مؤامرة "الشطة" و72 ساعة بحث.. "خطة بوليسية" تكشف لغز سرقة إيراد فندق بالدقي
كتب - محمد شعبان:
كعادته مطلع كل أسبوع، انتهى مدير خزينة فندق من كشف حساب الأيام الثلاث الماضية، أعد إيراد اقترب من نصف مليون جنيه تمهيدا لإيداعه في البنك الذي تتعامل معه إدارة المنشأة السياحية، وتوجه صحبة سائق يعمل لدى الفندق في رحلة متكررة اختلفت نهايتها تلك المرة.
على بعد خطوات من الفندق الشهير الكائن بحي الدقي وسط محافظة الجيزة، يتولى "ياسر" تنظيم سيارات رواد الفندق، مستخدما كلتا يديه في "ركن" ذات الأربع عجلات بينما تفحص مقلتاه الزبائن الذين تبدو عليهم مظاهر الثراء ثمة وساوس شيطانية يتردد صداها بين أضلاعه "إشمعنا دول.. هي جات عليا!".
الأسبوع قبل الماضي دار حديث مقتضب بين "ياسر" و"محمد" سائق يعمل طرف الفندق، شكا الأربعيني سوء أحواله المادية إلى الثاني. لحظات صمت انتابت السايس كانت محل ملاحظة من السائق الذي بادر بسؤاله "انت بتفكر في ايه؟" لينطق بكلمات خرجت كالرصاص "خبطة العمر اللي هنرتاح بعدها" وسط حالة وجوم انتابت جليسه.
الثانية إلا الربع ظهر الأحد الماضي، توجه صراف الفندق إلى البنك رفقة السائق "محمد"، لم يتغير خط السير انطلاقا من شارع المساحة وصولا إلى شارع نوال بحي العجوزة لكن جديدا طرأ على السيناريو المعتاد، استولى مجهولان على حقيبة الأموال بنزلة كوبري الدقي، وفرا هاربين.
مؤشرات ضبط الوقت كانت تشير إلى الثانية ظهرا، يتفقد العميد محمد الطويل، مأمور قسم الدقي، الخدمات داخل أروقة القسم العتيق، ويطمئن على حسن معاملة المواطنين وفقا لسياسة وزارة الداخلية، يقطع جولته شرطي أتى مسرعا لإبلاغه عن حضور شخصين للإبلاغ عن حادث سرقة.
مدير خزينة فندق وسائق تابع لذات الفندق، قررا أنهما حال نقلهما مبالغ مالية إلى أحد البنوك، وعند تقاطع شارع وزارة الزراعة مع شارع نوال، فوجئا بشخصين قاما برش "بودرة شطة" في وجههما، واستوليا على حقيبة بداخلها ٢٣٠ ألف جنيه و١٠ آلاف دولار -ما يساوي 180 ألف جنيه مصري- ولاذا بالهرب مستقلين سيارة أجرة "تاكسي".
تبدلت الأحوال داخل أروقة القسم، وصل اللواء مدحت فارس نائب مدير مباحث الجيزة، وعقد اجتماعا مع فريق البحث الذي ضم العميد عمرو طلعت رئيس مباحث قطاع الشمال، والعقيد عمرو البرعي مفتش فرقة الوسط، والمقدم محمد أبو زيد، وكيل الفرقة.
على مدار ساعة كاملة بحث اللواء فارس خطة البحث وأدوار المشاركين بحضور ضباط وحدة مباحث الدقي. تلا الاجتماع المكبر ثان مصغر ترأسه المقدم هاني الحسيني رئيس مباحث الدقي مع معاونيه الرائدين حسام العباسي ومحمد مجدي لوضع اللمسات الأخيرة لخطة العمل.
انطلق رجال البحث الجنائي إلى نقطة النهاية -حيث وقع الحادث- بحثا عن كاميرات مراقبة لكن بدا الأمر معقدا حتى عثروا على واحدة مُثبتة بشقة بالطابق الخامس لعقار بمحيط مكان الواقعة، التقطت السيارة المستخدمة ماركة "فيرنا".
لم تكتمل فرحة ضباط المباحث بسبب حيلة اتبعها الجناة لدى هروبهم: "شنطة العربية مرفوعة علشان تداري على اللوحة المعدنية" إضافة إلى أن الكاميرا أظهرت حرفين ورقم وحيد من اللوحة. تشبث رئيس المباحث ومعاوناه ببصيص أمل قد يقودهم إلى حل اللغز، عمد ثلاثتهم إلى تتبع خط السير حتى انحصر الاشتباه في 5 سيارات.
بالعودة إلى ديوان قسم الدقي القريب من نهر النيل، استمع رجال التحقيق إلى أقوال المبلغ الثاني "السائق" للاشتباه في تورطه بالحادث، وخضع للاستجواب على مدار 3 أيام متتالية تمسك طوالها بصحة موقفه "معرفش حاجة" لينتهي الحال بإخلاء سبيله لعدم وجود دليل إدانة.
مساء الثلاثاء -ثالث أيام البحث- توصلت تحريات المباحث إلى هوية سائق التاكسي وتبين أنه يدعى "أحمد. م. أ."، 38 سنة، وجرى ضبطه واقتياده إلى القسم للتحقيق.
بهدوء وثقة يحسد عليهما، جلس السائق نافيا تورطه في الواقعة جملة وتفصيلا مشيرا إلى أنه كان متواجد بمنطقة المهندسين لتوصيل تلاميذ إلى مدرسة القومية بالعجوزة -محيط الواقعة- لكن تحريات الرائد حسام العباسي كشفت كذبه بعد تأكيد أولياء الأمور "يوم السبت اتصل واعتذر عن توصيل الولاد تاني يوم علشان العربية عطلانة".
حاول السائق الثلاثيني إيجاد سيناريو بديل فأخبر رجال المباحث "يوم الأحد كنت في البيت منزلتش" لكن انفرط عقد تماسكه لدى مواجهته بالتحريات وسجل المكالمات في توقيت متزامن لارتكاب السرقة لينتهي به المطاف معترفا "عملت القصة دي مع أخو مراتي نور الدين".
تنفس عناصر فريق البحث الصعداء، أمسكوا للتو بطرف الخيط الذي سيكشف عن تفاصيل ما جرى ظهر ذلك اليوم، لتنطلق مأمورية بقيادة الرائد محمد مجدي معاون، وأمكن ضبط "نور الدين. ص" 35 سنة، عاطل، الذي فجر مفاجأة: "السواق بتاع الفندق معانا يا باشا" ليُدلي بعدها باعترافات تفصيلية.
وقال المتهم صاحب الـ 35 سنة، إنه وباقي المتهمين لم يكونوا على دراية بمواصفات السيارة التي تقل مدير الخزينة حتى تلقوا اتصالا من السائق قبل تنفيذ الواقعة بوقت قصير أخبرهم بـ"هقلب نور 3 مرات وأنا نازل من كوبري الدقي".
استدعاء جديد لسائق الفندق لكن لم يكن كسابقيه، يمتلك رجال المباحث تلك المرة أدلة قاطعة تُثبت تورطه، وأقر بصحة التحريات لتتوالى المفاجآت بإشارته إلى أن العقل المدبر للواقعة "السايس هو اللي مربط كل حاجة وجاب العيال" وتبين أنه يدعى "ياسر.م." 48 سنة، وأمكن ضبطه.
ارتفاع عدد المقبوض عليهم إلى 4 متهمين، وقفوا بنظرة حسرة تملأ أعينهم وأيادٍ مُصفدة بـ"كلبش"، تحولت أحلامهم المشبوهة سرابا، ليروي سائق الفندق كيفية تنفيذ حادث السرقة لدى تهدئته للسرعة بمدخل شارع نوال، ترجل المتهمان نحو السيارة "رشوا شطة عليا والصراف وخطفوا الشنطة وهربوا في التاكسي" وأرشد عن المبلغ المسروق.
"تمام يا فندم.. المتهمين اتقبض عليهم ورجعنا الفلوس" بهذه الكلمات زف قائد فريق البحث الخبر السار إلى اللواء محمود السبيلي مدير مباحث الجيزة، الذي نقل لهم تحيات مساعد وزير الداخلية لأمن القطاع، ليُسدل الستار على الواقعة في غضون 72 ساعة، وتم استدعاء مسؤولي الفندق لاستلام المبلغ وسط دهشة ممزوجة بصدمة لدى إخبارهم بأن العقل المدبر وذراعه اليمنى هما السايس والسائق الذي يعمل طرفهم.
فيديو قد يعجبك: