"بابا قتل ماما".. حكاية الركلة القاتلة والطلب الأخير في "جريمة أوسيم"
كتب- محمد شعبان:
لم تكن تعلم "هدى" أن مطالبتها زوجها بزيادة مصروف المنزل بضعة جنيهات ستكتب الفصل الأخير في حياتها في واقعة مؤسفة دارت أحداثها على مرأى ومسمع من طفليها تاركة إياهما وشقيقهما الأكبر في مواجهة مصير مجهول، بينما ملابسات تلك الجريمة لا تزال عالقة في أذهانهم، وأضحت كابوسا يطارد ثلاثتهم بلا رحمة.
في صيف عام 2002، جمعت الصدفة بين "هاني" و"هدى"، أعجبت الأخيرة بلباقة المهندس الزراعي واختياره كلمات تجد طريقها دون أي عراقيل إلى عقلها وقبله قلبها، عاد كل منهما إلى منزله لكن دون التوقف عن التفكير المقترن بالتأمل لأحداث تلك الجلسة التي تكررت في غضون فترة قصيرة باتفاق مسبق.
المصارحة والمكاشفة كانتا عنوان اللقاء الثاني، انطلقت كلمات الحب والغرام من لسان الشاب كنسائم صيفية، وحظيت بقبول كبير لدى المحبوبة التي بادلته نفس المشاعر لتتعدد اللقاءات بينهما فيما بعد، انتهاءً بطلب المهندس التقدم لخطبتها.
وافق أهل "هدى" على إتمام خطوبة ابنتهم من الشاب الذي يكبرها بنحو 7 أعوام، بل امتد الأمر إلى تحديد موعد حفل الزفاف مع امتلاك "هاني" لعش الزوجية.
أشهر قليلة عقد معها قران المحبوبين، وفي حفل زفاف بهيج بحضور الأهل والأصحاب كللت تلك العلاقة العاطفية بالنجاح بوصولها أهم محطاتها، إذ انتقلا للعيش في عش الزوجية في إحدى قرى مركز أوسيم شمال محافظة الجيزة، تعاهدا على السير معا أبد الدهر وتنحية أي خلافات مما لا يخلو منها أي منزل على وجه المعمورة.
رُزق الزوجان بـ3 أطفال هم: (محمد - رُفيدة - فوزي)- على الترتيب- فبات جُل حلمهما تنشئتهم كنواة لجيل جيد، أب فاضل وأم فاضلة، إلا أن رياح المشكلات أتت بما لم تشتهِه سفن الزوجين، عرفت الخلافات طريقها إلى المنزل البسيط.
بعد مرور 7 سنوات وصل قطار الزوجين محطته الأخيرة- غير المتوقعة- تمسك "هدى" بالانفصال كان القول الفصل لينتهي الأمر بالطلاق إلا أن الأخيرة لم تكتفِ بذلك، وأقامت دعوى قضائية ضد والد أطفالها بتهمة "التبديد".
استشاط "هاني" غضبًا من فعلة طليقته، وجاء الرد سريعا؛ إذ تزوج من سيدة أخرى، واشترى لها بيتا مجاورًا لعش الزوجية القديم تزامنًا مع محاولات من عقلاء العائلتين في تصحيح المسار ورد "أم العيال".
اشترط الزوج تنازل طليقته عن دعواها القضائية مقابل ردها إلى عصمته، لتوافق "هدى" بضغط من أسرتها ولم الشمل من جديد وضمان تربية أبنائها على النحو الذي تمنته، منذ وصولهم الدنيا.
رغم اكتمال عقد الأسرة من جديد، إلا أن معاملة الأب تغيرت؛ بدا أكثر قسوة على أطفاله ووالدتهم، كان النصيب الأكبر منها لنجله الأكبر "محمد" حتى اضطر لترك المنزل والعيش في كنف جده لمدة عامين.
رغم فصل "هاني" بين زوجتيه قدر المستطاع، إلا أن الغيرة كانت تعصف بهدوء واستقرار الأسرتين، مشادات ومشاحنات الزوجة الأولى و"ضرتها" باتت سيناريو يوميًا متكررًا، وآخرها الأسبوع الماضي.
مساء الجمعة الماضي، وقعت مشادة كلامية حادة بين الزوجتين، توعدت خلالها كل منها الأخرى بالشكوى للزوج لدى عودته من العمل.
مع غروب الشمس وصل "هاني" صاحب الـ45 سنة منزل زوجته الثانية التي لم تمهله الوقت لالتقاط أنفاسه، راحت تشكو له سوء معاملة "ضرتها" وتهديدها لها بالإيذاء لينطلق الزوج إلى منزل زوجته الأولى "هدى" حيث "اللقاء المشؤوم".
"عاوزاك تزود مصروف البيت" أشعلت الجملة غضب "هاني" الذي طالبها بتخفيض طلباتها المالية "اللي بدهولك يكفيكي وعيالك" لكنها أصرت على مطلبها المالي فوقعت بينهما مشادة كلامية حادة تطورت إلى مشاجرة حامية الوطيس، اعتدى خلالها المهندس الزراعي على زوجته ضربا باليد وركلا بالقدم حتى خرت ذاتُ الجسد الهزيل مغشيًا عليها.
اتصل "هاني" بشقيقه ليساعده في نقل زوجته إلى مستشفى قصر العيني، وتم إيداعها قسم الطوارئ داخل المستشفى الجامعي العتيق، إذ أخبر المهندس الطبيب المعالج بسقوطها من أعلى "هي بتتعالج من هشاشة بالعظام.. ووقعت".
لم تلقَ كلمات الزوج قبولا لدى الطبيب، ثمة شك يراوده عن وجود لغز في كيفية إصابة السيدة الثلاثينية لا سيما إصابتها بكسر في الفقرات العنقية التي تؤثر على النخاع الشوكي، موجها بملاحظة حالتها على مدار الساعة داخل غرفة العناية المركزة.
بعد مرور 48 ساعة ساءت حالة "هدى" وأخبر الأطباء أشقاءها "حالتها حرجة جدا.. هي بين إيدين ربنا". لم تفلح محاولات شقيقات "هدى" في إبعاد طفليها "رفيدة" و"فوزي" عن متابعة تطورات الحالة الصحية لوالدتهما، إذ تشبثا ببصيص أمل أن تعبر الأم تلك الكبوة، بينما تنهمر الدموع من مقلتيهما حزنا على ما آلت إليه الأمور.
فاضت روح "هدى" إلى بارئها في الساعات الأولى من اليوم الثالث لدخولها المستشفى "الاثنين" ليبلغ مسؤولو نقطة الشرطة الملحقة بالمستشفى مأمور قسم شرطة أوسيم.
داخل مكتبه في الطابق العلوي المخصص لوحدة المباحث، لم يكن المقدم مجدي موسى، رئيس مباحث أوسيم، قد غادر بعد، يفحص أوراق قضية قيد التحقيق يقطع انهماكه في العمل صوت جهاز اللا سلكي القابع أمامه ملعنًا بداية ساخنة ليوم عمل جديد "سيدة توفيت في المستشفى وفيه شبهة جنائية".
فور وصوله المستشفى، حرص المقدم "موسى" على التعامل مع الموقف إنسانيا بعيدا عن عمله الشرطي ومراعاة حالة أسرة المتوفاة، ليقرر أن تكون خطوته الأخيرة سماع أقوال أشقائها.
واطلع الضابط على تقرير مفتش الصحة الخاص بالحالة وأسباب الوفاة، وتوقف عند عبارة شكلت لغزًا محيرًا "كسر في الفقرة العنقية.. ده حصل إزاي؟" إضافة إلى اختفاء الزوج، لتزداد معها شكوكه.
بالانتقال إلى ميدان الجلاء، وتحديدا مكتب رئيس قطاع الشمال، كان العميد عمرو طلعت يتابع تطورات القضية موجها رجال البحث الجنائي "افحصوا البلاغ كويس".
لم يكذب رئيس المباحث ومعاونه الرائد وليد كمال خبرًا، عمدا إلى جمع المعلومات حول علاقة المتوفاة وزوجها، والوقوف على اللحظات الأخيرة قبل وصولها المستشفى، والتي أكدت توتر علاقتهما بعد زيجته الثانية.
"ماما ما وقعتش يا خالتو.. بابا فضل يضربها لحد ما أغمى عليها".. كلمات انطلقت من لسان الطفلين كالرصاص، وقعت كالصاعقة على مسامع أشقاء "هدى" الذين أخبروا رجال الشرطة بنشوب مشاجرة بينهما وفر هاربا.
رويدا رويدا بدت الصورة جلية أمام رجال المباحث، وأن الأمر ادعاء سقوط من أعلى، بل هو ضرب أفضى إلى موت بعدما سدد الزوج ركلة قاتلة تسببت في إصابة زوجته التي أودت بحياتها.
عقب تقنين الإجراءات واستصدار إذن من النيابة العامة، تمكنت مأمورية قادها الرائد وليد كمال والنقيب إبراهيم فاروق معاونا المباحث من ضبط المتهم الذي أقر بتسببه في وفاتها "مكنش قصدي أقتلها".
في أقل من 24 ساعة، أسدل رجال المباحث بقيادة اللواء محمود السبيلي، مدير الإدارة العامة لمباحث الجيزة، الستار على تلك القضية بإحالة المتهم إلى النيابة العامة التي أمرت بحبسه على ذمة القضية.
فيديو قد يعجبك: