الفحم بديل الطاقة.. صراع حكومي وحل سحري وخطر بيئي
كتب - مصطفى عيد:
مازالت مشكلة استخدام الفحم في توليد الطاقة المستخدمة في الصناعة تثير الجدل حولها خاصة في ظل إصرار الدكتورة ليلى اسكندر وزيرة البيئة على رأيها برفض استخدام الفحم في توليد الطاقة في مصر، وتضارب تفسيرها لقرار مجلس الوزراء بدراسة استخدام مزيج الطاقة الأوروبي في صناعة الإسمنت مع تفسير منير فخري عبد النور وزير الصناعة والتجارة.
واتفق المهندس إبراهيم محلب مجلس الوزراء خلال اجتماع يوم 9 مارس لمناقشة أسباب ارتفاع الإسمنت بحضور وزراء التجارة والصناعة والاستثمار، والبيئة، والبترول، والكهرباء والطاقة المتجددة، وممثلين عن اتحاد الصناعات على اتخاذ الإجراءات اللازمة للبدء في تطبيق مزيج الطاقة الأوروبي والمعايير البيئية المصاحبة له، على أن تقوم وزارة البيئة خلال فترة أسبوعين بمراجعة هذه المعايير الأوروبية لتطبيقها في هذا الشأن.
تناقض التفسير
وفسر وزير الصناعة هذا الاتفاق على أن وزارة البيئة ستقوم بدراسة المعايير الأوروبية المطبقة في مجال استخدام وتداول الفحم في توليد الطاقة لمصانع الإسمنت على أساس أن الفحم يعتبر من ضمن مكونات مزيج الطاقة الأوروبي.
وأشار الوزير إلى أن الحكومة ستتخذ اجراءات صارمة وستضع عقوبات مشددة قد تصل إلى غلق المصانع التي لا تستخدم المعايير التي ستضعها وزارة البيئة.
إلا أن وزيرة البيئة قالت في تصريحات صحفية يوم الأحد الماضي إن هذا تفسير الوزير وأنها كان لها تفسير آخر بأن القرار نص على نظر وزارة البيئة في مزيج الطاقة المستخدم في صناعة الإسمنت في أوروبا، وأن تضع المعايير والاشتراطات اللازمة لذلك، متسائلة عن سبب استخدام الفحم إذا كان هناك بدائل هائلة له.
وشددت الوزيرة على أن استخدام الفحم لمواجهة مشكلة نقص الطاقة سيعرض الاقتصاد لمخاطر جمة كما أنه يهدد الأمن القومي والسياحة وصحة المواطن.
لا بديل عن الفحم
ومن ناحيته، قال الدكتور تامر أبو بكر رئيس لجنة الطاقة باتحاد الصناعات إنه لا بديل عن إدخال الفحم في منظومة الطاقة خلال الفترة المقبلة حتى يتم موافاة الاحتياجات اللازمة من الطاقة لمصر مع ضرورة وضع أطر وآليات لتنظيم عملية استخدامه في توليد الطاقة حتى يتوافق مع المعايير البيئية.
وأضاف خلال اتصال هاتفي مع مصراوي أن دخول الفحم في منظومة الطاقة سيوفر طاقة زائدة تعادل الطاقة المطلوبة لتشغيل 5 محطات كهرباء بقوة 5000 ميجاوات.
وانتقد أبو بكر تصريحات وزيرة البيئة الأخيرة حول تأثير استخدام الفحم في توليد الطاقة على البيئة في مصر، ووصف كلامها بالمغالطات وأنها تحاول إثارة المواطنين وإفهامهم أن صحتهم ستتعرض للخطر في حالة استخدام الفحم وهو الأمر غير الحقيقي - على حد وصفه -.
وكانت وزيرة البيئة قالت إن استخدام المصادر البديلة للطاقة سيوفر أكثر مما سيوفره استخدام الفحم، وأن مصر لديها كمية شمس مثل البترول الذي تمتلكه السعودية.
وأشار أبو بكر إلى أن الطاقة الشمسية لا تصلح لتوليد أكثر من 25 بالمئة من الطاقة المطلوبة في صناعة الإسمنت لأن الأفران تتطلب درجة حرارة عالية تصل إلى 1600 درجة، وهو ما لا يمكن توليدها من خلال الطاقة الشمسية.
وشدد على ضرورة تنظيم استخدام الفحم في توليد الطاقة وتأهيله وفقًا للمعايير البيئية في أسرع وقت، لافتًا إلى أن مصنعي الإسمنت تعهدوا بالتأهيل اللازم للموانئ حتى تستطيع استقبال السفن المحملة بالفحم الذي سيتم استيراده من الخارج.
وقالت وزيرة البيئة في تصريحاتها إن السياحة وخاصة في البحر الأحمر ستتأثر باستخدام الفحم نظرًا لأن الموانيء المؤهلة لاستقبال السفن المحملة بالفحم موجودة في تلك المنطقة، وأنه في حالة تعرض بعض هذه السفن لحوادث غرق سيتسرب الفحم إلى البحر وهو ما سيؤثر على سياحة المقاصد
واقترح رئيس لجنة الطاقة باتحاد الصناعات إنشاء الدولة لجهاز يقوم بمراقبة الانبعاثات الناجمة عن استخدام الفحم في توليد الطاقة ومدى توافقها مع المعايير البيئية، وأيضًا إجراءات عمليات استيراد الفحم ونقله.
الفحم ليس من البدائل
وكانت ورقة بحثية لجهاز شؤون البيئة في شهر نوفمبر الماضي أشارت إلى أن الفحم لا يعتبر ضمن بدائل حل الأزمة العاجلة للطاقة في مصر لعدة أسباب منها عدم وجود البنية الأساسية لمنظومة الاستيراد والنقل والتخزين والتداول، وأن الاستثمارات الضخمة التي يتطلبها استخدام الفحم تستوجب الاستمرار في استخدامه لمدة لا تقل عن 15 سنة حتى لو ظهرت آثاره السلبية على الصحة والبيئة في وقت مبكر.
وأوضحت أن هذه الاستثمارات إذا شملت جهات خارجية يصبح التحكيم الدولي إحدى عقبات اتخاذ قرارات تصحيح الأوضاع.
ونبهت الورقة البحثية إلى أن هناك تأثيرات سلبية لاستخدام الفحم على المناطق السياحية والسكنية المحيطة بالموانئ، وأن هناك تأثير لاستيراد الفحم على الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية، وعلى مسارات هجرة الطيور.
ولفتت إلى أن استخدام الفحم في توليد الكهرباء في الولايات المتحدة يتسبب في تكلفة صحية 345 مليار دولار سنويًا، وأن حالات الوفاة السنوية تتراوح ما بين 13 ألف إلى 34 ألف حالة نتيجة تلوث الهواء بسبب قطاع توليد الكهرباء، كما أن التكلفة الصحية لأوروبا تصل إلى ما بين 66 و112 مليار يورو سنويًان وأن حالات الوفاة تصل إلى 18.2 ألف حالة سنويًا بسبب تلوث الهواء.
وأشارت إلى أن هذه التكاليف الناجمة عن الأضرار الصحية موجودة في هذه البلدان على الرغم من وجود الضوابط والمعايير الصارمة، والإلزام بتطبيق القوانين ومستوى الالتزام العالي لدى المنشآت.
وشددت الورقة على أن التكلفة الإضافية لاستخدام الفحم في مصر بمحطة كهرباء بقدرة 3 آلاف ميجا وات تبلغ حوالي 700 مليون دولار سنويًا، بينما تبلغ التكلفة الإضافية لاستخدام الفحم في إنتاج 60 مليون طن إسمنت في السنة حوالي 536 مليون دولار.
وأوضحت أن استخدام الفحم في توليد الطاقة له تأثير على عدة أمور منها التأثير السلبي على الصادرات المصرية فيما يعرف باتجاه العالم إلى اعتماد ما يسمى بالبصمة الكربونية، بالإضافة إلى التأثير على فرص الحصول على دعم من مؤسسات التمويل الدولية وهو ما يعني ضعف اجتذاب الاستثمار الأجنبي الذي يتجه لتمويل مشروعات الاقتصاد الأخضر، كما أنه بحلول عام 2015 سيكون هناك إلزام لجميع الدول بخفض غازات الاحتباس الحراري.
معادلة صعبة
ومن ناحيته، أشار الدكتور شريف الجبلي رئيس لجنة تسيير مكتب الالتزام البيئي باتحاد الصناعات إلى أن استعمال الغاز الطبيعي في توليد الطاقة لمصانع الإسمنت في ظل أزمة نقص الطاقة هو استخدام غير رشيد، لافتًا إلى أن هذه الصناعة تستهلك 30 بالمئة من الطاقة الموجهة للصناعة في مصر.
وأوضح خلال اتصال هاتفي مع مصراوي أنه لا بديل عن استخدام الفحم لو أرادت الدولة الاستمرار في نفس النهج في المجالات التي تستهلك الطاقة، مشيرًا إلى أنه يتفهم مخاوف وزيرة البيئة وأن المعادلة صعبة، ولكن لابد من الوصول إلى حلول وسطى.
ولفت الجبلي إلى أن تكلفة استيراد الفحم أقل نسبيًا من الغاز الطبيعي المكلف في استيراده، وأن طاقة الشمس والرياح تحتاج إلى وقت لتطبيقها، كما أن تكلفتها مرتفعة وتناسب المشروعات السياحية والسكنية ولكنها لا تناسب صناعة مثل الإسمنت، منوهًا إلى أن استعمال المخلفات في توليد الطاقة يحل ما بين 20 إلى 30 من المشكلة فقط.
وقالت وزيرة البيئة في وقت سابق إنه يمكن استخدام القمامة أو ما يعرف بالمرفوضات، وأيضًا المخلفات الزراعية في توليد الطاقة للمصانع كثيفة استهلاك الطاقة.
وقال الجبلي إنه لو تم تطبيق قواعد صارمة ستعمل كثيرًا على حصر المشكلات الناجمة عن استخدام الفحم، وإن هناك العديد من دول العالم تستخدمه في توليد الطاقة، كما أن هناك أمور أخرى تلوث البيئة في مصر ولا يتم الاعتراض عليها أو التعامل معها بجدية مثل عوادم السيارات وغيرها.
واقترح الجبلي إعداد خطة قصيرة الأجل يتم الاعتماد فيها على استخدام الفحم مع تطبيق معايير بييئة، بالإضافة إلى خطة متوسطة الأجل لحل هذه المشكلة وزيادة الاعتماد على الطاقة الجديدة والمتجددة بشكل أكبر في المرحلة القادمة.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: