بعد التعويم.. هل تُكلف إجراءات الإصلاح البنوك ارتفاعًا في عدد المتعثرين؟
كتب - مصطفى عيد:
اختلفت توقعات مصرفيين بشأن تأثير الأوضاع الاقتصادية الحالية على زيادة معدل القروض المتعثرة من إجمالي محفظة قروض البنوك العاملة في مصر.
يأتي ذلك وسط مخاوف تشهدها الأوساط الاقتصادية من حدوث حالات ركود، مع ارتفاع تكلفة السلع وزيادة معدلات التضخم إثر إصلاحات قامت بها الحكومة مؤخرًا أبرزها تعويم الجنيه، بالإضافة إلى زيادة تكلفة الاقتراض على الجانب الآخر مما قد يزيد من حالة الركود لو أحجم البعض عن الاقتراض.
ووفقًا لبيانات آخر تقارير البنك المركزي، وصلت نسبة القروض غير المنتظمة 5.9 بالمئة من إجمالي القروض في نهاية يونيو 2016 والتي بلغت 937.1 مليار جنيه، وبالتالي تصل حصة هذه القروض إلى 55.3 مليار جنيه.
وانخفض معدل القروض غير المنتظمة خلال أول 6 أشهر من العام الحالي 2016، حيث كانت نسبتها بنهاية ديسمبر 2015 وصلت إلى 6.8 بالمئة من إجمالي القروض.
إصلاح وغلاء
وبدأت الحكومة تطبيق برنامج للإصلاح الاقتصادي بدءًا من السنة المالية الحالية ويستمر لمدة 3 سنوات لإعادة الاقتصاد على الطريق الصحيح بعد المشكلات التي عانى منها خلال السنوات التي تلت ثورة 25 يناير 2011.
وقامت الحكومة بتحرير سعر صرف الجنيه في الثالث من نوفمبر الماضي، كما قامت بتطبيق الضريبة على القيمة المضافة كبديل عن ضريبة المبيعات، إلى جانب استئناف برنامج خفض الدعم على المواد البترولية والذي توقف خلال السنة المالية الماضية، والاستمرار في خفض الدعم أيضًا على الكهرباء.
وسجل معدل التضخم الشهري خلال نوفمبر الماضي 5 بالمئة، كما وصل التضخم على أساس سنوي إلى 20.2 بالمئة مقارنة بنحو 14 بالمئة خلال أكتوبر الماضي، بينما واصل القطاع الخاص غير المنتج للنفط في مصر التراجع بشكل متسارع خلال نفس الشهر، بحسب دراسة لبنك الإمارات دبي الوطني.
واتفقت مصر مع صندوق النقد الدولي في 11 نوفمبر الماضي على الحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار على مدار 3 سنوات في إطار حزمة تمويلية بقيمة 21 مليار دولار لتمويل برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يهدف إلى خفض عجز الموازنة العامة للدولة والدين العام وزيادة معدلات النمو والتشغيل وخفض البطالة وتحسين مستوى المعيشة.
قد ترتفع والبنوك مستعدة
من جانبها، توقعت سهر الدماطي نائب العضو المنتدب والرئيس التنفيذي ببنك الإمارات دبي الوطني مصر، ارتفاع نسبة القروض المتعثرة من إجمالي القروض بشكل ملحوظ في حالة استمرار صعود الدولار أو استمراره على المستويات الحالية في الستة أشهر المقبلة
وقالت الدماطي خلال اتصال هاتفي مع مصراوي، إنه في حالة انخفاض الجنيه خلال الفترة المذكورة، فإنها تتوقع أن تبقى نسبة القروض المتعثرة كما هي أو سترتفع بشكل طفيف، منبهة إلى أنه لا يمكن الحكم خلال الفترة الحالية لأن الفترة التي مرت منذ تعويم الجنيه في 3 نوفمبر مازالت قصيرة للاستنتاج.
وأضافت أن البنوك استعدت لأي زيادة في حالات التعثر بعد تعويم الجنيه، من خلال دراسات واقية قامت بها خلال فبراير الماضي، في ظل التوقعات بخفض سعر الجنيه خلال الفترة التالية، مؤكدة أن هذه الدراسات قامت على التوقع الأسوء بالنسبة لزيادة القروض المتعثرة.
وأشارت الدماطي إلى أن هذه الدراسات شملت كل الجوانب المتعلقة بهذا الموضوع، وتأثير التعويم على العملاء، وأي القطاعات والشركات أكثر تعرضًا من للتعثر، والخطة التي ستتعامل بها البنوك مع هؤلاء العملاء المتأثرين بالتعويم، كما أن هناك دراسات خاصة بكفاية رأس المال ومدى تأثر رأس المال بالقرار.
وأوضحت أنه في حالة استمرار الوضع الحالي سيؤدي ذلك لتراجع مبيعات الشركات بسبب زيادة الأسعار، كما أن هناك شركات ستتأثر بشكل أكبر من أخرى بحسب القطاع، متوقعة أن الأكثر القطاعات تأثرًا ستتمثل في قطاعي الأدوية، والمقاولات - إذا لم يأخذ تحوطه في العقود التي أبرمها لتغيير فرق التكلفة.
ونبهت الدماطي إلى أن الحكومة تقوم حاليًا بعدة تحركات لتخفيف تأثير ارتفاع العملة على القطاعين خاصة قطاع الأدوية، حيث يتم التفاوض بشأن رفع سعر بعض الأنواع، بالإضافة إلى اتجاه الحكومة لصرف تعويضات لشركات المقاولات عن فارق التكلفة في المشروعات التي تقوم بتنفيذها للدولة.
لن ترتفع
وتوقعت لميس نجم نائب رئيس سيتي بنك في القاهرة، ألا تتأثر نسبة القروض المتعثرة بعد الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة في الفترة الأخيرة.
وقالت نجم خلال اتصال هاتفي مع مصراوي، إنه لن ينتج ركود عن هذه الإجراءات، وأن زيادة أسعار السلع يتحملها المستهلك في النهاية، ومع ذلك فالشركات والمحلات تقوم ببيع البضائع التي تتاجر فيها، وبالتالي لا تتأثر الشركات بهذه الإجراءات سواء من ناحية إيراداتها أو قدرتها على سداد القروض.
وأضافت: "بنشتكي إن السيارات زادت وبنروح نشتري سيارات.. المحلات بتخلص البضائع التي لديها.. اذهب للمحلات وشاهد ما يحدث بها"، منوهة بأن الشركات التي عليها قروض بالعملات الأجنبية ستعوض فارق سعر العملة بعد تعويم الجنيه عبر فارق أسعار البضائع التي تبيعها والتي لن يقل الطلب عليها رغم زيادة أسعارها.
سترتفع وتأثيرها سيكون على الأرباح
ومن ناحيته، أوضح أحمد آدم الخبير المصرفي، أنه لا يتوقع حدوث تعثر لأصحاب القروض بالعملات الأجنبية، لأن البنك المركزي يشترط على البنوك أن يكون هناك موارد للعملة الأجنبية للمقترض حتى يتم منحه القرض، وبالتالي يكون لديه القدرة على السداد.
وأكد آدم خلال اتصال مع مصراوي، أن هناك حالة ركود في الأسواق حتى من قبل الإجراءات الإصلاحية الأخيرة، حيث لجأ بعض أصحاب المصانع في ظل المناخ الاقتصادي خلال الفترة الماضية بتصفية أعماله وإيداع أمواله في البنوك بعد معدلات الفائدة المرتفعة التي شهدتها البنوك في الشهور الأخيرة.
ولفت إلى أن الارتفاع الكبير الذي حدث في أسعار الفائدة بعد قرار تحرير سعر الصرف، رفعت تكلفة الاقتراض على المستثمرين بشكل يجعلهم يحجمون عنه حيث تصل العائد على الاقتراض حاليًا مع بين 20 و25 بالمئة، وهو ما يزيد من حالة الركود في البلاد ومن احتمال تعرض المزيد من المقترضين للتعثر في السداد.
ونبه آدم إلى أن قطاع الإسكان قد يواجه مشاكل كبيرة بسبب انتشار حركات البيع بالأجل في الفترة الأخيرة من الشركات العقارية، وبالتالي احتمالية وجود حالات تعثر جديدة بين هذه الشركات كبيرة، متوقعًا أن ترتفع نسبة القروض غير المنتظمة من 5.9 بالمئة من إجمالي القروض بنهاية يونيو إلى ما بين 8 - 10 بالمئة خلال الفترة المقبلة.
وقال إن تأثير زيادة القروض المتعثرة يتمثل في تجنيب جزء من إيراداتها كمخصصات لمواجهة احتمالية هذا النوع من القروض، وبالتالي يتأثر صافي أرباح البنوك في النهاية.
وأكد آدم أن البنوك متحوطة لحدوث مثل هذه الأمور، وتقوم بالحصول على ضمانات كافية قبل الإقراض للاستفادة منها في حالة التعثر، متوقعًا ألا يكون أغلب القروض الجديدة كبيرًا.
وتوقع أن تزيد مخصصات البنوك إلى ما بين 80 و85 مليار جنيه بنهاية مارس 2017 مقارنة بنحو 69.4 مليار جنيه بنهاية أغسطس الماضي، منبهًا إلى أن البنوك تقوم كل فترة بإعدام جزء من القروض الرديئة للتخلص وتجويد محفظتها الائتمانية.
فيديو قد يعجبك: