بعد العثور على جُثتها ممزقة بـ13 طعنة.. لماذا قُتلِت "سيدة القطط" بإمبابة؟ -(صور)
كتب- محمد شعبان:
"مش ناوي تدفع الإيجار.. كده كتير يا بني" سيناريو معتاد بين مالكة عقار بمنطقة إمبابة وأحد المستأجرين؛ بسبب تأخره عن سداد قيمة الإيجار لمدة شهرين متتاليين، إلا أن الأخير بدأ يضيق صدره من توبيخ "العجوز" المستمر له، وخاصة أن أوضاعه المالية من سيئ إلى أسوأ حتى وسوس له الشيطان بسرقتها لكنه لم يدر أن الأمور ستنتهي به خلف القضبان ينتظر حكم الإعدام.
منذ 8 أشهر، حضر "مصطفى" إلى القاهرة تاركا مسقط رأسه في مركز أبوتيج بمحافظة أسيوط؛ بحثا عن لقمة العيش لتوفير نفقات أسرته، واستقر به الحال داخل شقة متواضعة بعقار قديم بمنطقة المنيرة الغربية، تملكه عجوز تدعى "كريمة" التي حرصت منذ الوهلة الأولى على تلقينه الوصايا السبع للإقامة "السكان هنا طيبين كل واحد في حاله.. أهم حاجة الالتزام في دفع الإيجار ومتعملش مشاكل".
تعيش صاحبة الـ66 سنة بمفردها بعد وفاة زوجها منذ عدة سنوات، واعتادت على الحياة بمفردها، تتنقل بين شقتين بالطابقين الثالث والرابع، إذ خصصت الأخيرة لتربية القطط التي تعتني بهم بشكل دقيقي فهم بمثابة أطفالها التي لم تنجبهم، وراحت تبحث عن "ونس" فقدته برحيل الزوج، كما أن تقدمها في العمر يحجم من حركتها، ولم تعد تقوى على زيارة الجيران لقضاء بعض الوقت معهم كسابق عهدها.
ظن "مصطفى" - الذي يقطن في شقة بالطابق الثاني- أن قدومه للقاهرة سيفتح له "كنز على بابا" عبر عمله كتاجر خردة، وأن الأحوال ستتبدل إلى أفضل حال، لكنه وجد نفسه محاصرا بأزمة مالية تزامنا مع ارتفاع مصروفات أسرته وطلبات أبناءه، وخالف للمرة الأولى وصايا مالكة العقار السبع "الالتزام في دفع الإيجار"، واضطر لمماطلتها والتهرب من الدفع.
لم تتحمل العجوز سوى شهرين، وراحت تهدد "مصطفى" بالطرد حال عدم سداده قيمة الإيجار المتأخرة، ليطلب منها منحه مهلة إما الحصول على أموال من حصيلة عمله "الذي تكسوه حالة من الركود مؤخرا" أو الاقتراض من أحد أفراد عائلته. كلمات صاحب الـ39 سنة لم تستقر في وجدان السيدة التي قاربت على إتمام عقدها السابع فجاء التحذير الأخير "دا آخر إنذار.. لو مدفعتش هتمشي".
على أحد مقاهي منطقة المنيرة الغربية، جلس "مصطفى" يحتسي كوبا من الشاي "الصعيدي" ينفخ همومه على أنفاس المعسل، واختمرت في ذهنه خطة ستخلصه من ضائقته المالية والكف عن سماع جملة "فين الإيجار؟"، وذلك بسرقة مالكة العقار مستغلا إقامتها بمفردها وبدأ يجهز لتنفيذ جريمته من خلال نقل أسرته إلى بلدته بدعوى الحصول على إجازة والاطمئنان على الأهل والأقارب.
تقمص "مصطفى" دور المخبر السري لمراقبة العجوز طوال الـ24 ساعة، وأخبر الجيران بأنه سيسافر إلى أسيوط، وانتظر الوقت المناسب لتنفيذ خطته مستغلا الهدوء الذي يسود العقار.
صباح الاثنين قبل الماضي تبدلت الأمور 360 درجة، رجال المباحث والمعمل الجنائي ينتشرون في جنبات العقار، كردون أمني بمحيط العقار عقب العثور على جثة مالكته "كريمة" ترتدي ملابسها كاملة، ملفوفة داخل سجادة حمراء، وحول رقبتها إيشارب أسود، وبها آثار طعنات متفرقة بالجسم.
معاينة العميد محسن كامل، مأمور قسم إمبابة، أثبتت سلامة منافذ الشقة، وعدم وجود بعثرة في محتوياتها، وعُثر على صندوق حديدي بداخله 33 ألف جنيه بشقة أخرى ملك الضحية بالطابق الثالث، ليوجه اللواء إبراهيم الديب، مدير الإدارة العامة لمباحث الجيزة، بتشكيل فريق بحث لكشف ملابسات الجريمة، وضبط الجاني.
داخل مكتبه بقسم إمبابة، عقد العقيد محمد عرفان، مفتش مباحث شمال الجيزة، اجتماع مع ضباط مباحث القطاع في مقدمتهم المقدم محمد ربيع، رئيس المباحث؛ لبحث خطة الكشف عن ملابسات الواقعة والتي تركزت على فحص مسرح الجريمة، وتنشيط مصادر المعلومات السرية، ومناقشة قاطني المنطقة، واستخدام التقنيات الحديثة في تتبع الهواتف المحمولة، وخطوط السير المحتملة لهروب الجاني، إضافة إلى حصر دائرة معارف المجني عليها وخلافاتها ومعاملاتها.
انطلق المقدم محمد ربيع إلى مسرح الجريمة، وبدأ في جمع المعلومات عن سكان العقار، قبل أن يستمع إلى أحدهم، ليؤكد سفر مستأجر شقة بالطابق الثاني في ظروف غامضة تكاد تتزامن مع ارتكاب الجريمة ليتوقف رئيس المباحث عند كلمات الجار، موجها معاونيه بعمل تحريات موسعة عن المشتبه به الأول قبل أن تستوقفه سيدة تقيم بنفس العقار أخبرته "تقريبا رجع وأسرته يوم اكتشاف الجريمة".
أيقن المقدم محمد ربيع أن "الساكن الجديد" هو مفتاح لغز القضية، ووجه معاونيه النقباء محمد المغربي ومصطفى الدكر ومصطفى عبد الله بضبط المشتبه به بالتنسيق مع مديرية أمن أسيوط، فكانت المفاجأة عند إلقاء القبض عليه بالعثور على مشغولات ذهبية وهاتف المجني عليها مخبأة لديه "أنتم عرفتوا كل ده بسرعة إزاي".
حالة من الذهول سيطرت على الشاب الثلاثيني بعد سقوطه في قبضة المباحث، وبدأ يدلي باعترافاته التفصيلية، مشيرا إلى أنه يوم 5 مارس الجاري، عقد العزم على قتل الضحية وسرقتها، وشاهدها أثناء صعودها لشقتها بالطابق الرابع لإطعام القطط، وحال فتح الباب، دفعها إلى الداخل، وحاولت الاستغاثة، فأحضر سكينا من الشقة، وسدد لها 13 طعنة بأماكن مختلفة بالجسم، واستولى على مصوغاتها الذهبية و750 جنيها، وهاتفها المحمول.
أضاف أنه سافر إلى بلدته، وأخفى المسروقات بمنزله هناك، وأرشد الملابس التي كان يرتديها وقت تنفيذ الجريمة (قميص - بنطال) بهما آثار دماء، وتخلصه من السكن بمقلب قمامة أثناء هروبه، مختتما قوله "مكنتش أقصد أقتلها.. كنت عاوز أسرقها علشان أفك زنقتي".
واصطحبت قوة من قسم شرطة إمبابة بقيادة الرائد محمد المغربي المتهم إلى شقة الضحية لإجراء معاينة تصويرية، وسط ذهول الجيران أثناء تمثيل الجريمة التي كانت الجدران الملطخة بالدماء شاهدة على أحداثها، قبل نقل الجاني إلى محبسه انتظارا لإحالته للمحاكمة الجنائية.
فيديو قد يعجبك: