إعلان

لماذا لم يُبطل القضاء الإداري ترسيم الحدود مع "قبرص" أسوة بـ "السعودية"؟

01:00 م الأربعاء 30 أغسطس 2017

كتب – محمود الشوربجي:
في حكم قضائي جديد خاص بترسيم حدود مصر البحرية، أكدت محكمة القضاء الإداري أمس عدم اختصاصها بإلغاء قرار الحكومة بالتوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الاقتصادية بين مصر وقبرص، باعتبارها من أعمال السيادة، وهو ما يتعارض مع الحكم الصادر سابقًا من المحكمة ذاتها بشأن بطلان اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية واعتبار تيران وصنافير جزرًا مصرية.

ويبرر فقهاء قانونيون عدم اختصاص القضاء الإداري بالفصل في اتفاقية ترسيم الحدود مع قبرص بداعي عدم تنازل الاتفاقية عن جزء من إقليم الدولة، عكس اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية، التي تضمنت نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وهو ما استوجب إبطالها بحكم من القضاء الإداري.

يقول المستشار محمد حامد الجمل، الرئيس الأسبق لمجلس الدولة، إن عدم اختصاص القضاء بنظر اتفاقيات ترسيم الحدود باعتبارها من أعمال السيادة هو مبدأ قضائي مستقر عليه في القانون المصري والقوانين الدولية، "الحكم سليم، وكافة المبادئ القضائية المستقرة في أحكام مجلس الدولة تؤكد أن ترسيم الحدود بين الدولة من أعمال السيادة التي لا يحق للقضاء نظرها".

وأن الحكم الأخير صحح مسار حكم بطلان اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية الذي يعتبر باطلًا -وفق قوله-، موضحًا أن ما يؤكد ذلك هو سريان الاتفاقية بعد إقرارها من قبل مجلس النواب، وتوقيع رئيس الجمهورية عليها ونشرها بالجريدة الرسمية.

ويتفق معه في الرأي محمد سالم، المحامي بالاستئناف العالي ومجلس الدولة‏، مستشهدًا بالمادة 11 في قانون مجلس الدولة التي نصت على: "لا تختص محاكم مجلس الدولة بالنظر في الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة".

ويضيف سالم: المادة 151 من الدستور أقرت بقيام رئيس الجمهورية بإبرام الاتفاقيات الدولية بعد موافقة مجلس النواب، وبالتالي فإن القضاء بعيد عن الفصل في اتفاقيات ترسيم الحدود، واصفًا حكم بطلان ترسيم الحدود مع السعودية بالحكم "المسيّس".

ويستشهد المحامي بالاستئناف العالي بنص المادة 151 من الدستور التي تنص على: "يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا لأحكام الدستور. ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة. وفى جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة".

وعلى النقيض؛ يؤكد الفقيه الدستوري عصام الإسلامبولي، أن كل دعوى قضائية لها وقائعها وملابساتها التي تختلف عن الأخرى، والدليل أن اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية كانت قائمة على أساس التنازل عن جزء من أراضي الدولة -جزيرتي تيران وصنافير- إضافة إلى أنه لم يكن هناك اتفاقية بل كانت مشروع اتفاق مع السعودية مُوقع من رئيس الوزراء، وليس رئيس الجمهورية، بجانب كونها لم تُنشر بالجريدة الرسمية، وبالتالي كان من الطبيعي إصدار حكم بشأنها من القضاء الإداري.

ويضيف الإسلامبولي لمصراوي: أن المادتين 1و 151 أكدتا أن مصر دولة ذات سيادة، موحدة لا تقبل التجزئة، ولا يمكن التفريط في أي جزء من إقليمها لأي دول أجنبية، إضافة إلى أن المادة 97 من الدستور شددت على عدم جواز تحصين أي قرار أو عمل من رقابة القضاء، معتبرًا أن كل ذلك يؤكد صحة حكم بطلان ترسيم الحدود مع السعودية.

ويشير الفقيه الدستوري إلى أن دعوى بطلان ترسيم الحدود مع قبرص تختلف كليًا عن دعوى بطلان ترسيم الحدود مع السعودية، باعتبارها لم تتضمن أي تنازل عن أراضي الدولة.

ويقول المحامي الحقوقي طارق نجيدة، إن الاتفاقية الموقعة مع قبرص تم خلالها ترسيم الحدود البحرية بالمنطقة الاقتصادية، وتحديد الحدود الإقليمية وفقًا لقانون البحار، ونص الاتفاق على تبادل واقتسام حقول الغاز الموجودة بالمياه الاقتصادية، ولم يترتب عليه التنازل عن جزء من إقليم الدولة مثلما حدث باتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية، وفق قوله.

ويضيف نجيدة لمصراوي، أن تعيين الحدود السعودية ترتب عليه التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، وهو الأمر "المحظور نهائيا على كل سلطات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية، ومحظور أيضًا على الشعب باعتباره مصدرًا للسلطات" ولذلك حكمت المحكمة ببطلان توقيع هذه الاتفاقية.

ويرى نجيدة أن الحكم الصادر بعدم الاختصاص الولائي بشأن اتفاقية تعيين الحدود مع قبرص، سببه أنها اتفاقية تتعلق بتعيين المنطقة البحرية الاقتصادية لكل دولة، ولم يترتب عليها التنازل عن أراضي الدولة، وهو أمر محظور وفقًا للمادتين 1 و 151 من الدستور، اللتين اعتبرتا أي معاهدة يترتب عليها تنازلًا عن إقليم الدولة "عملًا باطلًا وغير جائز على الإطلاق".

ويضيف المحامي الحقوقي: لا يجوز اعتبار أعمال السلطة التنفيذية، أو التشريعية محصنة أمام نص الدستور القاطع المانع، وبالتالي لا يصح القول بأن أعمال السيادة -بفرض توافرها في عمل السلطات السياسية عند إبرام المعاهدات- تعلو وتسمو أو تتحصن أمام نص دستوري قاطع مانع مثل المادة 151 من الدستور في فقرتها الثالثة.

وأن هناك فروق جذرية كبيرة بين اتفاقية تعيين الحدود البحرية المصرية السعودية التي لا تعتبر عملًا من أعمال السيادة، وبين اتفاقية تعيين الحدود البحرية مع قبرص المتعلقة باقتسام حقول الغاز والبترول.

وكانت المحكمة الدستورية العليا، أوقفت كافة الأحكام المتعلقة بترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، لحين فصلها في مدى اختصاص المحاكم بنظر الاتفاقيات من عدمه.

وقضت محكمة القضاء الإداري، أمس الثلاثاء، بعدم الاختصاص الولائي في نظر الدعوى المقامة من السفير إبراهيم يسري، وكيل وزارة الخارجية الأسبق، لإلغاء قرار الحكومة المصرية بالتوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الاقتصادية التي وقعتها مصر مع قبرص عام 2004.

وذكرت الدعوى أن الاتفاقية ترتب عليها استحواذ قبرص وإسرائيل على حقول غاز طبيعي، بمساحات ضخمة شمال شرق البحر المتوسط، رغم قرب هذه الحقول إلى دمياط بأقل من 200 كيلو متر، وبعدها عن حيفا بأكثر من 230 كيلو مترًا.

وأن الخرائط القبرصية توضح أن حقل أفروديت في جبل إراتوستينس يدخل في عمق منطقة امتياز نيميد، التي كانت مصر قد منحتها لشركة "شل" ثم تراجعت عنها دون مبررات منطقية أواخر عام 2015.

ونشرت الجريدة الرسمية، في 17 أغسطس الماضي، نص القرار الجمهوري بالموافقة على اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية والموقعة في أبريل من العام الماضي والتي تنتقل بموجبها السيادة على جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر، إلى السعودية.

وأيّدت المحكمة الإدارية العليا في يناير من العام الحالي، حُكم أول درجة ببطلان الاتفاقية، حتى قرر مجلس النواب الموافقة عليها في 14 يونيو الماضي.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان