أسرار "مجلس الدم".. كيف خططت سيدة لقتل زوجها بالرصاص "على سريره"؟
كتب - محمد شعبان:
كعادته كل صباح، غادر الشاب العشريني المنزل بحي الوراق قاصدا عمله في سيناريو يومي. غير أن الأمر تغير منتصف الأسبوع الماضي، فلم يكد يصل الشاب وجهته حتى تلقى اتصالا بمثابة الكارثة بهجوم مجهولين على أسرته وتنفيذ حكم الإعدام في والده رميا بالرصاص.
بدت الأجواء مألوفة في مدينة السادات المتفرعة من شارع القومية شمال محافظة الجيزة، صباح يوم جديد انطلق معه أصحاب الأعمال كل إلى مصدر رزقه قبل أن تعلن دقات عقارب الساعة تمام الثامنة والنصف صباحا.
تبدلت الأمور بسماع صوت إطلاق نار تلته صرخات استغاثة. دقائق معدودة كانت كفيلة بانتشار رجال الشرطة أرجاء المنطقة بعد بلاغ ورد إلى شرطة النجدة.
إعدام على السرير
كردون أمني فرضته قوات الأمن بمحيط العقار مصدر الصوت، ليزداد أعداد الأهالي الشاخصة أبصارهم تجاه الحواجز الأمنية بحثا عن إجابة للسؤال الأبرز "هو إيه اللي حصل؟" فجاءت الإجابة على لسان أحد الضباط "في جريمة قتل".
جثة خمسيني يغط في نوم أبدي على سريره، تسيل منه الدماء منه لدى تلقيه طلقة في الرأس، وبعثرة في محتويات الغرفة، هكذا جاءت المعاينة المبدئية للفصل الأول من تلك الجريمة.
أمام باب الغرفة، جلست زوجة القتيل الأربعينية، تندب حظها العثر مع فقدانها رب الأسرة، محتضنة نجلها الذي يبلغ من العمر 10 سنوات لتهدئ من روعه، كيف لا وقد سجلت ذاكرته مشهد مقتل أبيه كما هو الحال في الأعمال السينمائية.
يتوافد ضباط المباحث على مسرح الجريمة -تزامنا مع وصول فريق من الأدلة الجنائية- ليروي نجل الضحية ابن الـ17 ربيعا كواليس ما جرى تلك الصبيحة مشيرا إلى أنه أثناء تواجده وأسرته بالشقة فوجئ بدخول شخصين مجهولين للمنزل، اصطحبه أحدهما إلى غرفة نومه التى يتواجد بها والدته وأشقائه، وتوجه الآخر وبحوزته فرد خرطوش إلى غرفة نوم والده، وسماعه صوت عيار ناري وفرا هاربين.
في تلك الأثناء، وصل الابن الأكبر للقتيل في منتصف العشرينات بعد إبلاغه لتتسمر قدماه فاقدا القدرة على الحديث كما لو أن عقارب الوقت قد توقفت مع رؤية جثمان والده محمولا على سرير الإسعاف تمهيدا لنقله إلى مشرحة زينهم تحت تصرف مصلحة الطب الشرعي.
بالانتقال إلى قسم شرطة الوراق، تحول الطابق العلوي الذي يضم وحدة المباحث إلى غرفة عمليات يزداد عدد أفرادها بمرور الوقت لتضم خيرة رجال البحث الجنائي بالمديرية وفي مقدمتهم اللواء مدحت فارس والعميد عاصم أبو الخير.
اجتماع مغلق ترأسه العميد عمرو طلعت رئيس مباحث قطاع الشمال، مع ضباط الفرقة ليرسم خريطة الطريق وتوزيع المهام أملا في فك لوغاريتم الجريمة، مشددا على أهمية دقة وسرعة التحريات حول علاقات المجني عليه وطبيعة تعاملاته التجارية، والوقوف أيضا على أحواله مع أسرته.
سمعة سيئة
المجني عليه "خالد.ح." سبق سجنه على خلفية اتهامه بجلب "كونتينر" منشطات جنسية عام 2013، له باع في تجارة المخدرات والآثار بل وأعمال النصب على المواطنين في مجال الاستثمار العقاري لتزداد الأمور تعقيدا مع تعدد نشاطاته غير المشروعة ومن ثم تشعب أسباب الانتقام بهذه الطريقة.
أفعال المجني عليه غير السوية لم تقف عند ترويج الكيف والاتجار في القطع الأثرية والنصب، وامتدت إلى مواقعته سيدة تجمعهما صلة قرابة، ليتزوجها منعا للفضيحة ودرءا للمشاكل.
بالحديث عن الأسرة، تزوج "خالد" من "أم العيال" ورُزقا بخمسة أبناء (4 بنين - بنت) لقي أحدهم مصرعه في حادث منذ 6 أشهر، وأقدمت الفتاة التي تدرس في جامعة القاهرة بنظام الانتساب على الانتحار مؤخرا بسبب بخل أبيها ومطالبته إياها بترك التعليم "كفاية تعليم وسيبك من الجامعة.. مش كل يوم هتاخدي مني 50 جنيه".
بالعودة إلى قسم الوراق، انقسم فريق البحث إلى مجموعات حظيت كل منها بمهمة، ما بين تكثيف التحريات حول الخلافات الأسرية المتكررة بشهادة الجيران وأشقاء الأب، ومراجعة كاميرات المراقبة لتحديد هوية منفذي الواقعة وفحص خلافات الضحية التي قد تدفع أحدهم لقتله.
فتش عن المرأة
ثمة شك راود قائد فريق البحث منذ اللحظة الأولى التي وقعت عيناه على زوجة الضحية، إضافة إلى توقيت ارتكاب الجريمة في وقت مبكر من الصباح، ودراية الجناة بموعد خروج الابن الأكبر لعمله ومبيت الطالبة الجامعية عند جدتها، ودخولهم المنزل بطريقة شرعية.
تحريات العقيد أحمد الوليلي والمقدم أمثل حرحش وجهود الرائد هاني مندور أكدت تلك الشكوك بفضل دقة المعلومات التي جمعها معاونو المباحث ومراجعة سجل مكالمات أسرة المجني عليه.
8 أيام احتاجها رجال المباحث لفك طلاسم القضية مع تجمع خيوط اللعبة السوداء التي حملت معها مفاجآت صادمة أولها أن العقل المدبر للجريمة هي الزوجة بمشاركة نجلها "17 سنة" الذي كان يجبره والده على العمل لمساعدته في المصروفات.
عقب تقنين الإجراءات، ألقى الرائد هاني مندور رئيس مباحث الوراق ومعاوناه الرائد حسان الدجوي والنقيب محمد القبض على الأم ونجلها واقتيادهما إلى ديوان القسم للتحقيق.
مأساة الابن
أمام العميدين عاصم أبو الخير وعمرو طلعت وقفت الأم بثبات وثقة تحسدان عليها، فشلت محاولات الانكار والتنصل من فعلتها ومع مواجهتها بالأدلة القاطعة لتكتب الفصل الأهم في تلك القصة بقولها "مش ندمانة.. ولو رجع بيا الزمن هقتله بدون تردد"، مضيفة: "كنت عايشة في جحيم.. رمضان اللي فات كان بيقولنا هاتوا أكلكم وشربكم مش هصرف على حد".
السيدة الأربعينية استعانت بزوج صديقة ابنتها لما يمتلكه من سجل إجرامي مع اتهامه بقضية سرقة بالإكراه وهروبه من حكم بالسجن 10 سنوات -الذي يمر بضاقة مالية وملاحق من الديانة- لتنفيذ مخططها الشيطاني للتخلص من بعلها بدعوى سوء معاملته لها وعدم توفير احتياجات المنزل.
"هديك نص مليون جنيه وهدفع لك 15 ألف الأول ولما تخلص تاخد الباقي".. هكذا جاءت بنود الاتفاق في مجلس الدم الذي ترأسته امرأة غلبت الشيطان.
تتوالى المفاجآت على لسان العقل المدبر بالإشارة إلى أن تلك الحاولة لم تكن الأولى "حاولنا نقتله كذا مرة آخرها الأسبوع اللي فات بس كانت بتبوظ على آخر لحظة".
بينما تدلي المتهمة بأقوالها، انطلقت مأموريات لضبط باقي المتهمين، وتمكن النقيبان إسلام عمار وحسين صبري معاوين المباحث من ضبط المتهم بإطلاق النار على الضحية "زوج صديقة ابنته" وعامل وسائق توك توك بحوزتهم 3 أسلحة نارية (2 فرد خرطوش - فرد رصاص) و14طلقة مختلفة الأعيرة، هاتفي محمول وطقم حُلى فضة والمركبة المستخدمة.
أسدل رجال المباحث الستار على واحدة من القضايا المعقدة لكن المشهد الأصعب كان لدى معرفة الابن الأكبر بالحقيقة فبات في حسرة وحيرة "أخد عزاء أبويا ولا أجيب محامي لأمي المتهمة بقتله ولا أشوف هربي إخواتي إزاي".
فيديو قد يعجبك: