هل يمكن أن يطيح تراجع أسعار النفط بالرئيس الروسي؟
موسكو - (د ب أ) :
يبدو أن 2014 كان عاماً جيداً بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فقد ارتفعت شعبية الزعيم الروسي محلياً لتصل إلى أكثر من 80 بالمئة بعد قرار ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا في مارس الماضي، إلى جانب ما تلا ذلك من صراع مع الغرب حول أوكرانيا.
مما دفع المنتقدين سواء في الداخل أو في الخارج إلى الاعتراف بأن موقف بوتين أصبح أكثر قوة من أي وقت مضى.
وفي نوفمبر الماضي اختارت مجلة فوربس الأمريكية بوتين كأقوى شخصية في العالم خلال 2014 وذلك للعام الثاني على التوالي، ثم مضى بوتين ليوجه بعضًا من أقوى خطاباته ضد العقوبات الغربية والسياسة الخارجية الأمريكية.
ورغم هذه المحاولات لإظهار القوة إلا أن بوتين لم يستطع تحويل الانتباه عن القلق المتزايد بشأن حالة الاقتصاد الروسي.
ومع استمرار تراجع قيمة الروبل الروسي بشكل سريع وسط انخفاض أسعار النفط وارتفاع معدل التضخم، يتوقع مسؤولون بالحكومة الروسية حدوث نوع من الركود الاقتصادي وعجز بالموازنة العامة للدولة بحلول عام 2015 .
وهذه الاضطرابات الاقتصادية دفعت معلقين إلى القول إن الغرب سيكسب الصراع مع روسيا في حالة تحوله إلى صراع يتم خوضه بالمال والنفط بدلًا من الدبابات والمدافع.
ولكن هل سيستسلم بوتين؟! المنظور العام للاقتصاد الروسي ليس بالغ السوء تماماً.
فالخزائن العامة للدولة الروسية لا تزال عامرة بالاحتياطيات المالية، مما يمنحها إمكانية تحمل صدمة خارجية مزدوجة تتمثل في انخفاض أسعار النفط والعقوبات الغربية.
وتسيطر وزارة المالية على صندوقين سياديين للثروة يحتويان على نحو 172 مليار دولار وذلك منذ الأول ديسمبر الحالي.
وهذه الاحتياطيات المالية بالعملة الأجنبية تم جمعها خلال الأعوام الخمسة عشر الماضية التي ارتفعت فيها عائدات تصدير النفط والغاز الطبيعي، وتم تخصيصها أساسًا كنوع من الادخار لتأمين نظام المعاشات.
كما أن احتياطيات البنك المركزي الروسي من النقد الأجنبي سجلت رقمًا صحيًا من الناحية الاقتصادية، وهو 416.2 مليار دولار في أوائل ديسمبر الحالي.
ولا تعاني روسيا من ديون تذكر مطلوب سدادها، وذلك نتيجة للسياسات النقدية المحافظة للغاية تحت حكم بوتين.
ويبلغ معدل ديون روسيا العامة بالنسبة لإجمالي الناتج المحلي 10 بالمئة، وهو رقم ممتاز مقارنة بالمعدل السيء الذي ساد في منطقة اليورو عام 2013 وهو 90.9 بالمئة.
ويرى فاسيلي أستروف من معهد فيينا للدراسات الاقتصادية الدولية أن "الاحتياطيات الروسية تتمتع بوضع مريح مع عدم وجود مخاطر للإفلاس".
وبعث بوتين بإشارة تفيد بأنه لن يغير مساره عندما تحدث في خطاب الموجه للأمة في الرابع من ديسمبر، غير أنه قال أيضًا إنه يجب تقليص الإنفاق الحكومي بنسبة 5 بالمئة على الأقل سنويًا خلال السنوات الثلاث المقبلة، وفي هذا الموقع يأتي تأثير العقوبات الغربية.
ولا يشعر الروس بالقلق إزاء حظر السفر وتجميد الأصول المفروض على كبار رجال الأعمال ونواب البرلمان المرتبطين بالكرملين، حيث أن هذا الحظر والتجميد لا يكاد يؤثر على مجمل الاقتصاد.
ومع ذلك فإن العقوبات المفروضة ضد البنوك الكبرى التابعة للدولة بعد إسقاط الطائرة الماليزية فوق شرقي أوكرانيا في يوليو الماضي، أدت إلى إبعاد جهات التمويل الغربية البارزة عن تقديم القروض لروسيا.
ونتيجة لهذه العقوبات لن تتمكن وزارة المالية الروسية من طرق أبواب أسواق الإقراض الخارجية، وستجد نفسها مضطرة إلى تغطية أي عجز في الموازنة من صناديق الثروة السيادية.
وقال أستروف لوكالة الأنباء الألمانية :"إذا استمرت أسعار النفط بنفس المعدلات الحالية أو انخفضت بدرجة أكبر، فإن الاحتياطيات المالية الروسية ستنفد عاجلًا أم آجلًا ".
وفي خطابه للأمة هاجم بوتين العقوبات باعتبارها نسخة عصرية لسياسة الاحتواء التي مارسها الغرب إبان الحرب الباردة والتي تستهدف تحجيم روسيا.
ويتفق معظم المراقبين على أنه ليس من المرجح أن تؤدي العقوبات إلى إحداث تغييرات جوهرية في سياسات الكرملين، وأن الهدف الرئيسي من هذه العقوبات هو إظهار موقف موحد في مواجهة السياسات الروسية في أوكرانيا التي تعد بمثابة عودة للماضي.
غير أن حقيقة أن المسؤولين الروس يمارسون الضغط سواء سرًا أو علانية على من يعتقد أنهم حلفاؤهم في أوروبا لإلغاء العقوبات تنم عن مخاوف روسية عميقة.
وكان وزير التنمية الاقتصادية الروسي ألكسي أوليوكاييف قد أبلغ رجال أعمال ألمان في نوفمبر الماضي في شتوتجارت أنه يجب عليهم ممارسة الضغط على الساسة لإلغاء العقوبات.
ومن جانبهم قال كبار رجال الأعمال الألمان إنهم يأملون ألا تستمر العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي طوال العام المقبل، وقال ميشائيل هارمز الرئيس التنفيذي للغرفة التجارية الألمانية الروسية في موسكو لـ (د.ب.أ) :"نتوقع أن يتم إلغاؤها (العقوبات) تدريجيًا بدءاً من مارس المقبل".
وسيزداد التوتر حدة عندما يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يقرر ما إذا كان سيجدد العقوبات، وثمة أمل في أن الأطراف المتعاطفة مع موسكو قد ترفض مدها.
ومن ناحية أخرى يمثل التضخم أيضاً سبباً للقلق، فقد زادت أسعار الكثير من المواد الغذائية بنسبة 20 بالمئة، أو أكثر بعد أن فرضت موسكو حظرًا على الواردات الغذائية الأوروبية في أغسطس الماضي، رداً على العقوبات الغربية.
ومع ذلك يرى الكثير من المحللين أن الروس اعتادوا على المعاناة، وأن المصاعب الاقتصادية لن تؤدي تلقائيًا إلى حدوث احتجاجات شعبية.
ويشير دينيس فولكوف من مركز "ليفادا" لاستطلاعات الرأي العام وهي مؤسسة روسية مستقلة إلى أنه مع تفاقم الأزمة فإن القيود المفروضة على وسائل الإعلام صارت هي الأشد منذ أعوام، ويقول إنه مع السيطرة على وسائل الإعلام بشكل قوي فمن المرجح أن تستمر شعبية بوتين عالية.
وهذا يتناقض مع الأزمات الماضية عندما كانت شعبية بوتين ترتفع مع توجهاته الخارجية، لتتراجع مرة أخرى بسبب المشكلات الاقتصادية.
ويقول فولكوف :"لدينا الآن وضع جديد تمامًا".
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: