السخنة والصيف في الساحل من غير وجع قلب".
وقال إنه "إذا رفع المركزي سعر الفائدة لن تتغير العوامل التي أدت لرفع الأسعار لأنها لن تخفض الدولار أو الدولار الجمركي، بل على العكس ستقتل الطلب والنمو، وهتزود المعروض النقدي من أجل طباعة الفلوس لتمويل عجز الموازنة الذي سيزيد 20 مليار جنيه مع كل 1% زيادة في الفائدة".
"احنا وصلنا لمرحلة إن شخص من طبقة فوق متوسطة بيقسط حذاء نايكي"
وأشار الشنيطي إلى أن "الخوف دلوقتي إن الحكومة لا تستطيع أن تعترض على الصندوق، لأن ظهرها للحيط، وممكن المركزي يرفع الفائدة استجابة للصندوق حتى لو شايف إنه قرار غير سليم، هيضطر يسمع الكلام ويرفع سعر الفائدة، حتى لو ربع في ربع في نص، مع إنه مش منطقي، واتصور إن المركزي مدرك ده بشكل كبير".
وأضاف أن "صندوق النقد لو أوقف لمصر صرف شريحة من القرض، هتحصل مشكلة، والمستثمرين في المحافظ المالية هيمشوا ونرجع للدولرة تاني".
وقال الشنيطي "علاقتنا بصندوق النقد في تصوري، ستكون علاقة طويلة، وكلها عقبات"
حان وقت إصلاح الاقتصاد الحقيقي
وقال الشنيطي إن الحكومة يجب ان تركز مجهودها حاليا على تنمية الاقتصاد الحقيقي ودعم التصنيع وجذب الاستثمارات، وتسهيل الحصول على التراخيص، وتوفير الأراضي المرفقة، حتى يتحول المستوردون إلى الإنتاج والتصدير، بما يقلل عجز الميزان التجاري، ويوفر العملة الصعبة.
"لا بد من عمل إصلاحات سريعة في الاقتصاد الحقيقي لاستيعاب الصدمة في الأسعار" يقول الشنيطي.
"نحتاج لتشريعات تنمي الصناعة بشكل كبير جدا، وتركز على الصناعات التي لدينا فيها ميزة تنافسية، ونطرح لها أراضي ونساعدها في التراخيص، ونعطيها قروض رخيصة، ونشجع التصدير" .
فيديو قد يعجبك: