حكم نهائي ينصف يتيمة ويعترف بالشخصية القانونية لمجهولي الأبوين ويشجع كفالتهم التوثيقية
كتب- محمود الشوربجي:
حصلت السيدة (م.ح.إ) اليوم السبت، عقب الاحتفال بعيد اليتيم على شهادة من جدول المحكمة الإدارية العليا، تفيد عدم الطعن على الحكم التاريخي الصادر من محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية الدائرة الأولى بالبحيرة، برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة في الدعوى رقم 5312 لسنة 13 ق بجلسة 30 مايو 2015 بالاعتراف بالشخصية القانونية للفتاة القاصر (ن.س.م) وأحقيتها في إصدار بطاقة الرقم القومي لها بالاسم الجزافي الذى وضعه طبيب الصحة بعد أن عثرت عليها سيدة فاضلة وهى رضيعة على باب أحد المساجد وقامت بتربيتها والاعتناء بها حتى بلغت 16 عاما تفوقت بالمدرسة وطلبت منها إدارة السجل المدني برشيد ضرورة حضور الأب شخصيا لاستخراج البطاقة.
وأكدت المحكمة بحكمها الاعتراف بالشخصية القانونية لمجهولي الأبوين وتشجيع كفالتهم التوثيقية وأن لمجهولي النسب أحكام اليتامى ورعايتهم أوجب من اليتامى معروفي النسب، وهذا الاعتراف يضئ نورا في الطريق لمجهولي النسب، بعد أن عاشوا عدة سنوات لا يعرف لهم هوية أو شخصية قانونية، ووضعت المحكمة لبنة اجتماعية إنسانية في بناء صرح مجتمع سليم يقوم على احترام حقوق مجهولي النسب بأن لهم أحكام اليتامى والعناية بهم أوجب من اليتامى معروفي النسب.
وكانت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية قد قضت في وقت سابق، برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة، بإلغاء قرار مصلحة الأحوال المدنية السلبى برشيد بالامتناع عن إصدار بطاقة الرقم قومي باسم إحدى طالبات الثانوية العامة بالبحيرة الصادر استنادا إلى أنها مجهولة الأبوين، وما يترتب على ذلك من آثار أخصها إلزام وزارة الداخلية بإصدار بطاقة الرقم القومي لها بحسبان أن مجهولي الأبوين من حقهم دستوريا الاعتراف بالشخصية القانونية ولهم الحق في الاسم الجزافي واستخراج بطاقة الرقم القومي حرصا على انسانيتهم وحفاظا على ادميتهم من التشرد والضياع، وألزمت الإدارة المصروفات.
وفى موقف نبيل من إدارة الأحوال المدنية بوزارة الداخلية لم تطعن على الحكم الإنساني الرحيم للقاضي الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة وأصبح الحكم نهائيا وباتا، قد أشادت دوائر مهتمة بشئون الأيتام ومجهولي النسب بحكم المحكمة ووصفته أنه يمثل صفحة مضيئة في طريق حياة مجهولي الأبوين والأيتام واستلهاماً لروح الشريعة الإسلامية التي سبقت المواثيق الدولية بأكثر من ألف وأربعمائة عام يعبر عن فكر مستنير يحفظ لتلك الفئات حقوقهم الدستورية كآدميين ويمنحهم الشخصية القانونية التي تمكنهم من الاندماج في المجتمع ويضمن كفالتهم التوثيقية.
والقصة تبدأ بأن إحدى السيدات بمركز رشيد محافظة البحيرة، عثرت على طفلة رضيعة ملقاة على الأرض مجهولة الأبوين عام 1995 ثم ذهبت بها لقسم الشرطة وتعهدت برعايتها، قام طبيب الوحدة الصحية بتحديد اسم ثلاثي جزافي في خانة الأب وجزافى في خانة الأم طبقا للقانون وحصلت على شهادة ميلاد لها، عندما وصلت للمرحلة الثانوية لجأت لمصلحة الأحوال المدنية برشيد لاستخراج بطاقة الرقم القومي إلا أنها طلبت من السيدة البحث عن والديها المجهولين كشرط لحصولها على بطاقة الرقم القومي وهو ما يؤثر على نفسيتها خاصة وأنها الأولى على المدرسة وعلى وشك الالتحاق بالمرحلة الجامعية مما يصيبها بضرر بالغ فقرر القاضي الحكم أخر الجلسة.
ونطق القاضي بالحكم لصالح الطفلة وأكدت المحكمة على أن مصلحة الأحوال المدنية ملزمة بإصدار بطاقة الرقم القومي لمجهولي النسب بالتسمية الثلاثية الجزافية، لخانة الأب وخانة الأم التي يجريها طبيب الوحدة المختصة عند العثور على اللقطاء، طالما لم يظهر الوالدين الحقيقيين، كما أكدت على حظر التبني وأنه لا يجوز للأحوال المدنية حرمانهم من حقهم الدستوري في التمتع بالشخصية القانونية أو النيل من هويتهم الإنسانية.
وقالت المحكمة" إن الإنسان مجردا هو محور الكون الذي تدور حوله كل الاشياء والمسخرة له في كل الأزمنة والأمكنة لذلك اهتم المشرع المصري بحقوق الطفل مجهولي الوالدين فلم يحرمه من عنايته ورعايته فعامله نفس المعاملة التي يعامل بها الطفل معلوم الوالدين، فجعل له الحق في الاسم طبقا للبيانات التي يدلى بها المبلغ وعلى مسئوليته عدا إثبات اسمى الوالدين أو احدهما الحقيقيين فيكون ذلك بناء على طلب كتابي ممن يرغب منهما بحسبان أنه يحظر التبني، وفى حالة عدم التوصل إلى معرفة الوالدين أو احدهما للطفل حديث الولادة مجهول الوالدين فان المشرع منحه رغم ذلك الحق في الاسم واللقب عن طريق الزام طبيب الصحة المختص بتقدير سن الطفل وتحديد نوعه وتسميته رباعيا تسمية جزافية حتى لا يحرم الطفل مجهول الابوين من حقه الطبيعي في الشخصية القانونية سبيلا للاعتراف بادميته كإنسان، وفى ذلك بناء لبنة اجتماعية لصرح مجتمع صحيح يقوم على بث روح التسامح والاندماج للأطفال مجهولي النسب والاحتفاظ لهم بهويتهم الإنسانية لمواجهة ما اطبقت عليهم الحياة ظلما وظلاما نتيجة تصرفات غير إنسانية بتخلي اَبائهم عن الاعتراف بهم أيا كانت الأسباب والظروف."
أكدت المحكمة" أن مجهولي النسب لهم أحكام اليتامى ، بل هم أولى بالعناية لعدم وجود أحد من والديهم وأهلهم ، واليتيم قد تكون أمه بجانبه ، وقد يزوره أحد أقاربه ، أما مجهول النسب فإنه منقطع عن كل أحد ، ولذا كانت العناية به أوجب من اليتيم معروف النسب، فمجهولو النسب في حكم اليتيم لعدم معرفة والديهم ، وهم أشد حاجة للعناية والرعاية من معروفي النسب لعدم معرفة قريب لهم يلجأون إليه عند الضرورة ، ومن ثم فإن من يكفل طفلاً من مجهولي النسب فإنه يدخل في الأجر المترتب على كفالة اليتيم , لعموم قول سيد البشرية وسيد الأنام وسيد الأيتام محمد صلى الله عليه وسلم: ( َأَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا)، ويتعين على مَن يكفل مثل هؤلاء الأطفال أن لا ينسبهم إليه، لما يترتب على ذلك من ضياع الأنساب والحقوق".
وأضافت المحكمة في حكمها الذى تجسدت فيه أرقى معانى الإنسانية " أن الطفلة المذكورة استقبلت دنياها وهى مجهولة الأبوين وقد عثرت عليها المدعية واتخذت كل الإجراءات القانونية للإبلاغ عن واقعة العثور عليها وحررت محضر بذلك في قسم الشرطة المختص ووضع لها طبيب الوحدة الطبية المختص اسما ثلاثيا جزافيا لكل من خانة الأب وخانة الأم طبقا للقانون المصري، بناء على ذلك صدرت لها شهادة الميلاد متضمنة هذه البيانات، ولم يثبت من الاوراق عكس تلك البيانات ولم يظهر لها أحد أبويها حتى الآن وقد أخذتها المدعية منذ العثور عليها حديثة الولادة واحتضنتها من غدر الزمان فأحسنت تربيتها ورعايتها حتى بلغت الطفلة أشدها وتخطت سن السادسة عشرة، عندما تقدمت باستخراج بطاقة الرقم القومي وفوجئت بان مصلحة الأحوال المدنية بالبحيرة امتنعت عن إصدار تلك البطاقة بحجة ضرورة احضار الأبوين المجهولين، رغم علم الإدارة بأنها طفلة مجهولة الأبوين ولم تاخذها بها رحمة أو شفقة بل ظل العدوان على انسانيتها وادميتها شهور عددا، ما كان يجب عليها أن تنال من حق الطفلة في التعبير الإنساني عن كونها مخلوقة تعيش على الأرض، وما كان ينبغي أن تؤذى مشاعر الطفلة ومشاعر من قامت على رعايتها.
واختتمت المحكمة حكمها الإنساني "إنه قد تلاحظ لديها أنه بين قانون الطفل المصري ولائحته التنفيذية تعارضا وتأرجحا بين الالزام بالتسمية الرباعية أو الثلاثية للأطفال مجهولي الأبوين، ذلك أن اللائحة التنفيذية ألزمت طبيب الوحدة المختص الذي يقوم بتقدير سن الطفل وتسميته تسمية رباعية جزافية بينما الزمه القانون بوضع تسمية ثلاثية جزافية وذلك على الرغم من صدور القانون منذ 25 عاما، مما يتعين معه على المشرع أن يوحد الحكم في الحالتين منعا للتضارب وتحقيقا للانسجام التشريعي الواجب أعماله.
فيديو قد يعجبك: