إعلان

3 أعوام لتحسين أحوال المصريين.. "سنوات عجاف ومخاطر وضوء في نهاية النفق"

10:43 ص الخميس 27 أكتوبر 2016

تقرير - مصطفى عيد وإيمان منصور:

"الحكومة بتتكلم عن إن لازم يكون فيه تقشف، يعني عايزينا نعمل إيه أكتر من كدا نموت نفسنا" هكذا تحدث العم محمود القاطن بإحدى المناطق الشعبية بالجيزة الذي يبلغ من العمر 64 عامًا ومحال على المعاش الذي وصل إلى 1000 جنيه حاليًا، ويعد العائل الرئيسي لأسرة مكونة من 7 أفراد يعيشون في شقة إيجارها يصل إلى 500 جنيه شهريًا.

ويتحدث العم محمود بلسان حال فئة كبيرة من الشعب المصري الذي عانى في فترة ما بعد ثورة يناير من تدهور الأوضاع الاقتصادية لمصر وزيادة معدلات الفقر، والتي زادت حدة آثارها على التكلفة المعيشية للمواطنين في السنة الأخيرة بعد ارتفاع الأسعار بشكل ملحوظ وحدوث أزمات نقص في بعضها إثر تفاقم أزمة نقص الدولار.

سنوات عجاف

تسعى الحكومة لتطبيق برنامج للإصلاح الاقتصادي مدته 3 سنوات، مطالبة الشعب بالوقوف إلى جانبها في إجراءات مؤلمة قد تشهد معها البلاد فترة عصيبة وحالة تقشف على أمل جني ثمار هذا الإصلاح في السنوات التالية لتطبيق البرنامج، وسط مخاوف - بحسب خبراء - من مخاطر اجتماعية قد تحدث في حالة عدم تحمل الطبقة الفقيرة - المتدهور حالها أصلًا - تداعيات هذه الإجراءات.

وقال المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء خلال لقاء مع "برنامج هنا العاصمة" على فضائية "سي بي سي" أذيع مؤخرًا، "فيه ضوء طبعًا في نهاية النفق.. أنا بقول في خلال 3 سنوات إن شاء الله ممكن جدًا إن احنا نصلح المسار الاقتصادي في مصر، ويتحسن الموقف بشكل عام، ويتحسن مستوى معيشة الفرد ونسيطر على التضخم، ويبقى المشروعات القومية أتت ثمارها".

وأضاف: "كل دا إجراءات إن شاء الله بعد ما تتم عملية الإصلاح ونتقدم إلى الأمام المواطن هيبتدي يشعر بهذا".

إلا أن مراقبين يرون في كلام رئيس الوزراء أنه تحذير من الفترة الصعبة التي سيمر بها المواطنون، وقالت سلمى حسين الباحثة في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، خلال اتصال مع مصراوي: "رئيس الوزراء يحذر المصريين من سنوات عجاف.. أمامنا عامان صعبان في ظل المعاناة من أزمة الدولار والديون والتضخم المرتفع وتآكل الدخول".

وترى سلمى أن الطبقة محدودة الدخل لن تستطيع تحمل تداعيات الإجراءات الصعبة التي ستشرع الحكومة في اتخاذها خلال الفترة المقبلة، وأن الطبقة الوسطى ستدخل في حالة من التقشف وستستغنى عن كثير من احتياجاتها غير الأساسية: "الأمر يتعلق بـ 85 بالمئة من الأسر المصرية والذين يعيشون على أقل من 4 آلاف جنيه شهريًا".

مشكلات وأهداف ومشروعات

يعاني اقتصاد مصر من عدد من الأزمات أبرزها ارتفاع الدين العام لأكثر من حجم الاقتصاد، وتزايد عجز الموازنة، ومعدلات تضخم وبطالة مرتفعة، وزيادة معدلات الفقر، وأزمة نقص العملات الأجنبية وعلى رأسها الدولار وارتفاع سعره بالسوق السوداء وأزمة تراجع السياحة ومعدلات الاستثمار ومصادر الدولار الأخرى، مما يؤثر على النشاط الصناعي والصادرات.

وتسعى الحكومة لزيادة معدل النمو الاقتصادي والتركيز على النمو الاحتوائي حتى تعود الفائدة على مختلف مناطق الجمهورية، بالإضافة إلى خفض معدلات الدين العام وعجز الموازنة، والتضخم والبطالة، ومواصلة خفض مخصصات الدعم وإعادة هيكلته، وزيادة الإنفاق على الصحة والتعليم.

ووفقًا للبرنامج الذي وافق عليه مجلس النواب في أبريل الماضي ليبدأ تطبيقه من العام الحالي (2016-2017)، تستهدف الحكومة الوصول بمعدل النمو الاقتصادي إلى ما بين 5-6 بالمئة مقابل 4.5 بالمئة نموًا متوقعًا لعام (2015-2016)، وخفض البطالة إلى ما بين 10-11 بالمئة مقارنة بـ 12.7 بالمئة حاليًا، والنزول بمعدلات التضخم إلى نحو 9 بالمئة مقابل 14.6 بالمئة حاليًا.

كما تستهدف الحكومة النزول بنسبة الدين العام إلى ما بين 92-94 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية (2017-2018) بعدما تعدى نسبة 102 بالمئة بنهاية يونيو الماضي، وخفض عجز الموازنة إلى ما بين 9-10 بالمئة، ورفع معدلات الادخار إلى ما بين 9-10 بالمئة مقابل 6 بالمئة، والاستثمار لما بين 18-19 بالمئة بدلًا من أقل 10 بالمئة.

ويستهدف برنامج الحكومة رفع تنافسية الصادرات، وتقليص الفجوة بينها وبين الواردات، وجذب رؤوس الأموال الأجنبية المباشرة وغير المباشرة، وتمويل الفجوة ودعم الاحتياطي النقدي، واتخاذ سياسة مرنة بشأن سعر الصرف.

وتسعى الحكومة خلال السنوات الأخيرة لإقامة عدد من المشروعات القومية منها مشروع تنمية محور قناة السويس بعد الانتهاء من مشروع قناة السويس الجديدة في أغسطس من العام الماضي، والعاصمة الإدارية الجديدة، واستصلاح 1.5 مليون فدان، والمشروع القومي للطرق، وإقامة محطات الكهرباء والطاقة المتجددة، والمثلث الذهبي للتعدين.

كما أطلقت مبادرة لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة بقيمة 200 مليار جنيه، وعددًا من مشروعات الإسكان الاجتماعي، والمجمعات الصناعية، وإنشاء عدد من المدن الجديدة منها العلمين الجديدة، وتوقيع 70 اتفاقية للبحث والتنقيب عن البترول والغاز أدت لاكتشاف حقل "ظهر" للغاز ليكون الأكبر في البحر المتوسط حتى الآن.

أداء الحكومة

على الجانب الآخر، ينتقد اقتصاديون الأداء الحكومي الحالي الذي يرون أنه يتسم بالبطء الشديد وافتقاره للحزم، والرجوع إلى بعض السياسات القديمة والتي قد لا تتناسب مع خطورة الأوضاع الحالية، وسط انتقادات وجهت إلى مشروع قانون الاستثمار الجديد، والذي سيتم تعديله للمرة الثانية في عامين متتالين.

وحذر الدكتور أسامة عبد الخالق أستاذ المالية بجامعة عين شمس، من خطورة اتخاذ إجراءات الإصلاح دون وجود تغير حقيقي في أداء الحكومة، وقال: "الحكومة لو مغيرتش أداءها مفيش حاجة هتتحسن.. هناك تراخي في إصدار القرارات ومحاسبة المخالفين.. والحكومة غير حازمة في أداءها وتعاني من ارتعاش الأيدي.. والمهمل والمتسيب يزداد انحرافًا".

ورهن عبد الخالق خلال اتصال مع مصراوي، تحقيق الحكومة لأهداف برنامج الإصلاح بانضباط أداءها، مرجعًا الأزمات التي تحدث حاليًا في سوق السلع مثل نقص السكر وغيرها إلى أن بعض الفئات من التجار والموردين تستغل تراخي الحكومة لتحقيق مصالحها محذرًا من الاستمرار به: "حتى لو فيه تحسن سيحدث لن يشعر به الناس".

وقال الدكتور عمرو عادلي الباحث في مركز كارنيجي الشرق الأوسط، لمصراوي: "واحدة من مشكلات الحكومة الخيال القديم، والرهان على إجراءات عام 2004 و2005 للعودة معدلات النمو المرتفعة بغض النظر عن النمو المستدام.. المعطيات العالمية تغيرت والاقتصاد العالمي تغير منذ دخوله في أزمة عام 2008".

قرض الصندوق ومساعدات الخليج

تزداد المخاوف بشأن تداعيات إجراءات الحكومة بعد طلبها من صندوق النقد قرضًا بقيمة 12 مليار دولار على مدار 3 سنوات، في إطار حزمة تستهدفها الدولة بقيمة 21 مليار دولار لتمويل برنامج الإصلاح الاقتصادي، وذلك بسبب ارتباط الإجراءات الإصلاحية التقشفية القاسية بصندوق النقد في أذهان الكثير من المصريين.

وأبدى عادلي مخاوفه من اتجاه الحكومة للاقتراض بشروط معينة بعد الحصول على مساعدات ميسرة من دول خليجية تعدت 20 مليار دولار يرى أنها لم توظف بالشكل الأمثل: "كانت لابد من إجراءات إصلاحية مصاحبة مع حزم التمويل التي حصلت عليها مصر من الخليج ولكن لم يحدث.. هذا الأمر يطعن في كفاءة الحكومة على اتخاذ القرارات خلال الفترة المقبلة".

وتابع: "العوامل الخارجية أيضًا يمكن أن تؤثر على نتائج الإصلاح منها تباطؤ التجارة العالمية ونمو الاقتصاد العالمي ودخوله في حالة جديدة من الانحسار وهو ما قد يؤثر على تدفق الاستثمارات الأجنبية، والصادرات، وإيرادات قناة السويس.. يصعب التكهن بقدرة الحكومة على تحسين الأوضاع الاقتصادية في ظل هذه الظروف".

وبدأت الحكومة في تطبيق ضريبة القيمة المضافة في شهر سبتمبر الماضي، وسط توقعات قوية بإجراء تحريك لسعر الجنيه في البنوك قبل اجتماع المجلس التنفيذي لصندوق النقد للموافقة النهائية على القرض، وهو ما من شأنه أن يرفع من معدلات التضخم وهو ما يزيد من معاناة الفقراء.

وأعلنت الحكومة أنها تسعى لاتخاذ إجراءات حماية للطبقة الفقيرة من تداعيات إجراءات الإصلاح الاقتصادي مثل معاش الدعم النقدي "تكافل وكرامة"، والدعم على بطاقات التموين، وتوزيع كرتونات السلع الأساسية بأسعار مخفضة، وتوفير السلع في المنافذ الحكومية والسلاسل التجارية بأسعار مخفضة.

مخاطر اجتماعية ويأس

وحذر الاقتصاديون من المخاطر الاجتماعية لو استمرت الأوضاع الحالية دون تعديل أداء الحكومة وهو ما قد يؤدي لاضطرابات لو لم يتم احتواء تداعيات إجراءات الإصلاح، ولكن قال أسامة عبد الخالق: "لو شعر المواطن بجدية الحكومة في ضبط الأداء، وحدث تحسن جزئي على مدار الفترة المقبلة سيتحمل تداعيات الإصلاح".

وعلق العم محمود على تصريح رئيس الوزراء بشعور المواطن بالتحسن بعد 3 سنوات، قائلًا: "هنكون موتنا يا إما من المرض يا أما من الجوع يا إما من القهر والديون، وحتى أولادنا هيعيشوا نفس عيشتنا، هو يعني بعد 3 سنين إيه اللي هيحصل هيبقي لكل واحد من أولادنا شقق ووظائف والأسعار هتنخفض، اللحمة هتبقي بكام، والله تعبنا وفاض بينا والموت أرحم للي زينا".

وتابع والدموع تملأ عينيه متأثرًا: "بقالنا 30 سنة بنقول الحال هيتعدل وهيتحسن وأولادنا هيعشيوا أحسن مننا، بس وصلنا دلوقتي إننا بقينا عايزين ننتحر أو نموت ولادنا عشان ميتبهدلوش أكتر من كده".

وأضاف "استغفر الله العظيم حتى ربنا قال ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق.. بس والله مبقناش قادرين نتحمل ومحدش حاسس بينا".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان