إعلان

من المسؤول؟

11:03 ص الثلاثاء 26 مارس 2013

بقلم   د. حسن نافعة 

بعد لحظات من انتهاء الدكتور مرسى من إلقاء كلمته فى ''مبادرة المرأة المصرية''، تلقيت دعوة كريمة من معدى برنامج ''جملة مفيدة''، الذى تقدمه الإعلامية المتميزة منى الشاذلى على قناة ''إم بى سى مصر''، لمناقشة ما جاء فى هذه الكلمة. ورغم علمى بأن عددا من الأحزاب والقوى السياسية المؤيدة للرئيس دعت إلى وقفة احتجاجية أمام مدينة الإنتاج الإعلامى، وأننى قد لا أتمكن من الوصول إلى الاستوديو، فإنه لم يخطر ببالى لحظة واحدة أن سوء الأوضاع وصل إلى هذه الدرجة، وأن مظاهر غياب وانهيار سلطة الدولة أصبحت حقيقة واقعة على الأرض إلى الدرجة التى باتت تهدد حياة كل مواطن.

فى تمام الساعة التاسعة مساء وصلت سيارة أقلتنى من مكتبى القريب من جامعة القاهرة، وما إن اقتربنا من مشارف مدينة الإنتاج الإعلامى حتى بدأ السائق يجرى اتصالات للاستفسار عن بوابة الدخول الأكثر أمانا، وعندما تبين أن جميع الأبواب محاصرة، نصح السائق أن يسلك طريقا ترابيا موازيا للبوابة رقم ٢، وما إن وصلنا حتى اعترضتنا صفوف متتالية من قطع حجارة كبيرة الحجم، وبجوارها أشخاص يلوحون بعلامات تفيد بأن الطريق مغلق. عدنا إلى الخلف، ورحنا نبحث عن مداخل أخرى، وكلما اقتربنا من مدخل لمحنا أمامه حشدا بشريا يفيد بأنه مغلق، لينتهى بنا الأمر إلى محاولة الولوج من المدخل الخاص بفندق ''موفنبيك''. ولأنها كانت الفرصة الأخيرة فلم يكن هناك بدّ من الوصول إلى مدخل البوابة نفسها والتعامل مباشرة مع الحشود المحيطة بها، وعندما راحت الوجوه تحملق داخل السيارة وتسأل عن مقصد راكبيها، تعرف البعض علىّ، ونطق أحدهم اسمى بصوت عال قائلا: ''إنه شخصية محترمة: دعه يمر''، راح آخر يصيح بصوت أعلى قائلا: ''كان شخصية محترمة، لكنه انقلب علينا''، وتطوع البعض آمرا السائق بالعودة، بينما راح آخرون يصيحون بصوت مدو: ''حسبنا الله ونعم الوكيل: خربتوا البلد''. وهنا حدث هرج ومرج، واندفع أحدهم محاولا فتح باب السيارة عنوة، لكن شخصا آخر منعه، وأشار إلى السائق بالإسراع بالدخول، وهكذا وصلت بسلام إلى الاستوديو، وحمدت الله أن الموضوع قد انتهى عند هذا الحد، لكن تبين فيما بعد أننى كنت واهما أو مفرطا فى حسن النية.

كانت الفقرة التى شاركت فيها مع كل من الأستاذ حافظ أبوسعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، والمهندس طارق، المتحدث الرسمى باسم حزب الوسط، هى الأخيرة فى البرنامج، وانتهت عند منتصف الليل تماما، بعد أن نجحت السيدة منى الشاذلى، بلباقتها المعتادة، فى إدارة حوار مثمر. وبعد أن دلفت إلى السيارة التى ستقلنى إلى المنزل وجلست إلى جوار السائق، تبين أن السيارة التى أقلت الأستاذ حافظ أبوسعدة لاتزال تنتظره خارج البوابة، لأنها لم تتمكن من الدخول، واضطر هو للوصول إلى الاستوديو سيرا على الأقدام، فدعوته لمصاحبتى فى نفس السيارة، ودلف إلى المقعد الخلفى بينما بقيت أنا جالسا فى مكانى بجوار السائق، وانطلقنا معا نحو بوابة الخروج دون أن يخطر ببالى للحظة واحدة أن حياتنا ستتعرض لخطر حقيقى بعد دقائق.

ما إن وصلنا إلى بوابة الخروج حتى راح بعض المحتشدين أمامها يحملقون داخل السيارة لتفحص راكبيها، وعندما وقعت أعينهم على الأستاذ حافظ أبوسعدة صاح أحدهم: ''ده بتاع حقوق الإنسان''، وبعدها بثوان صاح آخر: ''هات بتاع حقوق الإنسان ده''، بينما راح ثالث يفتح باب السيارة عنوة لإخراجه.. وعندما رفض النزول بدأت الحجارة والعصى تنهال على جسم السيارة من كل صوب وحدب، فتساقط زجاجها الخلفى تماما وتحول إلى ثقب كبير، بينما تهشم نصف زجاجها الأمامى. عندها أصيب السائق بحالة من الهلع، فاندفع محطما الحواجز أمامه، بينما الحجارة تنهال على جسم السيارة، ولوهلة قصيرة بدا الموت قاب قوسين أو أدنى وكدنا جميعا نسقط صرعى أو جرحى، لكن الله سلم.

ولكى تكتمل صورة هذه الشهادة، أود أن أؤكد أننى لم أر شرطياً واحداً عند البوابة، لا أثناء الدخول ولا أثناء الخروج، وإن كنت قد شاهدت داخل مدينة الإنتاج الإعلامى نفسها صفاً طويلاً من عربات الأمن المركزى.. وبدا واضحا تماما أن الشرطة تخلت بإرادتها عن وظيفتها وعهدت إلى الميليشيات المؤيدة لرئيس الدولة بالتحكم فى مداخل ومخارج مدينة الإنتاج الإعلامى، وهى مؤسسة رسمية تابعة للدولة، دون أى تدخل من جانبها.

تلك شهادتى التى أحاسب عليها يوم القيامة، أرفعها، دون تعليق من جانبى، إلى رئيس الدولة الذى يتهم المعارضة بأنها تقدم غطاءً سياسياً للعنف، لعله يراجع معلوماته، وأقدمها كبلاغ إلى النائب العام، لعل ضميره يصحو.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان