اقتصاديون عن "الجمعة البيضاء": إقبال مُكثف على عروض وهمية ومبيعات كبيرة
تقرير - أحمد عمار:
"ازدحام غير مسبوق" هو المشهد الذي سيطر على يوم "الجمعة البيضاء" في مصر أو ما يعرف عالميًا بالـ"الجمعة السوداء"، حيث شهدت المولات والمراكز التجارية، إقبالًا كبيرًا من جانب الأفراد، وصفه مراقبون بأنه لم يحدث من قبل.
ويعود أصل "الجمعة السوداء" إلى الولايات المتحدة، ويأتي لليوم التالي لعيد الشكر في الولايات المتحدة والذي يوافق الخميس الرابع من شهر نوفمبر، حيث تقوم أغلب المتاجر بتقديم عروض وخصومات كبيرة.
وانتقلت هذه العادة إلى العديد من الدول العربية حديثًا ومنها مصر، ولكن تم تحويل الاسم إلى "الجمعة البيضاء".
وقام مصراوي باستطلاع رأي مراقبين في السوق، حول سبب الإقبال الكبير الذي حدث أمس الجمعة على المراكز التجارية، وهل كان الدافع الأكبر هو اشتعال أسعار السلع وبحث الأفراد عن أي فرصة للخصومات والتي تصل في هذا اليوم إلى 50 بالمئة، وماذا يعني للسوق المصري الذي يعاني من تراجع القوى الشرائية بفعل جنون الأسعار.
وفي أخر تقييم للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، سجل التضخم السنوي 14 بالمئة لشهر أكتوبر 2016 مقارنة بشهر أكتوبر 2015، متراجعًا من 14.6 بالمئة في سبتمبر 2016.
الرأسمالية
من جانبه، اعتبر مصطفى نمرة اقتصادي وخبير أسواق المال، أن قفزة الأسعار التي حدثت خلال الفترة الأخيرة يعد "جزء صغير" من أحد الأسباب التي أدت إلى إقبال كبير على المولات والمحال في يوم "الجمعة البيضاء"، والتي من ممكن وصفها بأنها الأعلى في تاريخ مصر.
واستعرض مصطفى نمرة - خلال حديثه مع مصراوي - العديد من الأسباب التي أدت إلى وجود إقبال كثيف يوم "الجمعة البيضاء".
وقال " لا أستطيع ربط ازدحام أمس بوضع اقتصادي معين أو طريقة تفكير، حيث أن التخفيضات الكبيرة مركزة في يوم واحد فقط وتحدث في عديد من دول العالم خصوصًا الولايات المتحدة صاحبة الفكرة ومع ذلك لديهم إقبال وإزدحام أعلى من مصر قد يصل لدرجة الشغب وهم بلاد غنية جدًا".
وأضاف "لا أختلف مع رأي أن قفزة الأسعار هي أحد أسباب الازدحام الذي تم مشاهدته أمس.. الغلاء الذي حدث دفع الأفراد إلى البحث عن أي فرص لأسعار أرخص.. ولكن هذا يعد وجه صغير ضمن أحد الأسباب التي أدت إلى هذا الازدحام.. ولكن لو لم يحدث غلاء أو كان التضخم أقل من مستوياته كان أيضًا سيكون هناك إزدحام لافرق".
وشهدت أسعار العديد من السلع ارتفاعًا كبيرًا خلال الفترة الأخيرة، بفعل ارتفاع سعر الدولار سواء قبل التعويم أو بعده، ويأتي ذلك في الوقت الذي تستورد فيه مصر أكثر من 70 بالمئة من احتياجاتها.. للإطلاع على نسب ارتفاع الأسعار خلال أكتوبر الماضي وفقًا للاحصاء اضغط هنا
ويرى الخبير الاقتصادي "أن الازدحام حدث بسبب أن الأفراد في مصر تعرفوا على فكرة (الجمعة السوداء) وأصبح هناك اهتمام بها مقارنة بالسنوات السابقة التي لم يكن أحد يعرف عنها شئ.. مثل عيد الهالوين لو تم مقارنته منذ 3 سنوات لم يكن يعرفه أحد في مصر حاليًا كل المدارس الخاصة تقريبًا تحتفل به.. فالأفراد في مصر أصبح لديهم معرفة بشكل أكبر على التخفيضات وحجمها".
وتابع" ماحدث أمس يعبر عن نموذج الرأسمالية وفكرة الاستهلاك التي اتزرعت داخل الشخصية المصرية بعمق وتظهر بشكل قوي في مثل هذه الأيام"، متسائلًا "هل من المنطق أن يحصل هذا الازدحام وإرهاق النفس يوم كامل من أجل توفير 50 أو 100 جنيه وفي الغالب في منتج لايريده بشكل كبير.. ولذلك أرى ماحدث وجه من أوجه الرأسمالية وفكرة الاستهلاك التي أصبحت مسيطرة على الشخصية المصرية".
الانهزامية
كما يرى خبير سوق المال "أن ما حدث أيضًا مرتبط بما يطلق عليه الثقافة الانهزامية، قائلًا "دائمًا الدول التي يكون لديها هزيمة ثقافية وتفقد الثقة في أنفسهم.. يذهبوا إلى تقليد أفكار من ثقافات أخرى خصوصًا المهيمنة كثقافة الولايات المتحدة".
وقال "ماحدث ليس مرتبط بشكل مباشر بالغلاء.. الأماكن المزدحمة لم تكن (شعبية) ولكنها مولات فخمة جدًا والتي تستهدفها بشكل أكبر الطبقة العليا من الطبقة المتوسطة .. فلا أعتقد أن من ذهب فقراء المصريين .. الطبقة المتوسطة في مصر تعاني من الغلاء بكل تأكيد أحد الدوافع البحث عن أسعار أرخص، ولكنه مجرد عنصر من ضمن لستة طويلة من العناصر معظمها مرتبط بثقافة الاستهلاك".
تخفيضات وهمية
وعن وجود تخفيضات وهمية، أكد مصطفى نمرة " أنه بالفعل كانت هناك تخفيضات وهمية بشكل مبالغ فيه.. لم تكن التخفيضات الكبيرة التي كانت تتخيلها الأفراد"، مؤكدًا "بالعكس بدأ يحدث رفع لبعض أسعار المنتجات قبل الجمعة بأيام أو أسبوع وبعد ذلك نزلوه".
وكان حذر جهاز حماية المستهلك، المواطنين من العروض الوهمية لـ ''الجمعة السوداء''، منوهًا إلى أنه تلقى العديد من الشكاوى من عروض وهمية تعرف باسم (Black Sunday) أو (Black Friday) أو (White Friday)، حيث تلاحظ مؤخراً وجود إعلانات صادرة عن بعض السلاسل والمحال تشير إلى تخفيضات وخصومات على المنتجات تحت مسمى الجمعة الأسود (بلاك فراي دايز).
وأكد حماية المستهلك أنه بالرجوع إلى قطاع التجارة الداخلية بوزارة التموين المسئول عن منح التراخيص بإجراء الأوكازيونات التي تتضمن التخفيضات والخصومات اتضح عدم صدور أي تصاريح أو الموافقة على عروض خلال الفترة الحالية.
وأشار الجهاز إلى أن إدارة التحريات بالجهاز رصدت قيام بعض السلاسل والمحالات التجارية بتطبيق هذه السياسة بعمل خصم وهمي حيث تقوم برفع أسعار المنتجات عن السعر الحقيقي ثم تقوم بعمل خصم عن المعلن عنه بهدف إدخال خلط وخداع للمستهلك.
مبيعات كبيرة
وأكد "نمرة"، أنه على الرغم من التخفيضات الوهمية وارتفاع الأسعار، حدث مبيعات كبيرة، قائلًا " من خلال تجربتي أمس هناك أرفف فضيت تمامًا .. الأمر الذي يصب بشكل أكبر في خانة تأثير ثقافي ليس مرتبط بالأسعار".
وتسائل "هل كل الأفراد في المولات لم يكن لديهم ملابس.. لا طبعًا.. الأفراد في مصر أصبحو استهلاكيين بشكل كبير .. نشتري حاجات أكثر بكثير جدًا من احتاجاتنا.. فالموضوع مرتبط بالثقافة أكبر من الأسعار".
دولة استهلاكية
وعن تأثير ذلك على السوق، قال مصطفى نمرة "هناك طبقة في مصر عددها كبير جدًا مقارنة بدول أخرى لديها قوى شرائية واستهلاكية ضخمة تمثل نحو أقل من 20 بالمئة من المصريين تأثرت سلبًا جدًا منذ الثورة.. كما تأترت بشكل أكبر هذا العام وانكمشت على نفسها بسبب غلاء الأسعار.. وعلى الرغم من ذلك مازال هناك طاقة استهلاكية كبيرة في مصر يخلقوا سوق ضخم جدًا.. فمصر لو فيها 6 أو 7 مليون بيستهلكوا هو سوق ضخم للغاية".
وأضاف "مصر دول استهلاكية كبيرة بكل تأكيد.. تعداد السكان وصل إلى 100 مليون شخص.. لو افترضنا أن منهم 5 بالمئة فقط أغنية.. أي 5 مليون مواطن وهو تعداد ضعف بعض الدول العربية الثرية.. ولذلك نجد ضخ استثمارات إماراتية في إنشاء أكبر مول بالشرق الأوسط في مصر، الأمر الذي يدل أن المستثمر لديه اقتناع أن هناك طبقة في مصر عددهم كبير جدًا لديهم قوى شرائية واستهلاكية ضخمة.. فهو لن يرمي أمواله".
وكان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أعلن أن عدد سكان مصر بالداخل بلغ (92 مليون نسمة) مساء يوم الخميس الماضي.
غلاء الأسعار
بينما على الطرف الآخرى، يرى يحيى زنانيري عضو غرفة الملابس الجاهزة باتحاد الصناعات المصرية، أن السبب الرئيسي في الازدحام الذي حصل يوم "الجمعة البيضاء" يرجع إلى ارتفاع الأسعار خصوصًا الملابس الشتوية التي أصبحت تفوق قدرات الأفراد.
وأوضح يحيى زنانيري - خلال اتصال هاتفي مع مصراوي - أن أسعار الملابس الشتوي ارتفعت بنسب ما بين 50 و 60 بالمئة نتيجة ارتفاع أسعار الأقمشة، بفعل ارتفاع سعر الدولار.
وقال " ازدحام أمس يرجع لسبب بسيط أن أسعار الملابس الشتوية في المحالات أصحبت مرتفعة بشكل أكبر من قدارت الجمهور المصري، الأمر الذي جعل الأفراد يتصورون أنه سيكون هناك خصومات قد تحدث، ولكن حدث العكس".
وأضاف "خصومات الجمعة البيضاء لم تكن تحت الرقابة.. ولذلك من الممكن أن يكون هناك تلاعب كعرض بضاعة راكدة للتخلص منها بالإضافة إلى خصومات غير حقيقية".
وتابع "خصومات المحل قد يكون 30 بالمئة وبسبب عدم وجود رقابة يكتب 50 بالمئة من أجل أن يوهم الأفراد".
وعن رؤية البعض أن ما حدث الأمس يدل على قوة استهلاكية تساعد على تحريك الأسواق، يرى زنانيري "ما حدث أمس هو أمر عادي لا يدل على أي شئ، مؤكدًا أنه لن يتسبب في تحريك السوق الذي يعاني من ركود كبير خلال الفترة الأخيرة.
فيديو قد يعجبك: